مختصر في جمع القرآن 04
الخلاصة :
قال أبو شامة : و اعلم أن حاصل ما شهدت به الأخبار المتقدمة، وما صرّحت
به أقوال الأئمة أن تأليف القرآن على ما هو عليه الآن
كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه وأمره، وأن جمعه في الصحف خشية دثوره بقتل قرائه كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، و أن نسخه في مصاحف حملا للناس على اللفظ المكتوب حين نزوله بإملاء المنزل إليه صلى الله عليه وسلم، و منعًا من قراءة كل لفظ يخالفه كان في زمن عثمان رضي الله عنه، و كأن أبا بكر كان غرضه أن يجمع القرآن مكتوبا مجتمعا غير مفرق[1] على اللفظ الذي أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم على كتبة الوحي ليعلم ذلك، ولم يكل ذلك إلى حفظ من حفظه خشية فنائهم بالقتل و لاختلاف لغاتهم في حفظهم على ما كان أبيح لم من قراءته على سبعة أحرف ... فلما ولي عثمان و كثر المسلمون وانتشروا في البلاد وخيف عليهم الفساد من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم حملهم عثمان على ذلك اللفظ الذي جمعه "زيد" في زمن أبي بكر، و نفي ما عداه ليجمع الناس على قراءة القرآن على وفق ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكثر فيه التصرف، فيتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة...
كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه وأمره، وأن جمعه في الصحف خشية دثوره بقتل قرائه كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، و أن نسخه في مصاحف حملا للناس على اللفظ المكتوب حين نزوله بإملاء المنزل إليه صلى الله عليه وسلم، و منعًا من قراءة كل لفظ يخالفه كان في زمن عثمان رضي الله عنه، و كأن أبا بكر كان غرضه أن يجمع القرآن مكتوبا مجتمعا غير مفرق[1] على اللفظ الذي أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم على كتبة الوحي ليعلم ذلك، ولم يكل ذلك إلى حفظ من حفظه خشية فنائهم بالقتل و لاختلاف لغاتهم في حفظهم على ما كان أبيح لم من قراءته على سبعة أحرف ... فلما ولي عثمان و كثر المسلمون وانتشروا في البلاد وخيف عليهم الفساد من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم حملهم عثمان على ذلك اللفظ الذي جمعه "زيد" في زمن أبي بكر، و نفي ما عداه ليجمع الناس على قراءة القرآن على وفق ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكثر فيه التصرف، فيتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة...
فقد اتضح بما ذكرناه معنى ما فعله كل واحد
من الإمامين أبي بكر و عثمان رضي الله عنهما، وتبين أن قصد كل واحد منهما غير قصد
الآخر، فأبو بكر قصد جمعه في مكان واحد، ذخرًا للإسلام يرجع إليه إن اصطلم –
والعياذ بالله – قرّاؤه، و عثمان قصد بجمعه أن يقتصر الناس على تلاوته على اللفظ
الذي كتب بأمر النبي لى الله عليه وسلم، ولا يتعدوه إلى غيره من القراءات التي
كانت مباحة لهم، المنافية لخط المصحف من الزيادة والنقصان وإبدال الألفاظ .اهـ[2]
ظاهر كلامه أنه لا اختلاف في الرسم وإنما الخلاف في اللفظ المأذون به[3]،
فصنيع عثمان جمع الصحف في مصحف واحد فقط و إلزام الناس التقيد به، لكن حتى في
مصاحف عثمان يوجد اختلاف
قال المعلمي : مع أنه وقع اختلاف يسير بين المصاحف العثمانية، وكأنه تبعاً للقطع التي
كتب فيها القرآن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، كأن توجد الآية في قطعتين كتبت الكلمة في
إحداهما بوجه وفي الأخرى بالآخر، فبقي هذا الاختلاف في القراءات الصحيحة .اهـ[4]
قال ابن حجر : والحق
: أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على
إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا
جميعها كما وقع في "المصحف المكي" } تجري من تحتها الأنهار { في آخر براءة و في غيره بـحذف " مَن"،
و كذا ما وقع من اختلاف "مصاحف الأمصار" من عدة "واوات"
ثابتة في بعضها دون بعض، وعدة "هاآت"، و عدة "لامات"
و نحو ذلك، و هو محمول على أنه نزل بالأمرين معا، و أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بكتابته لشخصين أو أعلم بذلك شخصا واحدا و أمره بإثباتهما على الوجهين، وما عدا
ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس
وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا
اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي .اهـ[5]
فهوا موافق على أن عثمان لم يصنع شيئا غير جمع الصحف في
مصحف
فلا يجوز لأحد مخالفة المصحف الذي جمع عثمان رضي الله عنه و ارتضته
الأمة من بعد
قال الطحاوي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة ( ت : 321 ) في "عثمان رضي الله عنه" : ومن ذلك ما اختص به "عثمان رضي الله عنه" وهو منهم [ الخلفاء ] من كتابة
"المصاحف"، و بثّها في البلدان حتى جمع الله الناس به على حرف
واحد، أقام به الحجة، و أبان به أن من خالف حرفا منه كان كافرا، و أعاذنا الله عزّ
وجلّ به أن نكون كأهل الكتابين قبلنا، الذين اختلفوا في كتابهم حتى تهيأ لمن تهيأ
منهم تبديله، و حتى تكافؤوا فيما يدعون من الاختلاف فيه
.اهـ[6]
قال
الطبري أبو جعفر محمد بن جرير ( ت : 310 ) في منع قراءةٍ : لأنه ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين، وإذا قرئ نصبا كانت قراءة مخالفة رسم
مصاحفهم .اهـ[7]
و في نفس السياق : فكيف وهو خلاف رسوم مصاحف
المسلمين، ومما لو قرأه اليوم قارئ كان مستحقا العقوبة لزيادته في كتاب الله عزّ وجلّ ما ليس منه .اهـ[8]
حكم القراءة الشاذة :
و القراءة :
المروية بالسند الصحيح غير الموافقة لرسم المصحف
او ما لم يقرأ به القراء الذين اجتمعت الأمة عليهم و إن لم تخالف رسم المصحف
تسمى
: القراءة الشاذة
و هي وإن لم يجز التعبد بتلاوتها فإنه يحتج بها إذا صحّ سندها
كما يحتج بالسنة في تفسير القرآن
قال الطحاوي
: كذلك كل ما روي مما ذكر فيه أنه من
"القرآن" ولا نجده في مصاحفنا، فهو مما قد كان قرآنا ونسخ، فأخرج من
القرآن و أعيد إلى السنة فصار منها .اهـ[9]
فيفسر بها القرآن بيانا وتخصيصا وتقييدا، و يؤكد بها رد قراءة غير
مأثورة، وبعضهم يرجح بها بين القراءتين المسموعتين، موافقة معناها لمعنى إحدى
القراءتين
قال أبو عبيد القاسم بن سلام ( ت : 228 ) : والذي ألّفه[10]
عثمان، هو الذي بين ظهراني ( ظهري ) المسلمين اليوم، وهو الذي يحكم به على من أنكر
منه شيئا بـ [ مثل ] ما يحكم على المرتد من الاستتابة، فإن أبى فالقتل.
فأما ما جاء من هذه الحروف التي لم يوجد (
يؤخذ ) علمها إلا بالإسناد والروايات التي يعرفها الخاصة من العلماء دون عوام
الناس، فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين،
وتكون دلائل على معرفة معانيه و وجوهه ( علم وجوهه )، وذلك كقراءة حفصة وعائشة } حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر { وكقراءة ابن مسعود } والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم { ، ... فهذه الحروف وأشباه
لها كثير ( كثيرة ) قد صارت مُفَسِّرة للقرآن، وقد كان يُروى مثل هذا عن بعض
التابعين في التفسير فيستحسن ذلك، فكيف إذا روي عن ( كبار[11]
) أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار في نفس القراءة ؟ فهو الآن أكثر من
التفسير وأقوى[12]،
وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف معرفة صحة التأويل. على أنها من العلم الذي لا
تعرف العامة فضله، إنما يعرف ذلك العلماء.
وكذلك يعتبر بها وجه القراءة، كقراءة من قرأ
} يقصّ الحق { [ الأنعام : 57 ] فلما وجدتها في قراءة عبد
الله } يقضي بالحق { علمت أنت ( أنه ، أنها ) أنما هي } يقضي الحق {، فقرأتها أنت على ما في المصحف، واعتبرت
صحتها بتلك القراءة. وكذلك قراءة من قرأ } أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم { [ النمل: 82 ] لما وجدتها في قراءة أُبَـي } تنبئهم { علمت أن وجه القراءة تُكَلّمهم. في أشياء من
هذه كثيرة لو تدبرت وجد فيها علم واسع لمن فهمه .اهـ[13]
[1] أثبت المحقق
"متفرق"
[2] المرشد الوجيز 204 – 206
[3] هذه مسألة هل اللفظ المأذون به القراءة بالمعنى
أم منزل، اختيار أبي شامة أنه رواية بالمعنى بشرط إقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه،
و بسط هذه المسألة في أصل هذا المختصر
[4] الأنوار الكاشفة 77
[5] فتح الباري 9 / 30
[6] بيان المشكل ( شرح مشكل الآثار ) 10 / 260
[7] تفسير الطبري 1 / 347
[8] تفسير الطبري 2 / 726
[9] بيان المشكل 5 / 320
[10] جمعه
[11] ينظر حاشية المحقق
[12] أصحّ ما يفسر به القرآن بعد القرآن المتواتر
[13] فضائل القرآن 2 / 153 – 154
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق