شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 11
دليلهم من المعقول :
- القياس على المسح :
و استَدَلّ "القاضي" بالقياس على المسح لأن كلا منهما أحدُ نوعي الطهارة[1]
ذكره ابن القصار في سياق الردّ على من استدلّ بقياس الفارق على المسح[2] : ولنا أن نقيس ذلك على المسح في التيمم، وأن لليد فيه فعلا فنقول : قد اتقنا على إمرار اليد في التيمم، العلة فيه : أنها عبادة تجب للصلاة، وتنقض بالحدث، والتيمم والوضوء وغسل الجنابة كله - عندنا - بمنزلة واحدة في وجوب إمرار اليد .اهـ[3]
واستدلّ به المزني[4]
وهو قياس بعيد، لأن المسح لا يتصور بدون إمرار اليد
قال ابن قدامة أبو محمد عبد الله بن أحمد ( ت : 620 ) : والتيمم أمرنا فيه بالمسح؛ لأنه طهارة بالتراب، ويتعذر في الغالب إمرار التراب إلا باليد .اهـ[5]
مع أن من الشافعية من لا يوجبه
قال النووي أبو زكريا يحيى بن شرف ( ت : 676 ) : وقول "المزني" ممنوع أيضا، فإن المذهب الصحيح أن إمرار اليد لا يشترط في التيمم كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى .اهـ[6]
- الاحتياط :
لأن الماء قد لا يصيب جميع البدن أو العضو، و لا يمنع أن يشرع حكم ويجب لأجل الاحتياط
قال ابن القصار : وأيضا فإن في البدن مواضع كثيرة تغمض، ومواضع ينبو عنها الماء، وخاصة الأبدان النمشة التي لعلها في أكثر الناس ينفض الماء عنها، وقد أخذ عليه تطهير جميعها، فلا يحصل معنى الغسل فيها إلا بإمرار اليد عليها حتى تطهر، ولا ينكر أن يجب في الشريعة شيء لأجل الاحتياط، كمن شكّ في ركعة فلم يدر أهي رابعة أو ثالثة، كمن شك في صلاة من يوم لا يدري أية صلاة هي، فإنه يصلي خمس صلوات، وهذا كله احتياط حتى يتيقن ما صلىّ .اهـ[7]
المسألة مفروضة فيمن تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء
قال ابن قدامة : ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء، إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده .اهـ[8]
و في سجود السهو يبني على الأقل وهو اليقين لعدم وجود غلبة الظن، أما إذا غلب على ظنه الأكثر، فالصحيح أنه يبني عليه و يسجد بعد السلام ترغيما للشيطان، ويأتي في بابه وموضعه
و الصحيح ما عليه الجمهور أن الغسل يطلق لغة على صب الماء و إن لم يكن دلك
قال ابن رشد الحفيد أبو الوليد محمد بن أحمد ( ت : 595 ) : و أما الاحتجاج من طريق الاسم ففيه ضعف إذ كان اسم الطهر و الغسل ينطلق في كلام العرب على المعنيين جميعا على حد سواء . اهـ[9]
قال ابن قدامة : وما ذكروه في الغسل غير مسلم، فإنه يقال "غسل الإناء" وإن لم يمر يده، ويسمى السيل الكبير "غاسولا" .اهـ[10]
يشهد له :
- أمره صلى الله عليه وسلم بإفاضة الماء دون أمر بالدلك :
مسلم 58 - ( 330 ) عن أم سلمة قالت : قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال : لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين
- اكتفاؤه بالإفاضة
البخاري ( 248 ) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله
البخاري ( 249 ) عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة، غير رجليه، و غسل فرجه و ما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء، ثم نحى رجليه، فغسلهما، هذه غسله من الجنابة
- واستدلوا بحديث أبي ذر
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – وفيه قصة – : يا أبا ذر، إن الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك
أخرجه أبو داود ( 332 ، 333 ) والترمذي ( 124 ) والنسائي ( 1 / 171 ) ولم يذكر الشاهد "فإذا وجدت ..."
والحديث : لا يصحّ، و الكلام عنه في بابه "التيمم" أولى
- القياس على غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب
الــــــــــــــــهامش:
[1] الإشراف 1 / 126
[2] قال : فإن قيل: فقد قال - تعالى - { حتى تغتسلوا } ، وقال في التيمم : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه }، ففرق بين الأمرين، فوجب اعتبار فائدة الفرق بينهما، ولا يكون إلا بترك إمرار اليد في الغسل وبإمرارها في التيمم.
قيل: إنما ذكر المسح في التيمم؛ لأنه لا غسل فيه، والغسل خلاف المسح، وإن كان لليد فيهما جميعا فعل، فهذا هو الفرق بين الموضعين.اهـ 2 / 682 ثم ذكر القياس على المسح في إيجاب الدلك
[3] عيون الأدلة 2 / 682
[4] المجموع 2 / 185
[5] المغني 1 / 291
[6] المجموع 2 / 185 – 186
[7] عيون الأدلة 2 / 677 - 678 و"الأبدان النمشة" عليها بقع تخالف لون الجلد
[8] المغني 1 / 290
[9] بداية المجتهد 1 / 125
[10] المغني 1 / 291
[11] المجموع 2 / 185
[12] المجموع 2 / 185
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق