شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 03
كتاب الطهارة
سبب البدء بـ "الطهارة" :
تعريف الطهارة :
كتب
الفقه تبتدئ بـ "العبادات" قبل المعاملات لشرفها لأنها
العلاقة
بين المسلم و ربه، و أشرف العبادات "الصلاة"، و الصلاة لا تصحّ بدون طهارة لأنها شرط لصحتها، فكان لزاما البدء بـ "الطهارة"، و إنما أفردت لكثرة مسائلها أصولا و فروعا، و هذا هو الغالب على المؤلفات الفقهية
بين المسلم و ربه، و أشرف العبادات "الصلاة"، و الصلاة لا تصحّ بدون طهارة لأنها شرط لصحتها، فكان لزاما البدء بـ "الطهارة"، و إنما أفردت لكثرة مسائلها أصولا و فروعا، و هذا هو الغالب على المؤلفات الفقهية
و
بعض العلماء يرى البدء بـ "المواقيت" كما هو صنيع "مالك بن أنس" في "الموطأ"،
لأن دخول الوقت سبب للزوم و وجوب الصلاة، و السبب مقدم على الشرط، ولم ير داعيا
لإفراد "الطهارة" عن "الصلاة"
قال
ابن بشير أبو الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد ( ت :
بعد 536 ) في
"التنبيه
على مبادئ التوجيه": واجبات الشريعة على قسمين :
قسم
مراد لنفسه : كـ "الصلاة" و "الصيام" و "الزكاة" و "الحج"
وقسم
مراد لغيره : كـ "الطهارة" و "ستر العورة" و "استقبال
القبلة"
ولما كانت الصلاة من أشرف معالم الدين وجبت
البداية بها لكنها لا تجزي إلا بالطهارة، ولا تجب الطهارة إلا بعد دخول وقت
الصلاة.
وقد اختلفت طرق المؤلفين في الفقه :
فجمهورهم : على الابتداء بـ "الطهارة" لما كانت شرطا في صحة الصلاة.
وابتدأ
مالك في "موطئه"
و ابن المواز [ محمد بن إبراهيم بن زياد ( ت
: 269 ) ] في "كتابه"[1] بـ "أوقات الصلاة"، لما تعلق وجوب الطهارة بدخول الوقت .اهـ[2]
و
"القاضي عبد الوهاب"
رأى موافقة الجمهور خلافا لصنيع إمامه "مالك بن
أنس"، و هو صنيع المختصرين قبله، وهو الأولى، فإنه و إن كان السبب
مقدما على الشرط فإن مسائل الطهارة كثيرة، فتعين إفرادها بكتاب، و إذا أفردت وجب
أن تتقدم "الصلاة" لأنها شرط لصحتها.
تعريف الطهارة :
الطهارة لغة :
إزالة النجاسات و المستقذرات الحسية و المعنوية
الحسية :
كـ : الدم و البول
المعنوية :
كـ : الشرك و الصفات السيئة
قال
تعالى } أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {
[ المائدة 41 ]
أي
من الكفر و النفاق
قال
تعالى } خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { [ التوبة 103 ]
أي
من الذنوب لأنها كفارة لها و من البخل
و
قال } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا { [ الأحزاب 33 ]
أي
يطهرهن من الرذائل
و
وصف المشركين بأنهم نجس و المقصود الاعتقاد
قال
} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {
[ التوبة 28 ]
الطهارة في الشرع :
نوعان
:
طهارة حدث ( الطهارة الحكمية ) :
يجري
على ألسنة الفقهاء إطلاق الحدث على :
الخارج :كـ قولهم الأحداث : البول والغائط و ...
نفس
الخروج
: كقولهم الأحداث : خروج الريح والبول و الغائط
و
هذان المعنيان لا يتصور رفعهما، لأن ما وقع يستحيل رفعه، فالطهارة لا ترفع البول
أو الغائط أو خروجهما[3]
و
إنما ترفع وصفا حكميا لا شيئا محسوسا – وهو كون المكلف مُحدثا – أو الحكم و هو
المنع من العبادة
1.
ترفع الوصف بالحدث :
وهو
وصف معنوي غير محسوس سببه وجود الناقض، فإذا انتقض الوضوء صار من قام به الناقض
موصوفا بأنه محدث، المكلف قبلها يكون موصوفا بأنه محدث فإذا تطهّر ارتفع عنه هذا
الوصف الذي هو الحدث، و أصبح متصفا بالطهارة
و
لا يحصل هذا عند الجمهور بـ "التيمم" أي أنه لا يرفع هذا الوصف الحكمي
الذي هو الحدث، و إنما يرفع المنع المترتب على الحدث، فلا يشرع إلا عند دخول وقت
الصلاة و لا يصلى به إلا فرض واحد، و هو معنى قولهم "التيمم مبيح للعبادة،
و ليس برافع للحدث"
قال
ابن دقيق العيد أبو الفتح محمد بن علي ( ت : 702 ) : قال : نعم ههنا معنى
رابع يدعيه كثير من الفقهاء،
وهو أن الحدث : وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء على مقتضى الأوصاف الحسية، وينزلون
ذلك الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء.
فما نقول "إنه يرفع الحدث - كالوضوء والغسل –" : يزيل ذلك الأمر الحكمي، فيزول المنع المرتب على
ذلك الأمر المقدر الحكمي.
وما نقول "بأنه لا يرفع الحدث"
: فذلك المعنى المقدر القائم بالأعضاء حكما
باق لم يزل، و المنع المرتب عليه زائل.
فبهذا الاعتبار نقول : "إن التيمم لا يرفع الحدث"، بمعنى أنه لم يزل ذلك الوصف الحكمي المقدر وإن كان المنع زائلا .اهـ[4]
2.
المنع الذي سببه الناقض
المحدث :
ممنوع من الصلاة فإذا تطهر ارتفع عنه المنع إلى أن يقوم به ناقض
و
هو حاصل – ارتفاع الحدث بهذا المعنى – بـ "التيمم" فلا فرق بينه
وبين الوضوء ما دام "التيمم" جائزا أي أن "التيمم رافع للحدث"،
فيأخذ جميع أحكامه، فلا يشترط له دخول وقت الصلاة، ويجوز به أكثر من فرض
وهؤلاء
ينكرون المعنى السابق
قال
ابن دقيق العيد – في معاني الحدث – : الثالث
: المنع المرتب على ذلك الخروج.
وبهذا المعنى يصح قولنا "رفعت الحدث"
و "نويت رفع الحدث"
فإن كل واحد من الخارج والخروج قد وقع، وما وقع يستحيل رفعه، بمعنى أن لا يكون
واقعا.
وأما المنع المرتب على الخروج : فإن الشارع حكم به ومد غايته إلى استعمال
المكلف الطهور، فباستعماله يرتفع المنع، فيصح قولنا "رفعت الحدث"
و "نويت رفع الحدث"
أي ارتفع المنع الذي كان ممدودا
إلى استعمال المطهر.
وبهذا التحقيق : يقوى قول من يرى أن "التيمم يرفع الحدث"، لأنا لما بينا أن المرتفع : هو
المنع من الأمور المخصوصة، وذلك المنع مرتفع بالتيمم، فالتيمم يرفع الحدث.
غاية ما في الباب : أن رفعه للحدث مخصوص بوقت ما، أو بحالة ما، وهي عدم الماء .اهـ[5]
و ردّ المعنى الأول وما تفرع عنه من أن التيمم لا يرفع
الحدث بأنه لا حقيقة له و لا دليل عليه من الشرع، وإذا كان الحدث هو المنع و كان
المنع يزول بـ "التيمم" كان
"التيمم" رافعا للحدث كالوضوء فتبطل الأحكام المخالفة لـ
"الوضوء"
:
*اشتراط دخول الوقت للتيمم
*و عدم الجمع بين فريضتين بالتيمم
قال : وحاصل هذا :
أنهم أبدوا للحدث معنى رابعا، غير ما ذكرناه من الثلاثة المعاني، وجعلوه مقدرا
قائما بالأعضاء حكما، كالأوصاف الحسية، وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا
المعنى الرابع، الذي ادعوه مقدرا قائما بالأعضاء، فإنه منفي بالحقيقة، والأصل
موافقة الشرع لها، ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك .اهـ[6]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق