الخميس، 23 أغسطس 2018

شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 04


شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 04

بوعلام محمد بجاوي
النوع الثاني : طهارة خبت أو نجس :
و تسمى – كما سبق – "الطهارة العينية" لأنها رفع لنجاسة محسوسة
قال أبو الطاهر : الطهارة على قسمين : طهارة حدث، وطهارة
خبث، وطهارة الحدث على قسمين : صغرى وكبرى، وقد ابتدأ في المدونة بـ "الصغرى" وفاقا للابتداء بها في آية الطهارة ولأنها تتكرر ما لا تتكرر الطهارة الكبرى. اهـ [1]
وهو صنيع القاضي، ولم يتعرض لأنواع الطهارة، بل شرع مباشرة في بيان طهارة الحدث

مسائل طهارة الحدث:

قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي ( ت : 422 ) : الطهارة من الحدث فريضة واجبة على كل من لزمته الصلاة . اهـ

المسألة الأولى : حكم طهارة الحدث

ابتدأ المصنف بـ "طهارة الحدث"
و أوّل ما ابتدأ به : حكمها
و بين أنها : فرض واجب
الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين خمسة : الواجب و يسمى الفرض – و قد قرن القاضي بينهما – المستحب و يسمى النفل و السنة، الحرام و يسمى المحظور، و المكروه، و المباح
قال القاضي : اعلم أن أفعال المكلفين كلها لا بدّ أن يحكم لها بأحد خمسة أحكام : إما الوجوب أو الندب أو الحظر أو الكراهة أو الإباحة، وما عدا ذلك من الأحكام تتضمنه .اهـ[2]
و الواجب :
في اللغة : السقوط
قال القاضي : فالوجوب عندهم [ أهل اللغة ] : السقوط، يقال "وجبت الشمس" إذا سقط قرصها، و "وجب الحائط" و الميت إذا مات، ومنه قوله تعالى } فإذا وجبت جنوبها { [ الحج 34 ] . اهـ[3]  
في الاصطلاح : ما يثاب فاعله و يستحق تاركه العقاب
يستحق : لأن الله قد يعفوا عنه فهو أولى من "يعاقب تاركه" لأن الله قد يعفو عن المسيء خلافا لـ "المعتزلة" الذين يوجبون على الله إنفاذ الوعيد
خرج بـ "يثاب فاعله" : الحرام و المكروه والمباح
وخرج بـ "يستحق تاركه العقاب" : المكروه
وذكر له القاضي تعريفين :
قال : فأما "الواجب" فحده : ما حرم تركه.
وقيل : ما في فعله ثواب، و في تركه عقاب أو ترك بدله إن كان ذلك بدل ( بلا ) عقاب.
والأول أحصر، وهذا أوضح .اهـ[4]
والأول تعريف حكم – الذي هو "الواجب"  – بآخر – هو "المحرم"  – لم يسبق تعريفه
وقال في العلاقة بين "المعنى اللغوي" و "الاصطلاحي" : فشبهوا المفروض بالشيء الذي قد سقط فلا يمكن رفعه كما لا يمكن الخروج عن الواجب إلا بفعله .اهـ[5]
و "الواجب" أنواع باعتبارات مختلفة، منها ما ذكره القاضي في آخر تعريفه الأخير
قال القاضي : وفائدة هذا التقيـيد أن الواجب على ضربين :
[ الضرب الأول ] منه : ما له بدل يردّ إليه فهو واجب، و ليس في تركه عقاب إذا تركه إلى بدله، فإن جمع بين تركه و ترك بدله تعلّق بذلك العقاب
كغسل الرجلين في الوضوء – و هو واجب – وله تركه إلى المسح على الخفين، و لا يكون في تركه عقاب إلا أن يجمع بين تركه وترك بدله، إلا أن يترك الفرع والأصل جميعا.
والضرب الثاني : ما لا بدل منه كغسل الوجه أو مسح الرأس – عندنا[6] – في الوضوء ففي تركه عقاب
وكترك العتق في كفارة اليمين إلى الكسوة وإلى الإطعام فما فعل من ذلك ناب بدله عن بدله بلا عقاب .اهـ[7]
ألفاظ "الوجوب" في الشرع واللغة :
قال القاضي : وللواجب عبارات، يقال : واجب، ومكتوب، وثابت، ومفروض، ومحتوم، ولازم، ومستحق
وقد ورد بهذه العبارات الكتاب والسنة واللغة، قال تعالى } كتب عليكم الصيام { [ البقرة 182 ] يريد أوجب وفرض، وكذلك } وكتبنا عليهم فيها { [ المائدة 47 ] و } كتب عليكم القصاص { [ البقرة 177 ]
وقال } كان على ربك حتما مقضيا { [ مريم 71 ] يريد : أن الله تعالى ألزم نفسه ذلك
وقال } أنلزمكموها وانتم لها كارهون { [ هود 28 ] [ يريد أن نوجبها عليكم[8] ]
و في الخبر : فرض رسول الله r صدقة الفطر وزكاة الفطر [ خ/ 1503 ، 1504 1511 ، 1512 - م/ 984 ]
وقال تعالى } وكان حقا علينا نصر المؤمنين { [ الروم 47 ] كذلك } حقا على المتقين { [ البقرة 180 ، 141 ][9] يريد : مستحقا .اهـ[10]
وزاد في "المعونة" :
قوله تعالى } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ { ومثله } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ { [ المائدة 105 ]
وحديث الخثعمية لما قالت : إن فريضة الله تعالى على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا [ خ/ 1513 ،  1853 – 1854 ، 1855 ، 4399 ، 6229 - م/ 1334 ، 1335 ]
ثم قال : ويُبَيِّـن ذلك أن أهل اللغة لا يفرقون بين قول السيد لعبده فرضت عليك وأوجبت عليك وحتمت وكتبت وألزمت وأنا استحق عليه ويرونه كله عباره عن الوجوب وتحريم الترك .اهـ[11]




[1] التنبيه على مبادئ التوجيه 1 / 215
[2] مقدمة في الأحكام 229 المعونة 3 / 1691
[3] مقدمة في الأحكام 229 المعونة 3 / 1693
[4] مقدمة في الأحكام 229 المعونة 1692 ولم يشر فيه إلى ترك البدل
[5] المعونة 3 / 1693
[6] المخالف يقول بالمسح على العمامة، فالصورة عنده من الضرب الأول
[7] مقدمة في الأحكام 229
[8] زيادة من المعونة  3 / 1692
[9] وكذلك } ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ { [ يونس 103 ]
[10] مقدمة في الأحكام 230 – 231
[11] المعونة 3 / 1692 - 1693

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق