الثلاثاء، 17 يوليو 2018

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 04

شرح نصيحة المعلمي 04
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم
04

بوعلام محمد بجاوي

فرع : الأسباب المانعة من التزام الحق و إيثار الهوى عليه

ذكر المعلمي جملة من الأسباب التي تدعو إلى إيثار الهوى على
الحق بعد أن حصر مظانّ الهوى في أربعةٍ تبعا لدرجات الدين –: 
( 1 ) الكف أو الترك
( 2 ) الفعل أو العمل
( 3 ) الاعتراف بالحق
( 4 ) الاعتقاد للحق و العلم به
و فرق بين الاعتراف والاعتقاد، فقد يعتقد الحق و لا يعترف به حسدا وكبرا، وقد يعترف ولا يعتقد كبرا
1.    في الفعل
2.    في  الترك
المشقة في الأول، و الشهوة في الآخر 
قال المعلمي :
مخالفة الهوى للحق في الكف : واضحة، فان عامة ما نهي عنه شهوات و مستلذات، و قد لا يشتهي الإنسان الشيء من ذلك لذاته، و لكنه يشتهيه لعارض[1]
و مخالفة الهوى للحق في العمل : واضحة لما فيه من الكلفة و المشقة .اهـ[2]
3.    في الاعتراف بالحق
من وجوه أربعة :
الوجه الأول : الإقرار بأنه كان – و من يعظمهم – على الباطل
يعتقد أنه إن اعترف بالحق أنه يعترف على نفسه أنه كان على باطل، و إذا كان مقلدا يعتقد أنه باعترافه بالحق ينتقص من يقلدهم، و انتقاصُهم انتقاصٌ له[3]
الوجه الثاني : زوال المصالح الدنيوية
أن يكون رأسا متبوعا في الباطل الذي يعتقده، و رجوعه عنه إلى الحق يُذهب عنه تلك المكانة و ما يتفرّع عنها من مصالح دنيوية[4] 
*إما لانصراف الناس عنه
* أو لأنه يصير في الحق عامّيا من عامة المسلمين  : كـ "متكلم" لا يعرف غير الكلام يرجع إلى عقيدة أهل السنة
الوجه الثالث : الكِبْر أو الشعور بالنقص
يمنع الكبر الجاهل أو العالم المخطئ من الإذعان للحجة، لأنه يرى أن اعترافه يلزم منه اعتراف بنقصه و بفضل المبين له عليه، و من هؤلاء من يذعن للحق إذا اهتدى إليه بنفسه
قال المعلمي : يكون الإنسان على جهالة أو باطل، فيجيء آخر فيبين له الحجة، فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه "ناقص"، وأن ذلك الرجل هو الذي هداه، و لهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشق عليه الاعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبين له ببحثه و نظره، و يشقّ عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له .اهـ[5]   
الوجه الرابع : الحسد
يرى أن في اعترافه على نفسه بالخطأ و لغيره بالحق و الصواب تعظيما له و رفعا من شأنه عند الناس، و من هذا الصنف من يخطّئ غيره من أهل العلم و لو بالباطل يريد الحط من منزلته عند الناس
قال المعلمي : و ذلك إذا كان غيره هو الذي بَيّـن الحق، فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافا لذلك الـمُبَيِّـن بالفضل و العلم و الإصابة، فيعظم ذلك في عيون الناس، و لعله يتبعه كثير منهم، و إنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئة غيره من العلماء و لو بالباطل، حسدا منه لهم، و محاولة لحطّ منزلتهم عند الناس .اهـ[6] 
و يمكن إضافة وجه آخر، و قد يكون مندرجا تحت الوجه الثاني "زوال المصالح الدنيوية" :
الوجه الخامس : التضييق عليه من أهل الباطل الذي ينوي تركه و الاعتراف بما يضاده
قال المعلمي في سياق ذكر شبهة، نقتصر منها على مقدمة الشبهة و هي مسلمة : لا ريب أن الانسان ينشأ على دين و اعتقاد و مذهب وآراء يتلقاها من مربيه ومعلمه، و يتبع فيها أسلافه و أشياخه الذين تمتلئ مسامعه بإطرائهم، و تأكيد أن الحق ما هم عليه وبذم مخالفيهم وثلبهم، و تأكيد أنهم على الضلالة، فيمتلئ قلبه بتعظيم أسلافه وبغض مخالفيهم، فيكون رأيه و هواه متعاضدين على اتباع أسلافه ومخالفة مخالفيهم، و يتأكد ذلك بأنه يرى أنه إن خالف ما نشأ عليه رماه أهله وأصحابه بالكفر والضلال، وهجروه وآذوه وضيقوا عليه عيشته ... .اهـ[7]
4.    في العلم بالحق و الاعتقاد له
الوجه الأول : المشقة في تحصيل الحق
لأنه – و سبق في أول الكلام عن طلب الحق –  يحتاج إلى : البحث و النظر و سؤال أهل العلم، و إلى لزوم التقوى طلبا للتوفيق و الهدى[8]
الوجه الثاني : كراهية العلم و الاعتقاد[9]  نفسه
1.    لأن في اعتقاد الحق – عنده – اعترافا على نفسه و على من يعظمهم بالنقص :
 كما سبق في الاعتراف، فهو يكره العلم بالحق و اعتقاده لأجل هذا[10]
2.    لأن موضوع الحق الوعيد بالعذاب:
فيكره العلم به و اعتقاده مطلقا لتجنب العذاب، فينكر البعث أو ينكر العذاب نفسه
أو يعتقد أن العذاب لمن ترك الاعتقاد، أي أنه يكفي الإيمان، و لا يضر ترك الواجب وفعل المحرم، و هو عقيدة "المرجئة" الذين  يحصرون "الإيمان" في الاعتقاد و لا تضر عندهم المعاصي من فعل المحرم وترك الواجب
أو اعتقد العذاب على المعصية لكن مع التوسع في الشفاعة، أي تحصيل الشفاعة بما يوافق هواه من التوسع في الأكل و سماع الغناء بدعوى الاحتفال بالمولد النبوي أو غيره من المناسبات، فهو يرى أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم حاصلة له وتكفيه
كما هو حال النصارى الذي تبنوا عقيدة الخلاص و أن الإيمان بربوبية عيسى عليه السلام ينجي من النار بشفاعته عند نفسه أو عند الأب، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوّا كبيرا
قال المعلمي : ومن جهات الهوى أن يتعلق الاعتقاد بعذاب الآخرة، فتجد الإنسان يهوى أن لا يكون بعث لئلا يؤخذ بذنوبه، فإن علم أنه لا بد من البعث هوى أن لا يكون هناك عذاب، فإن علم أنه لا بد من العذاب هوى أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قول المرجئة، فإن علم أن العصاة معذبون هوى التوسع في الشفاعة، و هكذا.اهـ[11]  
3.   لمشقة الفعل عليه أو من يرجو نفعهم من ذوي السلطان و المال و العامة :
كأن يشق عليه "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" فهو يكره وجوبه لأجل ذلك أو أن يشق على الحاكم أو الناس فعل فيدفع وجوبه أو يهووا بدعة فيدفع بدعيتها
قال المعلمي : و من الجهات أنه إذا شق عليه عمل كـ "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" هَوِي عدم وجوبه، و إذا ابتلي بشيء يشقّ عليه أن يتركه كـ : "شرب المسكر" هوى عدم حرمته.
و كما يهوى ما يخفف عليه فكذلك يهوى ما يخفف على من يميل إليه، و ما يشتدّ على من يكرهه، فتجد القاضي و المفتي هذه حالهما.
و من المنتسبين إلى العلم من يهوى ما يعجب الأغنياء و أهل الدنيا، أو ما يعجبه العامة ليكون له جاه عندهم وتقبل عليه الدنيا، فما ظهرت بدعة، و هويها الرؤساء و الأغنياء و أتباعهم إلا هويها و انتصر لها جمع من المنتسبين إلى العلم، و لعل كثيرا ممن يخالفها إنما الباعث لهم عن مخالفتها هوى آخر وافق الحق، فأما من لا يكون له هوى إلا إتباع الحق فقليل، ولا سيما في الأزمنة المتأخرة، و هؤلاء القليل يقتصرون على أضعف الإيمان، وهو الإنكار بقلوبهم والمسارة به فيما بينهم، إلا من شاء الله .اهـ[12] 

[1] إرادة الوصول إلى الشهوة
[2] التنكيل 2 / 180 – القائد إلى تصحيح العقائد
[3] التنكيل 2 / 180 - القائد
[4] التنكيل 2 / 180 - القائد
[5] التنكيل 2 / 181 – القائد
[6] التنكيل 2 / 181 – القائد و سبق في أول الكلام عن " طلب الحق "
[7] التنكيل 2 / 18 - 189 – القائد
[8] التنكيل 2 / 181 – القائد
[9] لا تعارض في كلام المعلمي بين الاعتراف و الاعتقاد، فقد يعلم و يعتقد، لكن لا يعترف، و قد يمنعه رفض الاعتراف من العلم و الاعتقاد كما يأتي في كلام المعلمي
[10] التنكيل 2 /  181 – القائد
[11] التنكيل 2 /  182 – القائد
[12] التنكيل 2 /  182 – القائد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق