مختصر في جمع القرآن 06
تنبيهان
:
التنبيه
الأول : نقل "القرآن" : اجتمع فيه ضبط الصدر و ضبط الكتاب
و من أقول السلف : "لا يأخذ القرآن من
مصحفي"
ابن أبي حاتم :"نا"
أبي [
أبو
حاتم محمد بن إدريس ]و أبو زرعة [ عبيد الله بن عبد الكريم
] قالا "نا" عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي "نا" الوليد
عن سعيد - يعني ابن عبد العزيز - عن سليمان بن موسى أنه قال : لا تأخذوا الحديث
عن الصحفيين و لا تقرؤوا القرآن على المصحفيين.
حدثني أبي "نا" إسحاق بن الضيف قال سمعت أبا
مسهر يقول سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول : لا تأخذوا العلم عن صحفي ولا القرآن من مصحفي.[1]
و بهذا تسقط شبهة من الشبه – و إن كان يغني عن ردّها أنها شبهة –، و هي أن "القرآن" في أوّل
الأمر لم يكن مضبوطا بالإعجام – النقط – و الحركات، و هذا يوجب الاختلاف فيه .
و إلى اليوم لا زال "القرآن"
و حِفظه مستغنيا بصدور المؤمنين عن الكتب، و إنما يحتاج إلى "الكتاب"
من لا يحفظ
التنبيه
الآخر : الأصل في فعل عثمان رضي
الله عنه : أن اختلاف القراءة
"رخصة"
اختلاف القرآن من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد اقتضته
الرخصة تيسيرا على الناس
*البخاري ( 3219 ) حدثنا إسماعيل [ بن أبي أويس ] قال حدثني سليمان [ بن بلال ] عن يونس [ بن
يزيد ] عن ابن شهاب [ الزهري ] عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف [
و ( 4991 ) من طريق عقيل بن خالد عن الزهري و مسلم
272 - ( 819 ) من طريق عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري وفي آخره قال ابن شهاب :
بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف
في حلال ولا حرام . و من طريق معمر عن الزهري ]
*البخاري ( 4992 ) حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث [ بن سعد ] قال حدثني عقيل [ بن خالد ]
عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد
القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب، يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ
سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ
على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكدت أساوره في
الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك
تقرأ ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت : كذبت، فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقلت : إني سمعت هذا يقرأ بسورة "الفرقان" على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : أرسله، اقرأ يا هشام،
فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذلك أنزلت، ثم قال : اقرأ
يا عمر. فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف،
فاقرؤوا ما تيسر منه [ مسلم 270 - (818) من
طريق مالك عن الزهري و 271 - (818) من طريق يونس و معمر عن الزهري ]
*مسلم 273 - ( 820 ) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن
عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أُبَي بن كعب، قال : كنت في
المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة
صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت :
إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرءا، فحسن
النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في
الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
قد غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا،
فقال لي : يا أُبَي أُرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف،
فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون
على أمتي، فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة
تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي
الخلق كلهم، حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. [ و273
- ( 821 ) من طريق محمد بن بشر
عن إسماعيل بن أبي خالد و274 - ( 821 ) من طريق شعبة [ بن الحجاج ] عن الحكم [ بن عتيبة ] عن مجاهد [ بن جبر ] عن
ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار،
قال : فأتاه جبريل عليه السلام، فقال : إن الله يأمرك
أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق
ذلك، ثم أتاه الثانية، فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال :
أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة، فقال : إن
الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال : أسأل الله معافاته
ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة، فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ
أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. ]
قال ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري ( ت :
276 ) – بعد أن ذكر وجوه اختلاف القراءات – : و كل هذه الحروف كلام الله تعالى نزل به الروح الأمين
على رسوله عليه السلام وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع
عنده من القرآن فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، و ينسخ ما يشاء، وييسّر على عباده
ما يشاء. فكان من تيسيره أن أمره بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم .اهـ[2]
فلمّا أدت الرخصة إلى مفسدة وجب تركها و الرجوع إلى
العزيمة
قال ابن رجب أبو الفرج
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب ( ت : 795 ) :
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ أمته القرآن في زمانه على أحرف متعدّدة
تيسيرا على الأمة لحفظه و تعلّمه، حيث كان فيهم العجوز و الشيخ الكبير، و الغلام و
الجارية، و الرجل الذي لم يقرأ كتابا قط.
فطلب لهم الرخصة في حفظهم له أن يقرئهم على سبعة أحرف
كما ورد في حديث أبيّ بن كعب و غيره
ثم لما انتشرت [ و الحمد لله ] كلمة الإسلام في الأقطار،
و تفرّق المسلمون في البلدان المتباعدة صار كل فريق منهم يقرأ القرآن على الحرف
الذي وصل إليه، فاختلفوا حينئذ في حروف القرآن، فكانوا إذا اجتمعوا في الموسم أو
غيره اختلفوا في القرآن اختلافا كثيرا، فأجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في
عهد عثمان على جمع الأمة على حرف واحد خشية أن تختلف هذه الأمّة في كتابها كما
اختلف الأمم قبلهم في كتبهم، و راوا أن "المصلحة"
تقتضي ذلك، و حرّقوا ما عدا هذا الحرف الواحد من المصاحف، و كان هذا من محاسن أمير
المؤمنين عثمان رضي الله عنه التي حمده عليها عليّ و حذيفة و أعيان الصحابة
و إذا كان عمر قد أنكر على هشام بن حكيم بن حزام على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم في آية أشد الإنكار[3]، و
أبيّ حصل له بسبب اختلاف القرآن ما أخبر به عن نفسه من الشكّ،[4] و
بعض من كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه
ارتدّ بسبب ذلك حتى مات مرتدّا[5].
هذا كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكيف الظن بالأمّة بعده أن لو بقي الاختلاف
في ألفاظ القرآن بينهم .اهـ[6]
تم المختصر، والحمد لله على توفيقه، و توسعت فيه و استدركت ما ظهر لي أنه الأولى بالصواب، وسميته "شقائق النعمان مختصر في جمع القرآن" سهّل الله طبعه ونشره
[1]
الجرح والتعديل 2 / 31 .و
قول سعيد بن عبد العزيز : أخرجه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"
( 1 / 259 ) و العسكري أبو
أحمد الحسن بن عبد الله ( ت : 382 ) في "تصحيفات المحدثين"
[2] تأويل مشكل القرآن 38 - 39
[3]
البخاري 2419 ، 4992 ، 5041 ، 6936 ، 7550
– مسلم 818
[4]
صحيح مسلم 820
[5]
قال ابن حجر
: و أوّل من كتب له بمكة من قريش : عبد الله بن سعد بن أبي
سرح [ تبعا لابن قتيبة. الاستيعاب 1 / 68 ] ، ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام يوم
الفتح . اهـ فتح الباري 9 / 22 و قصته في طبقات ابن سعد 447 – 449 ( الجزء المتمم
لطبقات ابن سعد : الطبقة الرابعة : ممن أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك )
[6] الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 620 – 621
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق