الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 10

شرح نصيحة المعلمي 10
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم
10

✍بوعلام محمد بجاوي 

المسألة الثالثة : الفرق بين هذه الأمة و الأمم قبلها : 

قال المعلمي : "و قد تواترت الأخبار أيضا بأنه لا تزال طائفة قائمة على الحق"
و هذا ما تميّزت و تتميز به هذه "الأمة المعصومة" عن باقي الأمم، فإنها و إن شاركت الأمم السابقة في الاختلاف، و خروج جماعات عن الهدي القرآني النبوي فإن شمس "الحق" لا تغيب عنها، بل "الحق" فيها ظاهر، و تجد "أهل الأهواء" من "المتكلمين" و "المتصوفة أصحاب الطرق" فرحين بوجود ما يقوّي ضلالهم – في ظنهم و أمانيهم –  في الوحيين : "الكتاب" و "السنة"، بل تجدهم يُجهدون أنفسهم في الانتساب إلى "السنة" و دفع التهمة عنهم بمخالفتهم لها، حتى إنه ليشتبه على عامّة الناس مَن هو على "السنة" و من هو على"البدعة" ؟ بكثرة الدعاوي مع الاختلاف و التباين بين المدّعين، و لهذا كان أعظمُ المهم معرفةَ "السنة و أهلها" من "مدعيها"، و هذا هو المقصود من – و الدافع إلى – اختيار "شرح نصيحة المعلمي"، و إني لأرجو من الله – بعد تيسير إتمام شرحها مع الجهد وشغل البال والاضطرار واضطراب الحال، وقلّة المسعد و المعين وحسد التلميذ و القرين– أن يكون فيها عون وضياء لقارئها
قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728 ) : لكن أعظم المهم في هذا الباب و غيره : تميـيز "السنة" من "البدعة"، إذ "السنة" : ما أمر به الشرع، و"البدعة" : ما لم يشرعه من الدين، فإن هذا الباب كثر فيه اضطراب الناس في الأصول و الفروع، حيث يزعم كل فريق أن طريقه هو"السنة" و طريق مخالفه هو "البدعة"، ثم إنه يحكم على مخالفه بحكم "المبتدع"، فيقوم من ذلك من الشر ما لا يحصيه إلا الله . اهـ[1]
و سمعت أحد النصارى العرب يقول : إن مشكلة "المتنورين العرب" – كما يزعمون – التحايل و التخفي، و أن "الأوربيين" نجحوا لأنهم أعلنوها صراحة "لا للنصرانية"، و هذه العبارة كما رَفعت و أظهرت "المتنورين الأوربيين" فإنها في بلاد الإسلام إعلان عن وفات أو "انقراض" لأصحابها .    
قال صلى الله عليه وسلم : لا يزال أناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون [ خ / 3640 ، 7311 ، 7459 ، - م / 1921 من حديث المغيرة، و أخرجه مسلم ( 1920 ) من حديث ثوبان بلفظ : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك[2] ]
و لهذا كان من أصول الإسلام "الإجماع" بنوعيه : المعلوم لكل مسلم "الصريح" أو "علم العامة"، و "الاستقرائي" أو "السكوتي" الذي ينفرد بمعرفته العلماء بتتبع أقوال من سبقهم من أهل العلم
فخُصّت هذه الأمة ببقاء الحق وظهوره في كل زمان بالقائلين المعلنين به، و هم العلماء الربانيون حتى تبقى الحجة قائمة على الناس إلى قيام الساعة، فليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي يجدد الدين، و لكن علماء ربانيون، فمن ضرورة بقاء الحجة قائمة على الناس بقاء العلماء الربانيـن
قال ابن رجب عبدالرحمن بن أحمد بن رجب ( ت : 795 ) : لا ريب أن الله - تعالى - حفظ لهذه الأمة دينها حفظا لم يحفظ مثله دينا غير دين هذه الأمة، و ذلك أن هذه الأمة ليس بعدها نبي يجدد ما دثر من دينها كما كان دين من قبلنا من الأنبياء، كلما دثر دين نبي جدده نبي آخر يأتي بعده، فتكفل الله - سبحانه - بحفظ هذا الدين، و أقام له في كل عصر حملة ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين .اهـ[3] 
فلا زال العلماء في جميع مسائل الشريعة، – و هي :

المسألة الرابعة : التعامل مع الاختلاف

على :
التخطئة مع عدم الإنكار : و ذلك في "المسائل الاجتهادية"
التخطئة مع الإنكار و الاعتذار : في "المسائل الأصول" إذا صدر من أهل العلم الثقات استصحابا للغالب من أمرهم
مراعاة دفع المفاسد في التعامل مع المخالف : فقد يكون القول مما ينكر، لكن يترك الإنكار – و لا منافاة بين ترك الإنكار و البيان – دفعا للمفسدة الأكبر من مفسدة القول المنكر
لا يفرقون بين عقائد و أحكام و سلوك، و إنما العبرة عندهم بالاستسلام للشريعة فحيث ظهر مراد الله وجب المصير إليه، و لم يعذر أحد في تَقَّصُد مخالفته
و معرفة "أحكام الاختلاف" من أهم الواجبات لتعلّقه بـ "الجماعات" و "الأمم" لا بـ "الأفراد"، و بـ "الظلم" الذي حرّمه الله على نفسه
قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728 ) : فصل : فيما اختلف فيه المؤمنون من الأقوال و الأفعال في الأصول والفروع
فإن هذا من "أعظم أصول الإسلام" الذي هو : معرفة الجماعة، و حكم الفرقة، و التقاتل، و التكفير، و التلاعن و التباغض، و غير ذلك .اهـ[4]
و سبق بيان بعض أحكامه في : "قاعدة قرآنية : عليك ما حملت و على غيرك ما حمل[5]"



[1] الاستقامة 1 / 13
[2] و هو مروي عن غيرهما من الصحابة
[3] الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 619 - مجموع رسائل
[4] الاستقامة 1 / 25
[5] منشور على موقع الألوكة وعلى مدونتي: و لي عليه زيادات . وكتبت فيه "المسائل الاجتهادية و المسائل الأصول" بخلت به على المواقع الالكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق