شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 06
و نسب الطحاوي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة ( ت : 321 ) إلى قوم لم يسمهم اشتراط تجديد الوضوء في الحضر دون
السفر
قال
: فذهب قوم إلى أن الحاضرين يجب عليهم أن يتوضؤوا لكل
صلاة، و احتجوا في ذلك بهذا الحديث، و خالفهم في ذلك أكثر العلماء .
اهـ[1]
يريد
حديث ابن بريدة الآتي، لكن بلفظ : أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان
يتوضأ لكل صلاة
[ وهو لفظ حديث أنس كما
يأتي ]
لكن
يستحب الوضوء لكل صلاة، لأنه المستمر من فعله صلى الله عليه وسلم
الحديث الأول : عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، و مسح على خفيه .
فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، قال :
عمدا صنعته يا عمر
أخرجه
مسلم 86 – ( 277 ) من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان
و
أخرجه أبو داود الطيالسي ( 842 ) حدثنا قيس [ بن الربيع ] عن علقمة بن مرثد بلفظ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد
"
و
ابن الجعد ( 2081 ) عن يحيي بن عبد الحميد – متروك – عن قيس بلفظ "صلى يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد"
و تكلّم البخاري ابو عبد
الله محمد بن إسماعيل ( ت : 256 ) في
رواية سليمان بن بريدة عن أبيه، قال : و لم يذكر سليمان سماعا من أبيه . اهـ[2]
و إنما تركه لبيان الجواز
الحديث الثاني :
عن أنس بن مالك قال : كان النبي
صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة
قلت : كيف كنتم تصنعون ؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم
يحدث
أخرجه
البخاري ( 214 ) تحت باب : الوضوء من
غير حدث
و
أخرج بعده حديث ( 215 ) سويد بن النعمان قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر،
حتى إذا كنا بالصهباء، صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما صلى دعا
بالأطعمة، فلم يؤت إلا بالسويق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المغرب، فمضمض، ثم صلى لنا المغرب و لم يتوضأ
لتأكيد قول أنس أن الوضوء لا يجب إلا من حدث، و إنما ترك
النبي صلى الله عليه وسلم تجديد الوضوء حتى لا يظن أنه فرض واجب
و
أخرج ابن ماجه ( 511 ) من طريق زياد بن عبد الله البكائي عن الفضل بن مبشر قال رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء
واحد . فقلت : ما هذا ؟ فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا، فأنا أصنع كما صنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم
و
القول بأن فعله يوم الفتح لبيان الجواز أولى من النسخ
و ذهب بعضهم إلى أن الوضوء لكل صلاة كان واجبا ثم نسخ
الوجوب لأن حديث ابن بريدة متأخر، عام الفتح
قال ابن شاهين أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان ( ت : 385 ) : و الحديث الأول [ حديث أنس ] من فعال النبي صلى الله عليه
وسلم هو خلقه، و الحديث الثاني هو توسعة و رخصة، و ليس فيها ما يحكم عليه بالنسخ،
و لم يبلغنا : أن أحدا من الصحابة و التابعين كانوا يتعمدون الوضوء لكل صلاة، و سئل
أحمد بن حنبل عن الرجل يتوضأ لكل صلاة، فقال إن صلى الصلوات بوضوء واحد، فلا بأس
صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بوضوء يعني : واحد
و الذي هو أشبه أن النسخ وقع على الوضوء لكل
صلاة لإجماع الناس على أنه من فعل ذلك فقد مضت صلاته، و إن صلاته يوم الفتح كلها
بوضوء واحد كان بعد الفعال الأول . اهـ[5]
و استدلّوا على النسخ أيضا بحديث محمد بن إسحاق عن محمد
بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال : قلت : أرأيت توضؤ ابن عمر لكل
صلاة طاهرا، و غير طاهر، عمّ ذاك ؟ فقال : حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب، أن
عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بالوضوء لكل صلاة، طاهرا و غير طاهر، فلما شقّ ذلك عليه، أمر بالسواك لكل صلاة
فكان ابن عمر يرى أن به قوة، فكان لا يدع الوضوء لكل
صلاة
أخرجه
أبو داود ( 48 ) و قال:
إبراهيم بن سعد رواه، عن محمد بن إسحاق، قال عبيد الله بن عبد الله
محمد بن إسحاق : ضعيف في حفظه، مدلس[6]
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك لكل وضوء
وهذا خلاف الصحيح المشهور عنه
لكنه في هذا الحديث : يصرح بالسماع، كما في رواية
إبراهيم بن سعد عنه : أحمد ( 21960 )
قال الطحاوي
: ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
أمر بالوضوء لكل صلاة، ثم نسخ ذلك، فثبت بما ذكرنا أن الوضوء يجزئ ما لم
يكن الحدث
فإن قال قائل : ففي هذا الحديث إيجاب السواك
لكل صلاة، فكيف لا توجبون ذلك و لا تعملون بكل الحديث، إذا كنتم قد عملتم ببعضه ؟
قيل له :
قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خصّ
بالسواك لكل صلاة دون أمته .
و يجوز أن يكونوا هم وهو في ذلك سواء، و ليس
يوصل إلى حقيقة ذلك إلا بالتوقيف.
فاعتبرنا ذلك هل نجد فيه شيئا يدلنا على شيء
من ذلك ؟ ...
ثم أخرج حديث " لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة "
ثم قال : فثبت بقوله صلى الله
عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك عند كل صلاة" أنه لم يأمرهم بذلك و أن ذلك ليس عليهم، و أن في
ارتفاع ذلك عنهم – و هو المجعول بدلا من الوضوء لكل صلاة – دليل على أن الوضوء لكل
صلاة لم يكن عليهم ولا أمروا به وأن المأمور به النبي صلى الله عليه وسلم دونهم و أن
حكمه كان في ذلك غير حكمهم
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني
الآثار . اهـ[7]
أول كلامه يد على أن تجديد الوضوء لكل صلاة منسوخ
بالحديث، و في آخره أن المأمور به ابتداء هو النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته
و استدل على عدم فرضية الوضوء بالنظر، من ذلك القياس على
الغسل فإنه غير مؤقت و الجامع أن كلا من الوضوء و الغسل طهارة من حدث
قال الطحاوي : و أما وجه ذلك من طريق النظر : فإنا رأينا الوضوء طهارة من
حدث، فأردنا أن ننظر في الطهارات من الأحداث كيف حكمها ؟ و ما الذي ينقضها ؟
فوجدنا الطهارات التي توجبها الأحداث على ضربين : فمنها الغسل، و منها الوضوء، فكان
من جامع أو أجنب وجب عليه الغسل، و كان من بال أو تغوط وجب عليه الوضوء، فكان
الغسل الواجب بما ذكرنا لا ينقضه مرور الأوقات و لا ينقضه إلا الأحداث، فلما ثبت
أن حكم الطهارة من الجماع و الاحتلام كما ذكرنا كان في النظر أيضا أن يكون حكم
الطهارات من سائر الأحداث كذلك، و أنه لا ينقض ذلك مرور وقت كما لا ينقض الغسل
مرور وقت . اهـ[8]
و ذكر دليلين آخرين : يرجع إلى قياس الحضر على السفر
تجديد الوضوء لا يشترط في السفر اتفاقا فكذلك في الحضر قياسا على :
الغسل : غير مؤقت حضرا و سفرا
المسح على الخفين : مؤقت في السفر و الحضر و إن اختلفت المدة[9]
و جميع هذه الأقيسة ترجع إلى قياس الشبه
[1] شرح معاني الآثار 1 / 41
[2]
التاريخ الكبير 4 / 4
[3]
ميزان الاعتدال 2 / 91
– 92 – ترجمة : 2949
[4] ميزان الاعتدال 3 / 357 – ترجمة :
6745
[5] ناسخ الحديث و منسوخه ص : 87
[6] و إن كان أكثر المتأخرين
على تحسين حديثه
[7] شرح معاني الآثار 1 / 42 – 44
[8]
شرح
معاني الآثار 1 / 44
[9] شرح معاني الآثار 1 / 44
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق