الثلاثاء، 8 مايو 2018

بين يدي رمضان 02

بين يدي رمضان 02

✍ بوعلام محمد بجاوي
 
اغدوا: سير أول النهار . و روحوا : سير المساء، و المقصود به آخر النهار . الدلجة : آخر الليل
و جاء الجمع بين هذه الأوقات في القرآن :
} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى  { [ طه : 130 ]
 } فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ { [ ق : 39 – 40 ]
} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا { [ الإنسان : 25 - 26 ]
و المقصود : الاجتهاد في العبادة في هذه الأوقات
قال ابن رجب : يعني أن هذه الأوقات الثلاثة تكون أوقات السير إلى الله بالطاعات، وهي : آخر الليل، و أول النهار و آخره .اهـ[1]  
القصد : هو الاقتصاد في العبادة و عدم الغلو، و تحميل النفس ما لا تطيق، فَتَمَلّ
*عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الدين يسر، و لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا و قاربوا، و أبشروا، و استعينوا بالغدوة و الروحة و شيء من الدلجة [ خ / 39 ]
قال ابن رجب : و معنى الحديث : النهي عن التشديد في الدين بأن يحمل الإنسان نفسه من العبادة مالا يحتمله إلا بكلفة شديدة، و هذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "لن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه" يعني : أن الدِّين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شادّ الدين غلبه و قطعه .اهـ[2]
*عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد [ الحولاء بنت تويت ( م : 220 - ( 785 ) ) ]، فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : من هذه ؟ قلت : فلانة لا تنام بالليل، فذكر من صلاتها، فقال : مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا ( لا يسأم حتى تسأموا - م : 220 - (785) ) [ و كان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه - خ : 43 – م : 221 - (785 ) ] [ خ / 43 ، 1151 – م / 785 ]
قال ابن رجب : و قول النبي صلى الله عليه وسلم "مه" : زجر لعائشة عن قولها عن هذه المرأة في كثرة صلاتها و أنها لا تنام الليل و أمرٌ لها بالكف عما قالته في حقها :
فيحتمل : أن ذلك كراهية للمدح في وجهها، حيث كانت المرأة حاضرة.
و يحتمل - وهو الأظهر،  وعليه يدل سياق الحديث - أن النهي إنما هو لمدحها بعمل ليس بممدوح في الشرع، و على هذا فكثيرا ما يذكر في مناقب العباد من الاجتهاد المخالف للشرع ينهى عن ذكره على وجه التمدح به و الثناء به على فاعله ...
فإن المراد بهذا الحديث : الاقتصاد في العمل، و الأخذ منه بما يتمكن صاحبه من المداومة عليه، و أن أحب العمل إلى الله مادام صاحبه عليه و إن قلّ .اهـ[3]
*عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال : يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، و إن أحبّ الأعمال إلى الله ما دام و إن قلّ [ و كان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه - م ] [ خ / 5861 – م / 215 - (782) ]
* عن مسروق قال : سألت عائشة رضي الله عنها، أي العمل كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : الدائم، قلت : متى كان يقوم ؟ قالت : كان يقوم إذا سمع الصارخ ( كان إذا سمع الصارخ، قام فصلى - م ) [ خ / 1132 ، 6461  - م / 131 - (741) ]
الصارخ : الديك
*عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : أدومه و إن قلّ [ م / 216 - (782) ]
*القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها، و إن قلّ
قال : و كانت عائشة إذا عملت العمل لزمته [ م / 218 - ( 783 ) ]
*عبد الرحمن بن عوف عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول : قال رسول الله r : سددوا وقاربوا، وأبشروا، فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله. قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : و لا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، و اعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ [ م / 78 - (2818) ]
*عن علقمة قال سألت أم المؤمنين عائشة قال : قلت : يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل كان يخص شيئا من الأيام ؟ قالت : لا، كان عمله ديمة، و أيّكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع [ م / 217 - (783) ]
*أبو سلمة بن عبد الرحمن[4] قال حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار، و تقوم الليل ؟ فقلت : بلى يا رسول الله قال : فلا تفعل صم و أفطر، و قم و نم، فإن لجسدك عليك حقا، و إن لعينك عليك حقا، و إن لزوجك عليك حقا، و إن لزورك عليك حقا، و إن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله، فشدّدت، فَشُدِّد عليّ قلت : يا رسول الله : إني أجد قوة، قال : فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه، قلت : و ما كان صيام نبي الله داود عليه السلام ؟ قال: نصف الدهر ( فصم يوما و أفطر يوما – خ / 1976 ، 3418 – م / 182 - ( 1159) )، [ و اقرأ القرآن في كل شهر . قال : قلت : يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال : فاقرأه في كل عشرين قال قلت : يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال : فاقرأه في كل عشر. قال قلت : يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال : فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك – م /  182 ، 184 - ( 1159) ] فكان عبد الله يقول بعد ما كبر : يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم ( لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحبّ إليّ من أهلي ومالي – م / 181 - ( 1159)  ) [ خ / 1974 مختصرا ،  1975 ، 1976 ، 3418 ، 5199 مختصرا ، 6134 – م / ( 1159) ]
أبو سلمة بن عبد الرحمن قال حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل [ خ / 1152 – م / 185 - (1159) ]
و المقصود من ذكر الحديث قوله " لن ينجيَ أحدا منكم عملُه. قالوا : و لا أنت يا رسول الله ؟ قال : و لا أنا، إلا أن يتغمّدني الله برحمته "
الأعمال لا تنجي من النار وحدها مهما بلغت كثرة و حسنا، فالإنسان مهما اجتهد في طاعته لن يوفيَ الله حقه عليه، و لا نعمة واحدة هي أدنى النعم، و إنما برحمة الله تنال النجاة من النار و الفوز بالجنة، فإن الله برحمته رضي من خلقه باليسير و أعطاهم عليه الأجر الوفير و تجاوز لهم عن التقصير، خاصة هذه الأمة، فإن الله عز وجل أكرمها بما لم يكرم غيرها من الأمم حتى حسدتها على ذلك.
عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه أخبره أنه سمع رسول الله r يقول : إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا
ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا
ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين
فقال : أهل الكتابين : أي ربنا، أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، و أعطيتنا قيراطا قيراطا، و نحن كنا أكثر عملا ؟ قال الله عز وجل : هل ظلمتكم من أجركم من شيء ؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء [ خ / 557 ، 7467 ، 7533 ]
و رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثلكم و مثل أهل الكتابين، كمثل رجل استأجر أجراء، فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود، و النصارى، فقالوا : ما لنا أكثر عملا، و أقل عطاء ؟ قال: هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا: لا، قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء [ خ / 2268 و 2269 : عن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر عنه ]
ثم الوقت الذي اختصّ الله به هذه الأمة و هو ما بعد العصر إلى غروب الشمس أفضل أوقات النهار
قال ابن رجب : و هذا أفضل أوقات النهار، و لهذا كانت الصلاة الوسطى هي العصر على الصحيح، و أفضل ساعات يوم الجمعة و يوم عرفة من العصر إلى غروب الشمس، فلهذا كان خير قرون بني آدم القرن الذي بعث فيه محمد صلى الله عليه وسلم . اهـ[5]


[1] المحجة في سير الدلجة 4 / 418 – مجموع . فتح الباري 1 / 152
[2] فتح الباري 1 / 149
[3] فتح الباري 1 / 164 – 165
[4] اقتصرت على طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن
[5] فتح الباري 4 / 340

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق