شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 10
و المسألة لغوية : ما هو الغسل لغة هل هو الصب فقط أم مع الدلك ؟
قال المازري أبو عبد الله محمد بن علي ( ت : 536 ) : و النكتة التي يدور عليها الخلاف، اعتبار حقيقة هذا الاسم في اللغة . اهـ[1]
هل "الدلك" داخل في مسمى الغسل أو لا ؟ مع الترجيح بالسنة لأحد المعنين
دليل المالكية من جهة اللغة :
*الاغتسال من الافتعال، فلا بدّ من عمل اليد وهو الدلك
*تفريق العرب بين الانغماس و الاغتسال، فدلّ على أن الغسل غير الانغماس، و أن له معنى زائدا عليه و هو إمرار اليد المستفاد من صيغة "الافتعال"، و لا فرق غيره
قال القاضي في "الإشراف" و الغسل في اللغة يظهر صفة زائدة على إيصال الماء إلى المحل و ليس ذلك إلا إمرار اليد، و لأنهم يفرقون بينه و بين الاغتماس فيقولون : اغتسل و اغتمس، و اغتماس و اغتسال فدلّ على اختلاف حكميهما . اهـ[2]
وفي "المعونة" : لأن عليه إيصال الماء إلى بدنه على وجه يسمى غسلا لا غمسًا، وذلك يقتضي صفة زائدة على إيصال الماء، لأن أهل اللغة قد فرقوا بين الغسل والغمس .اهـ[3]
و الفرق هو إمرار اليد المذكور في أول الكلام
وإذا كان "الدلك" داخلا في مسمى الغسل كان الأمر بالغسل أمرا بـ "الدلك" لأنه بعض مسماه مع إصابة الماء للعضو أو الجسم
أخذه من ابن القصار في "عيون الأدلة"
قال : فذكر الغسل في الوضوء والجنابة، وقد عقل أهل اللغة الفرق بين الغسل والغمس والمس واللمس، وجعلوا كل اسم منها لمعنى معقول غير معنى صاحبه، لأن الاغتسال افتعال لابد أن يكون فيه لليد فعل يحصل به غاسلا لجميع بدنه وأعضائه في الوضوء حتى يفارق تلك المعاني من الغمس والمس واللمس التي أسماؤها غير اسم الغسل.
فإذا ثبت أن غسل البدن والأعضاء عند الأحداث واجب، فصفة ذلك واجبة، لأنه بالأمر وجب، والأمر حصل بفعل يدخل تحت هذا الاسم، فالواجب امتثال ما دخل تحت الاسم، ولا ينكر أن تتعلق العبادة بمعنى هذا الاسم دون غيره. اهـ[4]
الجواب : ليس يمتنع أن يكون بينهما – الغسل والانغماس – عموم وخصوص، الغسل أعم من الانغماس، فقد يكون به وقد يكون بصب الماء على الجسم أو العضو، والانغماس أخصّ منه لأنه لا يدخل فيه صبّ الماء على العضو
دليل المالكية من السنة :
النسائي ( 1 / 58 ) عن محمد بن بشار قال حدثنا غٌنْدَر محمد بن جعفر عن شعبة عن حبيب قال : سمعت عباد بن تميم يحدث، عن جدتي وهي أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم : توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد
قال شعبة : فأحفظ أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، و يمسح أذنيه باطنهما، و لا أحفظ أنه مسح ظاهرهما
و أخرجه أبوداود ( 94 ) من طريق غندر ليس فيه قول شعبة : فأحفظ ...
و يروى عن شعبة بإسناد آخر، و هو وهم[5]
الجواب : الدلك لأجل تقليل الماء
قال : و روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها في غسل الجنابة فقال : أفرغي الماء على رأسك ثم ادلكي جسدك
و عن عمر رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة فقال : ثم تدلك بكفيك في كل مرة . اهـ[7]
الحديثان لا أصل لهما بهذا اللفظ[8]
و أخرج مسلم 61 - ( 332 ) من طريق صفية عن عائشة، أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال : تأخذ إحداكن ماءها و سدرتها، فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها
و أخرج البيهقي ( 1 / 312 ) من طريق عمر مرفوعا : و أما الغسل من الجنابة فتفرغ بيمينك على يسارك، ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك و ما أصابك، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرة ثم تغسل سائر جسدك .
و استدلّ بحديث : الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، و أنقوا البشر
قال : و الإنقاء صفة زائدة على إيصال الماء . اهـ[9]
قال ابن القصار : فأمر صلى الله عليه وسلم بالإنقاء، والأمر بالإنقاء ظاهره واجب، ولا يحصل الإنقاء في غالب الحال إلا بإمرار اليد، فإذا كان الإنقاء من فعل إمرار اليد فظاهره الوجوب. وهذا مثل ما يستدل به على وجوب التلبية بقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يأمركم أن ترفعوا أصواتكم بالتلبية[10]"، فإذا أمر برفع الصوت فيها دلى على وجوبها. [ لأنه لا يكون رفع الصوت بالتلبية الذي هو الواجب المنصوص إلا بالتلبية ] اهـ[11]
أخرجه أبو داود ( 248 ) و قال : الحارث بن وجيه : حديثه منكر، و هو ضعيف.
و أخرجه الترمذي ( 106 ) و قال : حديث الحارث بن وجيه حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، و هو شيخ ليس بذاك .
الـــــــــــهامـــــــــش
[1] شرح التلقين 1 / 210
[2] الإشراف 1 / 125
[3] المعونة 1 / 133
[4] عيون الأدلة 2 / 676
[5] علل الحديث لابن أبي حاتم 1 / 458 – مسألة : 39
[6] و هذا مما أنكر على القاضي، ذكر أحاديث لا أصل لها
[7] الإشراف 1 / 125
[8] تُكلّم في الأحاديث التي يذكرها القاضي في كتبه
[9] الإشراف 1 / 125
[10] الموطأ ( ) : مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل، فأمرني أن آمر أصحابي، أو من معي، أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، أو بالإهلال، يريد أحدهما.
ومن طريق مالك : أخرجه أبو داود ( 1814 ) و النسائي ( 5 / 162 )
وأخرجه الترمذي (829) و ابن ماجه ( 2922 ) و النسائي ( 5 / 162 ) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر، وفي الترمذي : "بالإهلال والتلبية" وفي النسائي "بالتلبية" وفي ابن ماجه "بالإهلال"
[11] عيون الادلة 2 / 676 – 677
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق