المشكلة في الذوق لا في الحق
لا يخفى الانحطاط الذي بلغه شبابنا
اليوم، الارتماء في أحضان المنبوذين في البلدان المتقدمة عمرانيا، ثم قطع الصلة
بالجيل السابق، و احتقاره و احتقار حياته، ثم التمرّد على الدين و اللغة و
الفضيلة، كما هو ظاهر في غنائهم و أمثالهم، و تبنّي حياة ينبذها الذوق السليم، في
لباسهم و في الأغاني التي يسمعونها، و السعي في إظهار ذلك "التمرد"
بالرسم و الكتابة على الجدران، و التجمع في الساحات لأداء حركات جنونية، و بتنا
نسمع عن "عبدة الشيطان" يتظاهرون و يمارسون طقوسهم و جنونهم في الشوارع،
بل و داخل الثانويات
و يرى "أصحاب الفكر المعكوس"
أن المشكلة في النخبة التي لا زالت تستعمل الخطاب القديم، و لم تستطع ( الارتقاء
؟؟؟ ) في خطابها إلى دركة ذوق الشباب
و هذا هو أصل أصول الانحراف في المجتمعات
و بداية السقوط و الهوي، لمـّا تتنازل عن المنهج القويم في الإصلاح استسلاما
للعامة،
و الجادة في العودة إلى أصل المشكل و
تصحيحه، و هو سبيل المهتدين
قال ابن
تيمية أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728 ) :
فإن معرفة المرض و سببه يعين على مداواته و علاجه، و من لم يعرف أسباب المقالات –
و إن كانت باطلة – لم يتمكن من مداواة أصحابها و إزالة شبهاتهم . اهـ[1]
و السبب فينا و في تربيتنا و تنشئتنا
لهذا الجيل، أردنا جيلا متفتحا و متسامحا و متعلما، ثم رأينا أن ذلك لا يتم إلا
بسلوك سبيل الأوروبيين، في :
1. محاربة الدين –
و كانوا محقّـين – و الاقتداء بهم في هذا هو السبيل السليم إذا وضع في محله، و هو
توجيهه لمحاربة دين الفرق الصوفيه، فلا فرق بينها و بين النصرانية في تعطيل العقل،
و من كلام سلفنا "من فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى"
2. محاربة التقاليد و القيم –
و كانوا محقين في بعضها – و هذا سبيل سليم إذا وضع في محله، و هو محاربة العادات و
التقاليد التي تخالف الشرع و الأخلاق و العلم
المشكلة و المرض :
أولا : الحكام :
يبحثون عن شعوب غبية، تسير كالخراف –
انقياد مقابل الشهوات – و الدِّينُ الحق يمنع من هذا، و عليه لا سبيل لتحقيق الهدف
إلا بمحاربة التدين ، بأحد أمرين :
الشهوات :
على سبل منها :
1.
إشاعة أسباب الفاحشة
و منها :
السكوت عن بيوت الخمر و الدعارة
السكوت عن الفواحش في العلن : ساحات،
حدائق، غابات، شواطئ
إقامة الحفلات في الساحات و إخراج
العائلات من منازلها، و يزداد نشاطها في شهر الصيام و القيام
و تفخيخ بعض نصوص المطالعة المدرسية
بما يدعو إلى الفاحشة
2.
التضييق على الدعاة إلى الدين و الأخلاق بـ :
أ / تشويه صورتهم
ب / عدم الاعتناء بهم و القيام بما
يساعدهم على أداء رسالتهم
ج / منعهم من ممارسة الدعوة
الشبهات :
على سبل منها :
1.
اغتصاب زمن الطفولة
من الأطفال
زمن حفظ القرآن، و التنشئة على الدين و
القيم بالدوام المدرسي صباحا و مساء و إبعاده عن التنشئة الإسلامية الموروثة عن
سلفنا إلى عهد قريب، و حشوه بما لا يفيد الطفل لأنه غير نافع في ذاته، أو للطفل، لأنه
أكبر من سنه، و المقصود تمهيده لقبول الشبه، مع تلقينه بعض المبادئ و النظريات العلمية المخالفة للشرع
2.
بعث الطرق الصوفية
وبدعها :
و تاريخها معروف مشهور
3.
تحريف "الإسلام
الصحيح" :
مستغلة بعض أصوله، بتحويله إلا طائفة
بعد أن كان منهجا، أي تحويله إلى جماعة تتبع رجالا مقدسين، تملي عليهم ليملوا هم
على أتباعهم، فتجد لهم موقفين و رأيين في واقعتين متشابهتين دون أن يجدوا من يعترض
عليهم
ثانيا : الأُسَر :
في التدين
: يرون في إبعاد أولادهم – ذكورا و إناثا – عن الدِّين إبعادا لهم عن التطرف و
التشدّد، مع ما يرون و يسمعون من أن سبب التطرف و التشدّد الجهل بالدين، لا يمكن
فصل الإنسان عن الدِّين فلا بدّ و أن يرجع إليه في فترات من حياته، و من الأسباب
الداعية للرجوع إلى التدين العدوان و الظلم الذي يراه و يسمع به على أهل دينه
وملته، فيدفعه إلى رَمْيِ نفسه في أحضان جماعات جهلة لا تفهم النص و لا تَعِي
مقاصد الشرع، و إنما تتمسك بظواهر بعض النصوص و هذا حال الخوارج منذ نشأتها، فلا
غرابة أن نرى كثيرا من المغترين بإشهار و دعاية الجماعات المسلحة ممن تربوا بعيدا
عن الدِّين، بل و في البلدان الأوربية في وسط المجون و الفحش و العجمة، لا يعرفون
حرفا من لغة العرب
فالسلامة أن يسبق الإسلام الحق إلى
قلوب الشباب، و تفويت الفرضة على أهل الضلال
قال
ابن أبي زيد القيرواني أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن
( ت : 386 ) في
مقدمة " الرسالة " : لما
رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن، ليسبق إلى قلوبهم من فهم
دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك، لما رجوته
لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه.
واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير وأرجى
القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره
الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم
الديانة، وحدود الشريعة ليُراضَوا عليها، وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم،
فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله، وأن تعليم الشيء في الصغر
كالنقش في الحجر.
وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون – إن شاء
الله – يحفظه، ويشرفون بعلمه، ويسعدون باعتقاده والعمل به، وقد جاء أن يؤمروا
بالصلاة لسبع سنين، ويضربوا عليها لعشر، ويفرق بينهم في المضاجع، فكذلك ينبغي أن
يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم ليأتي عليهم البلوغ وقد
تمكن ذلك من قلوبهم، وسكنت إليه أنفسهم، وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم .اهـ[2]
في اللغة : يرون أن المستقبل في اتقان اللغات
الأجنبية و أنها اللغات الحية، و في المقابل يرون اللغة العربية لغة التخلف، لا
تسمن و لا تغني من جوع
و ساهم في هذا – و في الذي قبله –
الأفلام و المسلسلات، الاستهزاء بمعلم العربية و معلم القرآن، و المتدينين، ثم
يزعمون أنهم أصحاب رسالة تنويرية، و صدقوا على تعريف الصدق بموافقته للاعتقاد، فهم
يرون التخلف في الدين و اللغة، و هم ينتظرون بشغف اليوم الذي يمكنهم فيه إعلان
رسالتهم التنويرية بصراحة و وضوح
و من نظر بعين الإنصاف و تجرد عن
العصبية و التبعية للغالب : يرى أن اللغة العربية مع كونها أجمل الألسنة و أرقاها،
فهي :
1 / لغة الوحي
و هو تربية الإله لعباده، والخالق
لخلقه، و اللطيف الخبير للناقص و القاصر في أقصى أحواله ودرجاته
2 / لغة العرب :
لغة " البادية العربية " و
ما فيها من عفة و شهامة وجمال، كما هو مضمن في "المعلقات" و
"لا مية العرب" و غيرها وكتب الأدب كـ : " عيون الاخبار
" و " العقد الفريد " و غيرهما، وأثرها على الشباب المقبل
عليها ظاهر، و لا تحتاج أن تقارنهم بغيرهم ممن لا حظّ له من اللغة و الأدب، ليس
كمثل الأدب "الفرنسي" الذي يدعو إلى الشذوذ و الفحش و الخبث و الذياتة .
و الشي يحكم عليه بحقيقته، ثم
يحكم على الناس به فهو الميزان، فمن مال إلى الطيب فهو الطيب و من مال إلى الخبيث
فهو الخبيث، فلا يزري بـ " العسل " انصراف الذباب عنه، و لا يرفع ذلك من
قدر النجاسة بإيثاره لها عليه، و هكذا لغة العرب، هي ميزان الجمال و الذوق السليم،
لا ينصرف عنها إلا سيئ الذوق .
و سبب هذا الكلام " فيلم عن فن
الشارع " عرضته قناة عربية ثقافية علمية صورت فيها الشباب المسكين مسكينا
لا لأجل سلوكه، و لكن لغربته في المجتمع الذي ظلمه و لم يتقبّله، و الله المستعان
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق