مختصر في جمع القرآن 01
حفظ الله "كتابه" بـ "التواتر" حفظا في "الصدور" و حفظا في "الكتب"، فلا زال المسلمون يأخذون قرآنهم "اللاحق" عن "السابق" جيلا بعد جيل، لا يختلفون – بحمد الله تعالى – في
حرف منه، و عرف ذلك المبطلون، فأيسوا من تحريف ألفاظه : زيادة أو حذفا أو تبديلا، و تمسكوا بـ "تحريف المعاني" بعد أن سمّوه بغير اسمه "تأويلا" حفظا وإظهارا لتأويلات أسلافهم من "الجهمية" و"المعتزلة" في باب "العقائد"، و التخريج عليها في باب "الأحكام" و في كل ما لم يصل إليه تحريف الأسلاف، فقام لهم علماء الشريعة ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين، فما أحسن أثرهم على الناس و ما أقبح أثر الناس عليهم.
قال
ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ) ت : 728 ( : و لما كانت ألفاظ "القرآن" محفوظةً منقولة بـ "التواتر" لم يطمع أحد في إبطال شيء منه و
لا في زيادة شيء منه بخلاف الكتب قبله، قال – تعالى – ] إنا
نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون [ [
الحجر : 9 ] .اهـ[1]
حفظ
الله كتابه في صدور المسلمين و في الكتب
أولا : حفظ القرآن في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم
الحفظ الأول : الحفظ في الصدور
ما من "صحابيّ" إلاّ و في صدره آيات من "القرآن" :
لحاجته إليه في صلاته، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخه و نقشه في صدورهم حتى ضَرب به
"الصحابة" المثل في حرصه صلى الله عليه وسلم على التعليم
قال "عبد الله بن مسعود" : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم – و كفّي بين كفّيه –
التشهد كما يعلمني السورة من القرآن[2] .
و ليس خاصا بـ
"ابن مسعود"
قال "عبد الله بن عباس" : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن[3] .
و قال "جابر بن عبد الله" : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه "الاستخارة" في
الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن[4] .
و من "الصحابة" من
حفظ "سورة ق" من كثرة ما سمعها مِن فيه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر[5]
.
وقال "عبد الله بن مسعود" : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة[6]
و جمعه أربعة
من "الصحابة" جميعهم من الأنصار لم يجمعه غيرهم، بشهادة "أنس بن مالك" :
قال : مات النبي صلى الله عليه وسلم و لم يجمع "القرآن" غيرُ أربعة : "أُبي
بن كعب" ، و "معاذ بن جبل"،
و "زيد بن ثابت"، و "أبو زيد[7]"
( أحد عمومته، مختلف في اسمه ) – و ناقش بعض أهل العلم هذا الحصر[8] –
و أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة يؤخذ عنهم القرآن : "عبد الله بن
مسعود"، و "سالم بن مَعْقِل
مولى أبي حذيفة"، و "معاذ بن
جبل"، و "أبي بن كعب[9]"
الحفظ الثاني : الحفظ في الرقاع ونحوها
كان "القرآن" في "العهد النبوي" يكتب في قطع صغيرة من جريد النخل و "العسب" و "الرقاع" و
"اللّخاف" – حجارة بيض رقاق –
و بالاعتماد على ما كُتب في زمانه صلى الله عليه وسلم جمعه الصحابة رضي الله عنهم، فالقرآن كله قد كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع
واحد، بل موّزعا و مفرقا عند الصحابة، و عليه غير مرتب السور.
و اختلف أهل العلم في ترتيب السور هل هو
توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو اجتهاد من الصحابة ضي الله عنهم، هذا الأخير هو الأقرب، و لهذا اختلفت مصاحف
الصحابة في ترتيب السور
قال ابن
جزي أبو القاسم
محمد بن أحمد الغرناطي ( ت : 741 )
: فترتيب السور على ما هو الآن من فعل عثمان و زيد بن ثابت
و الذين كتبوا معه المصحف، و قد قيل إنه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ذلك ضعيف تردّه الآثار الواردة في ذلك.اهـ[10]
و إنما لم يجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتعذر، لأنه كان ينزل غير مرتب و لاحتمال
النسخ
قال البيهقي
أبو بكر أحمد بن الحسين ( ت : 458 ) : " و يشبه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمعه في مصحف واحد لما كان يعلم من
جواز ورود النسخ على أحكامه و رسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه صلى الله عليه وسلم و انقطع الوحي قيّض بخلفائه الراشدين عند
الحاجة إليه جمعه بين الدفتين .اهـ[11]
فـ "أبو بكر رضي الله عنه" تتبع "المكتوب" و لم يكتف بـ "المسموع"[12]
و السبب :
التثبت
و التقيد بالرسم : لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، أي الجمع بين المسموع و المكتوب[13]،
و لذلك توقّف عن كتابة الآية من آخر "سورة براءة" حتى وجدها "مكتوبة" عند خزيمة بن ثابت مع أنه كان يحفظها هو و من كلّف بالجمع لكن لم
تقع له مكتوبة[14]
[1] الاستغاثة ( الرد على البكري ) 1 / 171
[2] البخاري ( 6265 ) مسلم 59 - ( 402 )
[3] مسلم 60 – 61 (
403 )
[4] البخاري 1166 ، 6382 ، 7390
[5] مسلم 50 - (872)
[6] البخاري 5000 مسلم 114 - (2462) ، 115 - (2463)
[7] البخاري 5003 ، 5004 ( أبو الدرداء بدل أبي ) مسلم 120 - (2465)
[8] فتح الباري 9 / 51 - 52
[9] البخاري 3758 ، 3806 ، 3808 ، 4999 مسلم 2464
[10] التسهيل لعلوم التنزيل ص4
[11] المدخل إلى السنن الكبرى 2
/ 504 ( الطبعة التامة ) عن أعلام الحديث
3 / 1856 - 1858
[12] أعلام الحديث 3 / 1855 – 1856 المدخل إلى السنن
الكبرى 2 / 499 - 500 ، 501 ، 503 – 504 ط : عوامة
[13] أعلام
الحديث 3 / 1858
[14] جمال القراء و كمال الإقراء 1 / 87 – 88 – ط : التراث مكة. و عنه
المرشد الوجيز 185 – 186
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق