الخميس، 10 مايو 2018

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 02

شرح نصيحة المعلمي 02
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم
02

بوعلام محمد بجاوي

المقدمة : المرض أمر كوني

قال المعلمي : إن الأمة قد اتبعت سنن من قبلها كما تواترت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قضى الله كونا أن تتبع هذه الأمة سبيل مَن قبلها من الأمم، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، و ذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله، اليهود و النصارى ؟  قال : فمن" [ ( خ / 3456 ، 7320 – م / 2669 ) ]
و المقصود متابعتهم فيما أحدثوا و بدّلوا و تركوا من شرائع أنبيائهم  
قال ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف ( ت : 449 ) عن المهلب أبي القاسم بن أحمد بن أسيد ( ت : 433 أو بعدها ) : فأخبر صلى الله عليه وسلم  أن أمته قبل قيام الساعة يتبعون المحدثات من الأمور، و البدع و الأهواء المضلة كما اتبعتها الأمم من فارس و الروم حتى يتغيّر الدين عند كثير من الناس، و قد أنذر صلى الله عليه وسلم في كثير من حديثه أن الآخر شر، و أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، و أن الدِّين إنما يبقى قائما عند خاصة من المسلمين لا يخافون العداوات، و يحتسبون أنفسهم على الله في القول بالحق، و القيام بالمنهج القويم في دين الله .اهـ[1]

الركن الأول : وصف المرض  

قال المعلمي : و من ذلك، بل من أعظمه، بل أعظمه أنها فرقت دينها و كانت شيعا .
إذا كانت هذه الأمة قد اتبعت سنن من قبلها، فإن أعظم ما ابتدعت الأمم السابقة الاختلاف و الافتراق بعد الاتفاق مع وضوح الحق، فتجدهم فرقا كثيرة متباينة يجمعها " الكفر بالله و ابتداع ما لم يأذن به الله "
قال الشافعي محمد بن إدريس ) ت : 204 ( – عن النبي صلى الله عليه وسلم – : بعثه، و الناس صنفان :
أحدهما : أهل كتاب بدّلوا من أحكامه و كفروا بالله، فافتعلوا كذبا صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم
و صنف : كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن الله به، و نصبوا بأيديهم حجارة و خشبا و صورا استحسنوها و نبزوا أسماء افتعلوها، و دعوها آلهة عبدوها، فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها ألقوه و نصبوا بأيديهم غيره فعبدوه : فأولئك العرب
و سلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا، و في عبادة ما استحسنوا من حوت و دابّة و نجم و نار و غيره
فكانوا قبل إنقاذه إياهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أهل كفر في تفرقهم و اجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور :
الكفر بالله
و ابتداع ما لم يأذن به الله
تعالى عما يقولون علوا كبيرا ، لا إله غيره، سبحانه و بحمده، رب كل شيء و خالقه .اهـ[2]
و لا يزالون إلى اليوم يختلفون بسبب إعراضهم عن الوحي الذي أتتهم به رسل ربهم، و ما أرسلت الرسل و أنزلت الكتب إلا لبيان الحق فيما حصل فيه الخلاف، أي الرد إلى الأمر الأول
قال تعالى } كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [ البقرة : 213 ]  
و قال } وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ { [ يونس 19 ]
و قال } تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ { [ البقرة 253 ]
و قال } وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{ [ يونس 93 ]
و قال } وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { [ النحل 64 ]
و قال } وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ { [ الشورى 14 ]
و قال } وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ { [ الجاثية 17 ]
و قال } وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ {  [ البينة 4 ]
و قال } إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ { [ النمل 76 ]
و قال } إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ { [ السجدة 25 ]   
و قال } أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ { [ الزمر 3 ]
و قال } قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ { [ الزمر 46 ] 
و قال } وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ { [ هود 118 ]
و قال } إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ { [ الأنعام 159 ]
و قال } مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ { [ الروم 31 - 32 ]
و قال } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ { [ آل عمران 105 ]
و في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "إن اليهود افترقت على إحدى و سبعين فرقة، و إن النصارى افترقت على ثنتين و سبعين فرقة، و ستفترق هذه الأمة على ثلاتٍ و سبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة" [ د/ 4596 ، ت/ 2640 ، جه/ 1399 ]
و في حديث العرباض بن سارية "و إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا"[ د/ 4607 ، ت/ 2676 ، جه/ 43 ، 44 ][3]

[1] شرح ابن بطال على البخاري 10 / 366
[2] الرسالة 1 / 1 - 3 - الأم 
[3] تخريجهما في : الظفر بالصواب في صاحب رسالة باب الأبواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق