قاعدة قرآنية: عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل 01
بسم الله الرحمن الرحيم : الناس معادن
منهم الطيب ومنهم دون ذلك
دون ذلك
: لا بدّ من وجودهم لتحقق الحكمة الإلهية } و جعلنا بعضكم لبعض فتنة
أتصبرون و كان ربك بصيرا { [ الفرقان 20
]
أصحاب المعدن الطيب :
كفاهم الله تعالى أمر أنفسهم في معاملاتهم لغيرهم فلا يبدؤون الناس إلا بخير، لكن
:
بعضهم لا يصبر على الأذى، وليس بالأمر
الهين :
تكفيهم شرّك، تُؤدِّي إليهم حقوقهم،
تحسن إليهم تطوعا
ثم
يقابلونك بالأذى، ولهذا قال تعالى } وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ (35) { [ فصلت 35 ]
- فيدفعه إلى ترك الإحسان إلى من أساء إليه
قال تعالى } وَلَا
يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى
وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ { [ النور : 22 ]
أنزلت
في أبي بكر الصديق و مِسْطَح بن أثاثة، وكان بينه و بين أبي بكر
قرابة، وكان يتيما في حجره، وكان ممن خاض في الإفك، فلما برّأها الله تألّى أبو
بكر ألا يوليه خيرا، فأنزل الله هذه الآية، و روي أن نبي الله دعا أبا بكر فتلاها
عليه، ثم قال : ألا تحب أن يعفو الله عنك ؟ قال: بلى . قال : فاعف و تجاوز . فقال
أبو بكر : لا جرم، والله لا أمنعه معروفا كنت أوليه إياه قبل اليوم .[1]
- و بعضهم يقابل السيئة بمثلها :
- في الاقتصاص من المعتدي : وهذا وإن كان جائزا فالصبر أعظم } وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) { [ النحل 126 – 128 ]
قال
ابن كثير أبو الفداء إسماعيل بن عمر ( ت : 774 ) : و هذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن،
فإنها مشتملة على مشروعية العدل، و الندب إلى الفضل، كما في قوله } وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا { [الشُّورَى : 40 ] ثم قال } فمن عفا وأصلح فأجره على الله { [الشورى: 40] و قال } والجروح قصاص { ثم قال } فمن تصدق به فهو كفارة له { [ المائدة : 45] و قال في هذه الآية الكريمة
} وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { ثم قال } ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { .
و قوله } واصبر وما صبرك إلا بالله { تأكيد للأمر بالصبر، و إخبار بأن ذلك إنما
ينال بمشيئة الله و إعانته، و حوله و قوّته .اهـ[2]
- في منع الحقوق غير المالية : فيفضح من فضحه، و يقطع من قطعه من قرابته، و يهجر من هجره
و هذا ممنوع، فعليه ما حمّل و على غيره ما حمل، و تضييع غيره حقوقه لا يبيح
له تضييع حقوقهم
- أما الحقوق المالية : فله أخذها متى تمكّن منها
عن عائشة رضي الله عنها : قالت هند أم معاوية لرسول الله
صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن
آخذ من ماله سرا ؟ قال : خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف [ خ/ 2211 ، 5364 ،
5370 ، 7180، و م/ 1714 ]
و أما حديث " لا تخن من
خانك " :
أبو داود ( 3534 ) عن ابن ماهك قال : كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف
درهم، فأدّاها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مثلها، قال : قلت : أقبض الألف الذي
ذهبوا به منك ؟ قال : لا، حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، و لا تخن من خانك [ د/
3534. و د / 3535 و ت/ 1264 عن أبي هريرة ]
و في السندين ضعف، و له طرق أخرى، و لا تخلوا من مقال
فيحتمل زيادة على الحق، أما أخد المقابل من جنسه أو
قيمته فلا يسمى خيانة
قال الخطابي أبو سليمان
حمد بن محمد ( ت : 388 ) في حديث هند أم معاوية : وفيه جواز أن يقضيَ الرجل حقّه من مال عنده لرجل له عليه حق
يمنعه منه، و سواء كان ذلك من جنس حقه أو من غير جنس حقه، وذلك لأن معلوما أن منزل
الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة و الكسوة وسائر المرافق التي
تلزمه لهم، ثم أطلق أذنها في أخذ كفايتها و كفاية أولادها من ماله، ويدل على صحة
ذلك قولها في غير هذه الرواية أن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يدخل على بيتي ما
يكفيني و ولدي . اهـ[3]
و قال في الحديث الآخر : و هذا الحديث يُعَدّ في الظاهر مخالفا لحديث
هند، و ليس بينهما في الحقيقة خلاف، و ذلك لأن الخائن هو الذي يأخذ ما ليس له أخذه
ظلما وعدوانا، فأمّا من كان مأذونا له في أخذ حقه من مال خصمه واستدراك ظلامته منه
فليس بخائن، و إنما معناه لا تخن من خانك بأن تقابله بخيانة مثل خيانته، و هذا لم
يخنه، لأنه يقبض حقا لنفسه، و الأول يغتصب حقا لغيره :
و كان مالك بن أنس (
ت : 179 )
: يقول إذا أودع رجل رجلا ألف درهم فجحدها
المودع ثم أودعه الجاحد ألفا لم يجز له أن يجحده . قال [ عبد الرحمن ]ابن القاسم ( ت : 191 ) – صاحبه – أظنه ذهب إلى هذا الحديث.
و قال أصحاب الرأي
: يسعه أن يأخذ الألف قصاصا عن حقّه، لو كان
بدله حنطة أو شعيرا لم يسعه ذلك لأن هذا بيع، و أن إذا كان مثله فهو قصاص.
و قال الشافعي [
محمد بن إدريس ( ت : 204 ) ] : يسعه أن يأخذه عن حقه في الوجهين جميعا، و احتج بخبر
هند . اهـ[4]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق