الاثنين، 13 أغسطس 2018

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 05

شرح نصيحة المعلمي 05
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم
05

بوعلام محمد بجاوي


فرع : الأسباب المعينة على إيثار الحق على الهوى

كما أن لإيثار الهوى أسبابا فكذلك لإيثار الحق أسبابه، و قد ذكر
المعلمي جملة من الأسباب الـمُعِينة على إيثار الحق على الهوى[1]
1.    النية : نية إصابة الحق علما ثم اعتقادا ثم امتثالا
فمن كانت نيته إصابة الحق و حَرِص على ذلك ليعبد الله وفق ما شرع وفّقه الله لإصابة الحق، و من كانت نيته موافقة الحق لهواه فيدع المحكم و يتمسك بالمتشابه كما قال تعالى } هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ   { [ آل عمران 7 ] فلن يزيده الله إلا ضلالا
قال تعالى } وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ { [ الرعد 27 ]
و قال } اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ { [ الشورى 13 ]
و قال } هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ { [ غافر 13 ]
و قال } هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ  { [ مريم 76 ]
و قال } وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ { [ محمد 17 ]
و قال } أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { [ البقرة 258 ]
و قال } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ { [ البقرة 264 ]
و قال } ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  { [ المائدة 108 ]
و قال } أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ { [ غافر 28 ]
و قال } وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ { [ غافر 28 ]
قال المعلمي : فبين الله – تعالى – لهم في عدة آيات أنه ليس على الرسول إلا البلاغ، و أن الهداية بيد الله، و أن ما أوتيه من الآيات كاف لأن يؤمن من في قلبه خير، و أن الله لو شاء لهدى الناس جميعا، لكن حكمته إنما اقتضت أن يهدي من أناب بأن كان يحب الهدى، و يؤثره على الهوى، فأما من كره الحق و استسلم للهوى، فإنما يستحق أن يزيده الله تعالى ضلالا .اهـ[2]
و قال : فتخلص أن حكمة الحق في الخلق اقتضت أن تكون هناك بَيِّنات و شبهات، و ألا تكون البينات قاهرة و لا الشبهات غالبة، فمن جرى مع فطرته من حبّ الحق وربّاها و نمّاها وآثر مقتضاها، و تفقد مسالك الهوى إلى نفسه فاحترس منها، لم تزل تتجلى له البينات و تتضاءل عنده الشبهات، حتى يتجلى له الحق يقينا فيما يطلب فيه اليقين، و رجحانا فيما يكفي فيه الرجحان، و بذلك يثبت له الهدى و يستحق الفوز، و الحمد و الكمال على ما يليق بالمخلوق، ومن اتبع الهوى وآثر الحياة الدنيا، تبرقعت دونه البينات، واستهو ته الشبهات، فذهبت به إلى " حيث ألقت رحلها أم قشعم " .اهـ[3]
و قال : ينبغي لطالب الحق أن يقدّم في المسألة محاسبة نفسه بأن يتجسّس فيها : هل لها ميلٌ إلى وجه معيّن في تلك المسألة أو إلى أي وجه يكون ذهب إليه فلان أو أصحاب هذا المذهب أو هذه الفرقة فإن وثق بأنه لا ميل له البتة فالظاهر أنه الآن بريء من الهوى، لكن لا يأمن أن يعرض له الهوى بعد ذلك لعروض سبب من أسبابه، و هي كثيرة ...
و بالجملة فمسالك الهوى دقيقة، و السلامة منه عزيزة، و التمييز معه بين الحجة و الشبهة صعب، لكن من صدقت رغبته في إصابة الحق، و بَذَل وسعه في جهاد نفسه، و تضرعّ إلى الله عزّ وجلّ سائلا منه التوفيق، فإن الله تبارك وتعالى يقول } والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين { [ العنكبوت 69 ].
و عسى أن يكون بذلك قد أخذ بحظ وافر من التقوى المعنية بقول الله عزّ وجلّ } يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم { [ الأنفال 29 ].اهـ[4]
2.   اتباع المحكم و ترك المتشابه
و هذا من ثمرات الأول "النية الصادقة"، بل هو امتثال الجوارح للقلب، فمن كانت نيته عبادة الله أخذ بالمحكم و لم يراوغ بالمتشابه، و جمع "المعلمي" في كلامه السابق بين "اتباع المحكم" و "النية"
و قال : يسعى في التمييز بين معدن الحجج و معدن الشبهات، فإنه إذا تمّ له ذلك هان عليه الخطب، فإنه لا يأتيه من معدن الحق إلا الحق إن كان راغبا في الحق قانعا به إلى الإعراض عن شيء جاء من معدن الحق، ولا إلى أن يتعرض لشيء جاء من معدن الشبهات، لكن أهل الأهواء قد حاولوا التشبيب[5] والتمويه، فالواجب على الراغب في الحق ألا ينظر إلى ما يجيئه من معدن الحق من وراء زجاجاتهم الملونة، بل ينظر إليه كما كان ينظر إليه أهل الحق، و الله الموفق .اهـ[6]
و ذلك أن الدين يقوم على ركنين :
الأول : الإخلاص
الآخر : الاستسلام
قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728 ) : و "الإسلام" : يجمع معنيين :
أحدهما : الاستسلام و الانقياد
فلا يكون متكبرا
و الثاني : الإخلاص
من قوله تعالى } ورجلا سلما لرجل { [ الزمر 29 ] فلا يكون مشتركا، و هو أن يسلم العبد لله رب العالمين، كما قال تعالى } ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه و لقد اصطفيناه في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون { [ البقر 130 – 132 ] و قال تعالى } قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين { [ الانعام 161 – 163 ] .اهـ[7]
و قال : و كل واحد من المستكبرين و المشركين ليسوا مسلمين، بل "الإسلام" هو : الاستسلام لله وحده، و لفظ "الإسلام" : يتضمّن الإستسلام، و يتضمّن إخلاصه لله.
و قد ذكر ذلك غير واحد، حتى أهل العربيّة، كـ "أبي بكر [ محمد بن القاسم ] ابن الأنباري ( ت : 328 ) "، و غيره.
و من المفسرين من يجعلهما قولين، كما يذكر طائفة – منهم : البغويّ [ أبو محمد الحسين بن مسعود ( ت : 516 ) ] – أنّ المسلم هو: المستسلم لله، و قيل : هو المخلص.
و التحقيق : أنّ المسلم يجمع هذا و هذا، فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، و من استسلم لغيره كما يستسلم له لم يكن مسلما، و من استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن } بَلَىْ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُوْنَ { [ البقرة 112 ]، وقال : } وَمَنْ أَحْسَنُ دِيْنَاً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاْهِيْمَ حَنِيْفَاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاْهِيْمَ خَلِيْلاً { [ النساء 125 ]
و "الاستسلام" له يتضمّن : الاستسلام لقضائه، و أمره، و نهيه، فيتناول فعل المأمور، و ترك المحظور، والصبر على المقدور } إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرُ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيْعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِيْنَ { [ يوسف 90 ] .اهـ[8]

[1] ليس بالضرورة في ذكر الأسباب و نحوها أن تكون مجموعة في موضع واحد
[2] التنكيل 2 / 186 - القائد
[3] التنكيل 2 / 188 - القائد
[4] نصيحة لطالب الحق 22 / 258 – 259 – آثار المعلمي
[5] في الطبعة المعتمدة "التشبيه" و الأقرب "التشبيب" و من معاني الخلط و كثرة الالتفاف
[6] التنكيل 2 / 202 - القائد
[7] الاستقامة 2 / 302 – 303
[8] النبوات 1 / 346 – 347

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق