بين يدي رمضان 03
✍ بوعلام محمد بجاوي
المقدمة الثانية : في رحمة الله بهذه الأمة
من رحمة الله تعالى بهذه الأمة :
1.
أنه ضاعف لها حسناتها، وشرع لها التوبة و الاستغفار، و
قد يتجاوز عن المسيء رحمة منه وفضلا
عن أبي سعيد الخدري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها،
و كان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا
أن يتجاوز الله عنها [ خ / 41 ]
2.
بارك لها في بعض الأماكن :
كتفضيل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم و المسجد الحرام على سائر المساجد
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صلاة في
مسجدي هذا خير ( أفضل – م / 505 ، 507 - ( 1394 ) ) من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام [ خ / 1190 – م
/ 505 ، 506 - ( 1394 ) ]
و في رواية زيادة : فإني آخر
الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد [ م / 507 -
( 1394 ) ]
3.
بارك لها في بعض الأزمنة :
كـ :
العشر من ذي الحجة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما
العمل في أيام أفضل منها في هذه ، قالوا : و لا الجهاد ؟ قال : و لا الجهاد، إلا
رجل خرج يخاطر بنفسه و ماله، فلم يرجع بشيء [ خ / 969 ]
قال ابن رجب : و هذا الحديث نص في أن
العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال
الفاضلة، لفضل زمانه، و في أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة
في غيره، و لا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، و هو أن يخرج الرجل بنفسه .
اهـ[1]
شهر رمضان :
جمع فضل العبادة و شرف الزمان
العبادة
: هي الصيام
الحديث
الأول :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من صام
يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا [ خ / 2840 - م / 1153 ]
"في سبيل الله"
: يحتمل :
*في الجهاد : أي و هو يجاهد، حملا للفظ على معناه العرفي، فإنه المقصود عرفا بـ
"في سبيل الله"
*النية و القصد : أي ابتغاء وجه الله بالصوم، حملا للفظ "في سبيل الله"
على ظاهر وضعه
رجّح ابن دقيق العيد أبو
الفتح محمد بن علي ( ت : 702 ) المعنى
الأول تغليبا للمعنى العرفي على المعنى الوضعي
قال : و الأول أقرب إلى العرف . اهـ[2]
و
إلى هذا ذهب :
ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ( ت : 597 )
قال
: إذا أطلق ذكر "سبيل الله" كان المشار به إلى الجهاد .اهـ[3]
و
النووي أبو زكريا يحيى بن شرف ( ت : 676 )[4]
و
هو ظاهر تبويب البخاري : باب فضل الصوم
في سبيل الله
و
حمله المهلب
أبو القاسم بن أحمد بن أسيد ( ت : 433 أو بعدها )
على
الصيام في جميع أنواع البر و لم يخصه بالجهاد
قال
ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف ( ت : 449
) :
قال المهلب : هذا الحديث يدلّ أن الصيام في سائر أعمال البر أفضل .اهـ[5]
و
هو محمول على عدم المشقّة
قال
ابن بطال –
بعد كلامه السابق – : إلا
أن يخشى الصائم ضعفا عند اللقاء، لأنه قد ثبت عن الرسول أنه قال لأصحابه في بعض
المغازي حين قرب من الملاقاة بأيام يسيرة : "تقووا لعدوكم[6]" فأمرهم بالإفطار، لأن نفس الصائم
ضعيفة، و قد جبل الله الأجسام على أنها لا قوام لها إلا بالغذاء، و لهذا المعنى
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو : أفضل الصوم صوم داود كان يصوم يوما ويفطر
يوما، و لا يفرّ إذا لاقى[7]، فلا يكره الصوم البتة إلا عند اللقاء
وخشية الضعف عند القتال، لأن الجهاد وقتل المشركين أعظم أجرا من الصوم لمن فيه قوة
.اهـ[8]
و قال النووي
: فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، و هو محمول على من لا
يتضرر به ولا يفوت به حقا، و لا يختل به قتاله و لا غيره من مهمات غزوه .اهـ[9]
و الأقرب : المقصود به النية و القصد أن
يكون ابتغاء مرضاة الله، و الاستعمال الشرعي لا يخرج عن هذا
"سبعين خريفا"
: المراد السَنَة، لأنه ليس في السَنَة إلا خريف واحد
قال ابن الجوزي : و "الخريف" زمان معلوم من السنة
تخترف فيه الثمار. المراد به ها هنا السنة كلها، و المعنى : مسيرة سبعين سنة.اهـ[10]
و منهم من قال أن العدد هنا لا مفهوم له أي أن المقصود
المبالغة في المباعدة
قال القاضي عياض بن موسى
( ت : 544 ) : وقوله في فضل الصوم
"في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين
خريفا" : مبالغة في الإخبار عن البعد عنها، و المعافاة منها. و
"الخريف" يعبر به عن السنة. و المراد مسيرة سبعين خريفا، وكثيرا
ما جاءت السبعون عبارة عن التكثير و استعارة للنهاية في العدد، قال الله تعالى } إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن
يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ { [ التوبة 80 ]. اهـ[11]
قال ابن دقيق : و
"الخريف" يُعبّـر به عن السَنة، فمعنى "سبعين خريفا
" : سبعون سنة.
و إنما عبّـر بـ "الخريف" عن السَنة من
جهة أن السَنة لا يكون فيها إلا خريف واحد. فإذا مرّ "الخريف"
فقد مضت السَنة كلها، و كذلك لو عبّـر بسائر الفصول عن العام، كان سائغا بهذا
المعنى، إذ ليس في السنة إلا ربيع واحد و صيف واحد
قال بعضهم : و لكن "الخريف"
أولى بذلك، لأنه الفصل الذي يحصل به نهاية ما بدأ في سائر الفصول، لأن الأزهار
تبدو في الربيع، و الثمار تتشكل صورها في الصيف و فيه يبدو نضجها، ووقت الانتفاع
بها أكلا و تحصيلا و ادخارا في الخريف، و هو المقصود منها، فكان فصل "الخريف"
أولى بأن يعبر به عن السنة من غيره، والله أعلم .اهـ[12]
[1] فتح الباري 9 / 12
[2] إحكام الأحكام شرح عمدة
الأحكام 421 – حديث : 204 – ت : أحمد شاكر
[3] كشف المشكل من
حديث الصحيحين 3 / 153 – حديث : 1771
[4] شرح مسلم 8
/ 33
[5] شرح البخاري 5 / 48
[6] الموطأ : ( 1032 ) مالك عن
سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله عليه السلام أمر الناس في سفره، عام الفتح،
بالفطر. و قال : تقووا لعدوكم، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو بكر : قال الذي حدثني : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعَرْج [ مكان في الطريق بين
مكة و المدينة ] يصب على رأسه الماء من العطش، أو من الحر.
ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن طائفة من الناس قد صاموا حين
صمت
قال : فلما كان رسول الله بالكديد، دعا بقدح فشرب، فأفطر
الناس. و أخرجه أبو داود ( 2365 ) عن القعنبي عن مالك و النسائي في
الكبرى ( 3029 ) عن قتيبة بن سعيد عن مالك اقتصر على آخره : أنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم صائما في السفر يصب
على رأسه الماء من شدة الحر
[7] البخاري 1131 ، 1976 ، 1977 ، 3418 ، 3420 – م / 1159
[8] شرح البخاري 5 / 48
[9] شرح مسلم 8 / 33
[10] كشف المشكل من
حديث الصحيحين 3 / 153 – حديث : 1771
[11] إكمال المعلم بفوائد مسلم 4 / 115
[12] إحكام الأحكام شرح عمدة
الأحكام 421 – حديث : 204
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق