قال القاضي : "و طهارته نوعان :غسل، و مسح، فالمسح : في الرأس و الأذنين و الغسل : فيما عداهما"
مواضع الوضوء باعتبار نوع الطهارة نوعان :
الأول : الممسوحات
و تكون في : الرأس و الأذنين
الآخر : المغسولات
و تكون في : الوجه، و اليدين، و الرجلين، وداخل الفم، و داخل الأنف، و البياض بين الصدغ والأذن ( وسبق الكلام عنه )
تعريف الغسل ( هل يشترط إمرار اليد أو الدلك ) :
قال القاضي في "الإشراف على نكث مسائل الخلاف" في كلامه عن الغسل : و لا يجزئ مجرد الاغتماس أو صب الماء على البدن دون إمرار اليد في الوضوء و الغسل، خلافا لـ : أبي حنيفة و الشافعي . اهـ[1]
ولم يذكره فرضا مستقلا في الوضوء والغسل لأنه شرط في الغسل، فهو مضمن في الغسل، واكتفى بالإشارة إليه في "الغسل" دون أن يعدّه فرضا مستقلا، قال : فمفروضاته ثلاث و هي ( 1 ) النية ( 2 ) و تعميم ظاهر البدن و إمرار اليد على البدن مع الماء – و هذا عندنا من شرط كونه غسلا فيستوي، فيه الغسل و الوضوء إلا أن العادة قد جرت بذكره مع الغسل – ( 3 ) و يفعل الغسل بما يفعل به الوضوء من الماء المطلق . اهـ[2]
وتبعه ابن يونس أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس (ت : 451 ) في "الجامع لمسائل المدونة" لكنه عدّه فرضا
قال : فمروضاته خمس : ( 1 ) النية، و ( 2 ) طهارة الماء، و ( 3 ) تعميم جميع الجسد، و ( 4 ) إمرار اليد على البدن كله، وهذا من شرط كونه غسلا، و ( 5 ) الفور. اهـ[3]
زاد : الفور، و لـ "القاضي" تفصيل في "الفور"
و عدّه ابن الصواف – كما يأتي – فرضا مستقلا في الوضوء والغسل
اختلاف الفقهاء :
القول الأول : لا يشترط الدلك بل يكفي الصب أو الانغماس
و هو قول جمهور أهل العلم[4]
القول الثاني : الصب أو الانغماس مع الدلك، فإذا خلا الصب والانغماس من الدلك لم يكن غسلا فلا يصح الوضوء و لا تصح الصلاة به
وهو قول "مالك"
قال ابن المنذر أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ( ت : 319 ) بعد إضافة القول الأول للجمهور : وقالت طائفة : لا يجزيه حتى يمر يديه على جسده أو على مواضع الوضوء إن كان عليه الوضوء، هذا قول مالك، قال مالك في الرجل يغمس يده أو رجله في الماء لا يجزيه ذلك للوضوء وإن نوى به الوضوء حتى يمر يده على رجليه أو على جسده وقال رجل لعطاء [ ابن أبي رباح ( ت : 104 ) ] أيفيض الجنب عليه ؟ قال : لا بل يغتسل غسلا .اهـ[5]
أثر عطاء : أخرجه عبد الرزاق ( 986 ) عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ويمر الجنب على كل ما ظهر منه ؟ قال : نعم.
فقال له إنسان : أيفيض الجنب عليه ؟ قال : لا، بل يغتسل غسلا.
يغسل الجنب مقعدته سبيل الخلاء للجنابة ؟ قال : نعم، إي والله وإن ذلك لأحق ما غسل منه.
قلت : أو ليس الرجل يضرب الغائط فيتطيب، ثم يأتي فيتوضأ ولا يغسل مقعدته ؟ قال : إن الجنابة تكون في الحين مرة.
قال أبو عبد البر بوعلام بجاوي : كلامه في الغسل من الجنابة، وهو معلل بأن الجنابة لا تتكرر كل يوم، وعليه الوضوء لا يشترط له الدلك لأنه مما يتكرّر، لكن يمكن أن يقال الوضوء يقتصر على بعض الأعضاء بخلاف الغسل فلا يرخّص في ترك الدلك
مذهب مالك :
قال ابن القاسم أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم ( ت : 191 ) في "المدونة": وقال مالك في الجنب يأتي النهر فينغمس فيه انغماسا وهو ينوي الغسل من الجنابة ثم يخرج، قال : لا يجزئه إلا أن يتدلك وإن نوى الغسل لم يجزه إلا أن يتدلك، قال : وكذلك الوضوء أيضا.
قلت : أرأيت إن أمرّ يديه على بعض جسده ولم يمرهما على جميع جسده ؟
قال : قال مالك : لا يجزئه ذلك حتى يمرهما على جميع جسده كله و يتدلك .اهـ[6]
وهو قول أكثر أصحابه
قال ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله ( ت : 463 ) : قال ابن القاسم عن مالك : لا يجزئه إلا أن يتدلك، وإن لم يقدر على ذلك أمر من يفعل ذلك به، وأكثر أصحاب مالك على ذلك .اهـ[7]
ذكره (وأقتصر على المتقدمين[8] ) :
الطليطلي ابن عبيد علي بن عيسى بن عبيد التجيبي ( ت : منتصف القرن الرابع ) في "مختصره"[9] و ابن الجلاب عبيد الله بن الحسين ( ت : 378 ) في "التفريع"[10] و ابن أبي زيد القيرواني أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن ( ت : 386 ) في "الرسالة"[11] و ابن زرب أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب ( ت : 381 ) في "الخصال"[12] و ابن القصار أبو الحسن علي بن عمر ( ت : 397 ) في "عيون الأدلة" وزاد : وقال بعض أصحابه : إنه مستحب، مثل أبي الفرج المالكي وغيره... وأنا أقول بظاهر قول مالك في وجوبه.اهـ[13] وابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله ( ت : 463 ) في "الكافي" و زاد : وقد قيل : إن من غمر جسده في الماء بالصب والانغماس مع نية القصد لأداء فرضه اجزأه وإن لم يعم جسده بالتدليك إذا عمه بالغسل. والأول أصوب، وهو المذهب .اهـ[14]
كلهم في باب الغسل
وذكره ابن الصواف أبو يعلى أحمد بن محمد ( ت : 489 ) في "الخصال الصغير" فرضا مستقلا من فرائض الوضوء[15] والغسل[16]
وينسب إلى "مالك" موافقة الجمهور
أشار ابن القصار و ابن عبد البر إلى الخلاف، و سببه توجيه كلام مالك، ويروى عن مالك
قال ابن رشد الجد أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ( ت : 520 ) : المشهور من قول مالك في "المدونة" و غيرها أن الغسل لا يجزئ الجنب حتى يمرّ بيده على جميع جسده و يتدلك قياسا على الوضوء أنه لا يجزئ فيه صب الماء دون إمرار اليد .
و قد روى مروان بن محمد الطاطري الشامي ( ت : 210 ) عن مالك أن الجنب يجزئه الغسل و إن لم يتدلك، و هو قول : الشافعي و أبي حنيفة و أكثرِ أهل العلم ...
و قد قال [ القاضي ] أبو الفرج [ عمرو بن محمد الليثي ( ت : 330 ) ] : إنما قال مالك : لا يجزئ الجنب الغسل إلا أن يتدلك - مخافة أن ينبو الماء عن بعض جسده، و لو أطال البقاء في الماء حتى يوقن بوصول الماء إلى جميع جسده لأجزأه الغسل على مذهبه و إن لم يتدلك
و هذا من التأويل البعيد، و الصواب أن ذلك اختلاف من قوله . اهـ[17]
وذكر اللخمي أبو الحسن علي بن محمد الربعي ( ت : 478 ) في "التبصرة" توجيه أبي الفرج لكلام مالك[18]
الـــــــــهامش
[1] الإشراف 1 / 125 المعونة على مذهب عالم المدينة 1 / 133
[3] الجامع لمسائل المدونة 1 / 223
[4] الأوسط 2 / 110 – 111 ط - الصغير
[6] المدونة 1 / 132 – 133 – ط : العلمية ، 1 / 27 – ط : القديمة
[7] اختلاف أقوال مالك وأصحابه 59
[8] لا أذكر اختصارات المدونة والكتب المتعلقة بها إلا إذا كان فيه زيادة على المدونة كـ : اختصار المدونة لابن أبي زيد و تهذيب اختصار المدونة للبرادعي والجامع لمسائل المدونة ولابن يونس والتبصرة للخمي. وهذا عام في مسائل هذا الشرح.
[10] التفريع 1 / 194 – 195
[14] الكافي 1 / 173 - 174
[17] البيان و التحصيل 1 / 50
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق