الخميس، 31 مايو 2018

قاعدة قرآنية: عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل 02

قاعدة قرآنية عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل 02
قاعدة قرآنية: عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل
02

✍بوعلام محمد بجاوي
3 / و بعضهم يقابل السيئة بأكثر منها :
قدرا و جنسا و عددا، فيتعدى انتقامه إلى أهل الظالم أو أصحابه أو حزبه، و هذا من الظلم و العدوان فظلم غيره لا يبيح له ظلمهم و
الاعتداء عليهم، فعليه ما حمل و على غيره ما حمل
قال السمعاني أبو المظفر منصور بن محمد ( ت : 489 ) في تفسير آية النحل : أكثر أهل التَّفْسِير أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِيمَا فعله الْمُشْركُونَ بِحَمْزَة وَأَصْحَابه، فَإِنَّهُ يرْوى أَن النَّبِي [ صلى الله عليه وسلم ] مرّ عَلَيْهِ، وَقد بقر بَطْنه، وَأخذ كبده، وَقطعت مذاكيره وَجعلت فِي فِيهِ، فَرَأى أمرا فظيعا، فَقَالَ : لَئِن قدرت عَلَيْهِم لَأُمَثِّلَن بسبعين مِنْهُم ... اهـ[1]
أخرجه البزار ( 9530 ) و لا يصح، ويروى عن أصحاب النبي صلى الله عليهوسلم أنهم قالوا ذلك انتقاما لقتلى أحد .
4 / و بعضهم قد يكون سببا في فتنة عظيمة تأتي على البلد كله : كمن ظُلم من السلطان أو ممن له أتباع ينتصرون له فيجيّش الناس لمحاربته، فيكون سببا في اضطراب حال أهل البلد
لهذا من الأصول الصبر على جور الحاكم
قال ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ( ت : 728 ): و من أصول هذا الموضع أن مجرّد وجود البغي من إمام أو طائفة لا يوجب قتالهم، بل لا يبيحه، بل من الأصول التي دلت عليها النصوص أن الإمام الجائر الظالم يؤمر الناس بالصبر على جوره و ظلمه و بغيه و لا يقاتلونه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في غير حديث، فلم يُأذن في دفع البغي مطلقا بالقتال، بل إذا كانت فيه فتنة نهى عن دفع البغي به، و أمر بالصبر . اهـ[2]
و المنهج الحق "الصبر"، و أن عدم مراعاة غيرك لحرمتك التي أوجبها الله لك لا تبيح لك عدم مراعاة حرمتهم التي أوجبها الله عليك لغيرك
قال تعالى } قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ { [ النور 54 ]
ظاهر الآية : على الرسول ما حُـِّمل من البلاغ و على المرسل إليهم ما حُـمِّلوا من الإجابة، و يفهم من العبارة :
فلا هو يؤاخذ بعدم إجابتهم، و لا يعفيه ذلك من تبليغهم . 
و لا هم يؤاخذون بعدم إبلاغه أو بإبلاغه على خلاف ما أمر – لو فرض -، و لا يعفيهم ذلك من إجابته .
البخاري ( 7052 ) عن زيد بن وهب سمعت عبد الله قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم سترون بعدي أثرة و أمورا تنكرونها . قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : أدّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم .
قال ابن تيمية : فأمر مع ذكره لظلمهم بالصبر و إعطاء حقوقهم، و طلب المظلوم حقه من الله، و لم يأذن للمظلوم المبغى عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور التي يكون القتال فيها فتنة كما أذن في دفع الصائل بالقتال . اهـ[3]
ويتأكد الصبر إذا كان الباغي متأولا :
قال ابن تيمية : وكل ما أوجب فتنة و فرقة فليس من الدين، سواء كان قولا أو فعلا، و لكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة و يصبر على جهل الجهول و ظلمة إن كان غير متأول، و أما إن كان ذاك أيضا متأولا فخطؤه مغفور له و هو فيما يصيب به من أذى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور له، و ذلك محنة و ابتلاء في حق ذلك المظلوم فإذا صبر على ذلك واتقى الله كانت العاقبة له كما قال تعالى } وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا { [ آل عمران 120 ] و قال تعالى } لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور { [ آل عمران 186 ] فأمر سبحانه بالصبر على أذى المشركين و أهل الكتاب مع التقوى، و ذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض متأولين كانوا أو غير متأولين . اهـ[4]
الخلاصة أن الله أمر بالحق ابتداء و أمر بالصبر في مقابلة البغي و في كل منهما قد يكون مندوبا إليه مستحبا و قد يكون فرضا واجبا، و كما أن الفتنة في ترك الحق فكذلك في ترك الصبر على البغي
قال ابن تيمية : و لا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق، و أمر بالصبر، فالفتنة إما من ترك الحق و إما من ترك الصبر . اهـ[5]
و من هذا الباب : أداء حق المبتدع خاصة إذا كان متأوّلا، فبدعته لا تبيح ظلمه، فله ما للمسلمين من حقوق في عرضه و دمه و ماله سبا و ولعنا و قِتالا و انحيازا إلى خصمه الذي يوظّف الطعن فيه مع السكوت عنه في استباحة دمه خاصة، و إذا كان كفر الكافر لا يبيح ظلمه فكيف ببدعة المسلم 
قال ابن تيمية : وقد قال سبحانه } ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى { [ المائدة  8 ] فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان فهو أولى أن يجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالما له . اهـ[6]
و بعض المنتسبين للسنة و الجماعة يتقربون للحاكم الظالم بنشر بدع خصمه عونا له على استباحته دماءهم، فليس المقصود بيان الحق، و إنما الوقوف مع الباغي المستحل للدم الحرام لأجل الدنيا، و تجدهم لا يكتفون ببيان ببدعته و إنما يخوضون في كشف أسرار أمليت عليهم، و لا معنى من ذكرها إذ لا علاقة لها بالبدعة
قال ابن تيمية : وتجد أئمة أهل العلم من أهل البدعة والفرقة من أهل الإيمان و النفاق يصنفون لأهل السيف و المال من الملوك و الوزراء في ذلك ويتقربون إليهم بالتصنيف فيما يوافقهم  .اهـ[7]  
و إنما يكتفى بما يحصل به المقصود ببيان مخالفة للشرع بعد أداء النصيحة له، و يجتنب ما لا فائدة منه كالسب و اللعن و الفضح
فليس المقصود إبطال النهي عن المنكر
قال ابن تيمية : و كثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة في ذلك فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة، فإما أن يؤمر بهما جميعا أو ينهى عنهما جميعا، و ليس كذلك بل يؤمر و ينهى و يصبر عن الفتنة كما قال تعالى } وأمر بالمعروف وانه عنه المنكر واصبر على ما أصابك { [ لقمان 17 ] و قال عبادة : بايعنا رسول الله صلى الله عليهوسلم على السمع و الطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا، و ألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
فأمرهم بالطاعة ونهاهم عن منازعة الأمر أهله وأمرهم بالقيام بالحق . اهـ[8]
الخلاصة : قال ابن تيمية : وكل ما أوجب فتنة و فرقة فليس من الدين، سواء كان قولا أو فعلا، و لكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة و يصبر على جهل الجهول و ظلمة . اهـ[9] 



[1] تفسير السمعاني 3 / 210
[2] الاستقامة 1 / 32
[3] الاستقامة 1 / 35
[4] الاستقامة 1 / 37 – 38 
[5] الاستقامة 1 / 39
[6] الاستقامة 1 / 38
[7] الاستقامة 1 / 43 – 47  
[8] الاستقامة 1 / 41
[9] الاستقامة 1 / 37

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق