الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 01
مقدمة :
بسم الله والحمد لله
قال ابن عبد ربه أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ( ت : 328 )
: ونحن قائلون بحمد الله وتوفيقه في "العلم والأدب"،
فإنهما : القطبان اللذان عليهما مدار الدين والدنيا، وفرقُ ما بين الإنسان وسائر الحيوان، وما بين الطبيعة الـمَلَكِــيَّة والطبيعة البَهيميَّة، وهما مادّة العقل، وسراج البدن، ونور القلب، وعماد الروح .اهـ[1]
فإنهما : القطبان اللذان عليهما مدار الدين والدنيا، وفرقُ ما بين الإنسان وسائر الحيوان، وما بين الطبيعة الـمَلَكِــيَّة والطبيعة البَهيميَّة، وهما مادّة العقل، وسراج البدن، ونور القلب، وعماد الروح .اهـ[1]
"والناس
صنفان ذو عقل وذو أدب كمعدن الفضة البيضاء والذهب
وسائر الناس
من بـين الورى هـمج كانوا موالـي أو
كانوا من العرب"
"فما المرء إلا الأصغران[2]
لسانه ... ومعقوله، والجسم خلق مصور
ومــا الزَّين في ثوب تراه وإنـما ... يزين الفتى مـَخْبورُه
حين يُـخْبِر"
"وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيـادته أو نـقـصـه
في الـتـكـلـم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة
اللحم والدم"
قال رجل لخالد بن صفوان : مالي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون
الآثار، وتتناشدون الأشعار، وقع عليّ النوم؟ قال: لأنّك
حمار في مسلاخ إنسان[3] .اهـ[4]
ويروى عن عمر رضي الله عنه : تعلموا العربية فإنها تثبت
العقل، وتزيد في المروءة[5]
قال ابن حبان أبو حاتم
محمد بن حبان ( ت : 354 ) :
الفصاحة أحسن لباس يلبسه الرجل وأحسن إزار يتزر به العاقل، والأدب صاحب في الغربة ومؤنس في القلة وزين في المحافل وزيادة في
العقل ودليل على المروءة، ومن استفاد الأدب في حداثته انتفع به في كبره، لأن من غرس فسيلا يوشك أن يأكل
رطبها، وما يستوي عند أولي النهى ولا يكون سيّان عند ذوي الحجى رجلان أحدهما يلحن[6]
والآخر لا يلحن .اهـ[7]
ابن
حبان جمع بين البلاغة والفصاحة و بين الإعراب، و بهما البيان وقوام اللسان
و قال : لا زينة أحسن من زينة
الحسب كما أن من أكمل الجمال استعمال الأدب ولا حسب لمن لا أدب له، ومن كان من أهل
الأدب ممن لا حسب له يبلغ به أدبه مراتب أهل الأحساب لأن حسن الأدب خلف من الحسب
.اهـ[8]
وذكر ابن حبان في "روضة العقلاء و نزهة الفضلاء"
: ذكر الحث على تعلم الأدب ولزوم الفصاحة[9]
و استفتح ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم
الدينوري ( ت : 276 ) كتابه "أدب الكاتب" مبينا
سبب تأليفه بعزوف أهل زمانه عن الأدب
قال : أما بعد حمد الله بجميع
محامده، والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة على رسوله المصطفى وآله، فإنِّي رأيت
أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين، ومن اسمه متطيِّرين، ولأهله كارهين
.اهـ[10]
ثم قال : فلما أن رأيت هذا
الشأن كل يوم إلى نقصان، وخشيت أن يذهب رسمه
ويعفو أثره، جعلت له حظا من عنايتي، و جزءا من تأليفي، فعملت لمغفل التأديب كتبا
خفافا في المعرفة، وفي تقويم اللسان واليد .اهـ[11]
و أحوج الناس إلى الأدب أهل العلم
أسند ابن حبان : أنبأنا أحمد بن بشر الكرخي حدثنا محمود بن الخطاب
حدثنا رستة عبد الرحمن بن عمر قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي ( ت : 198 ) يقول : ما ندمت على شيء كندامتي أني لم أنظر في
العربية. [12]
قال ابن حبان : وأحوج الناس إلى لزوم
الأدب وتعلم الفصاحة أهل العلم لكثرة قراءتهم الأحاديث وخوضهم في أنواع العلوم
.اهـ[13]
قال ابن التوأم : الروح عماد البدن، والعلم عماد الروح، والبيان عماد العلم
.اهـ[14]
لأن
العلم مستور في الصدور، ويعبر عنه بالكلام
قال الجاحظ : قال بعض جهابذة
الألفاظ ونقاد المعاني : المعاني القائمة في
صدور الناس المتصورة في أذهانهم، والمتخلجة في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم،
والحادثة عن فكرهم : مستورة خفية، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى
معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه
والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره. وإنما يُحيي
تلك المعاني ذكرهم لها، و إخبارهم عنها، واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي
تقربها من الفهم، وتجليها للعقل، وتجعل الخفيّ منها ظاهرا، والغائب شاهدا، والبعيد
قريبا، وهي التي تلخص الملتبس، وتحل المنعقد، وتجعل المهمل مقيدا، والمقيد مطلقا،
والمجهول معروفا، والوحشي مألوفا، والغفل موسوما[15]،
والموسوم معلوما.
وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وحسن
الاختصار، ودقة المدخل، يكون إظهار المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت
الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع.
والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو
البيان الذي سمعت الله عزّ وجلّ يمدحه، ويدعو إليه ويحث
عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم .اهـ[16]
و لهذا قال أبو عمرو سهل
بن هارون الفارسي ( ت : 215 ) : العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والبيان ترجمان العلم
.اهـ[17]
و إذا اكان العلم من
المعاني الشريفة فلا بدّ أن تلتمس له الألفاظ الشريفة جمالا ووضوحا
قال بشر بن المعتمر ( ت : في حدود 210 ) : ومن أراغ معنى
كريما فليلتمس له لفظا كريما، فإن حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن
تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما، وعما تعود من أجله أن تكون أسوأ حالا منك قبل أن
تلتمس إظهارهما، وترتهن نفسك بملابستهما وقضاء حقهما، فكن في ثلاث منازل[18]،
فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذبا، وفخما سهلا، ويكون معناك ظاهرا مكشوفا،
وقريبا معروفا، إما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وإما عند العامة إن كنت للعامة
أردت. والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتّضع بأن يكون من
معاني العامة.
وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز
المنفعة، مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال، وكذلك اللفظ العامي و الخاصيّ.
فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك، ولطف مداخلك، واقتدارك على نفسك،
إلى أن تفهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسطة التي لا تلطف عن
الدهماء، ولا تجفو عن الأكفاء، فأنت البليغ التام .اهـ[19]
[2] قال ابن قتيبة : "الأصغران" القلب واللسان. اهـ أدب
الكاتب 42
[3] جلد إنسان
[4]
البيان والتبين 1 / 171 عيون الأخبار 2 / 136
[5] ينظر تخريجه في روضة العقلاء 2 / 802 – هامش : 5
[6] يخطئ في الإعراب
[7]
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 2 / 802 – 803
[8]
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 2 / 809
[9]
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 2 / 799
[10] أداب الكاتب 5
[11] أداب الكاتب 11 – 12
[12]
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 2 / 807 رقم : 735
[13]
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 2 / 811
[14] البيان والتبين 1 / 77
[15] له علامة
[16] البيان والتبين 1 / 75
[17] البيان والتبين 1 / 77
[18] المنزلة الثانية : إن تعذر ما سيذكره في
المنزلة الأولى فلينتظر عندما يتير له ذلك و إن لم يتيسر فليبحث عن صنعة أخرى وهو المنزلة
الثالثة. البيان والتبين 1 / 138
[19] البيان والتبين 1 / 136
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق