شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 11
✍بوعلام محمد بجاوي
المسألة
الخامسة : ليس كل خلاف ثابتا
سبق أن من
مسائل الأصول "مسائل الإجماع"
و عليه لا يحلّ مخالفتها، بخلاف "المسائل
الخلافية الاجتهادية"
بشرط التقيد بـ "الأقوال المأثورة"،
أما "الأقوال المحدثة"، فلا
يجوز المصير إليها تقليدا أو اجتهادا
فالخلاف من
باب النقل، و النقل إنما يصح باجتماع شروط الصحة، الوجودية : الاتصال و ثقة
الرواة، و العدمية : انتفاء الشذوذ – التفرد القادح – العلة ( المخالفة )
و اشتراط
"صحة النقل" لاعتبار الخلاف
مضمن في كلامٍ لـ "المعلمي"
في سياق بيان خطر طعن "الكوثري محمد زاهد بن
الحسن بن علي ( ت : 1371 )" في أئمة الجرح و التعديل، و من هذا
الخطر تصيير "مسائل الإجماع"
التي هي من جملة "مسائل الأصول"
خلافية يجوز مخالفتها، فيكون سببا في "إفساد الدين بإدخال الباطل فيه[1]"
قال : المقصود الأهم من
كتابي هذا هو : ردّ المطاعن
الباطلة عن أئمة السنة و ثقات رواتها، و الذي اضطرني إلى ذلك أن "السنة النبوية" و ما تفتقر إليه من معرفة
أحوال رواتها، و معرفة العربية و آثار الصحابة و التابعين في التفسير، و بيان
معاني السنة و الأحكام وغيرها، و الفقه نفسه إنما مدارها على النقل على أولئك
الذين طعن فيهم الأستاذ و أضربهم، فالطعن فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله، بل في
الدين من أصله.
و حسبك أنَّ المقرر عند أهل
العلم أنه إذا نقل عن جماعة من الصحابة القول بتحريم شيء و لم ينقل عن أحد منهم أو
ممن عاصرهم من علماء التابعين قول بـ "الحل"، عدّ ذاك الشيء مجمعا على حرمته، لا يسوغ لمجتهد أن
يذهب إلى حله، فإن ذهب إلى حله غافلا عن "الإجماع" كان قوله مردودا، أو عالما بـ "الإجماع" فمن
أهل العلم من يضلله، و منهم من قد يكفره.
لكنه لو "ثبت" عن رجل واحد
من الصحابة قول بـ "حلّ" ذلك الشيء كانت المسألة خلافية لا
يحظر على المجتهد أن يقول فيها بقول ذلك الصحابي، أو بقول مفصل يوافق هذا في شيء،
و ذاك في شيء، و لا يحرم على المقلد الذي مذهب إمامه "الحرمة" أن يأخذ بـ "الحل"
إما على سبيل :
الترجيح و الاختيار إن كان أهلا.
و إما على سبيل التقليد المحض إن احتاج
إليه.
و "ثبوت" ذاك القول عن
ذاك الصحابي يتوقف على ثقة رجال السند إليه، و العلم بثقتهم يتوقف على توثيق بعض
"أئمة الجرح و التعديل" لكل منهم، و الاعتداد بتوثيق الموثق
يتوقف على العلم بثقته
في نفسه و أهليته [ ألاّ يكون مجروحا كالـ : الواقدي، فلا يقبل التعديل و التجريح
من مجروح ]، ثم على صحة سند التوثيق إليه [ ثبوت القول عنه، فليس كل تجريح أو
تعديل تصح نسبته إلى من نُسب إليه ]، وثقته في نفسه تتوقف على أن يوثقه ثقة عارف،
و صحّة سند التوثيق تتوقف على توثيق بعض أهل المعرفة و الثقة لرجاله، و هلم جرا .
و السعي في توثيق رجل واحد من أولئك بغير حق
أو الطعن فيه بغير حق سعي في إفساد الدين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه،
فإن كان ذاك الرجل واسع الرواية أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعا للأمرين
كان الأمر أشد جدا كما يعلم بالتدبر، و لولا أن أُنسب إلى التهويل لشرحت ذلك، فما
بالك إذا كان الطعن بغير حق في عدد كثير من الأئمة و الرواة، يترتب على الطعن فيهم
- زيادة على محاولة إسقاط رواياتهم - محاولة توثيق جم غفير ممن جرحوه، و جرح جم
غفير ممن وثقوه .اهـ[2]
و عليه فإن من
"مسائل الإجماع" ما هو معدود
عند المتأخرين في "مسائل الخلاف"،
و من "القول المحدث" ما هو
عندهم من "القول المأثور"، و
بالنظر في الرأي المخالف نجده :
1 / لا يثبت عن قائله
2 / يثبت لكنه على غير ما فهم منه، و أن صاحبه موافق لغيره من أهل العلم
و هذا يقع فيه
"الظاهرية" و من تبعهم من
مدّعي الاجتهاد المطلق، مع أن "الإجماع
الاستقرائي" أو "السكوتي"
ليس من جملة أصولهم
احتج ابن رجب عبد الرحمن بن أحمد ) ت : 795 ( بهذا على وجوب التقيد بالمذاهب الأربعة في الترجيح، و
عدم الخروج عنها
قال
: فكذلك "مسائل الأحكام : الحلال و الحرام"
لو لم تضبط الناس فيها بأقوال معدودين لأدّى ذلك إلى فساد الدين، و أن يعدّ كل
أحمق متكلف طالب للرياسة نفسَه من زمرة المجتهدين، و
أن يبتدع مقالة ينسبها إلى بعض من سلف من المتقدمين، فربما كان بتحريف يحرفه
عليهم، كما وقع ذلك كثيرا من بعض الظاهريـين
.اهـ[3]
و قد يستنكر هذا القول ابتداء، لكن إذا نظرنا إلى :
مفاسد فتح باب الترجيح دون تقيد بأقوال المذاهب الأربعة : و هو ما نعيشه اليوم من فوضى علمية، و أهلُ الأهواء من
هذا الباب دخلوا، وسوسوا في صدور الناس بأقوال
مهجورة مطروحة و لم يخنسوا،
فهم أكثر من يَدْعون إلى توسيع الاجتهاد ليشمل جميع الأقوال و الآراء بما فيها "الشيعة الرافضة"
ندرة الصواب – إن وجد – فيما ليس عند المذاهب الأربعة : فكم يخطئ من يفتح الباب واسعا على نفسه مع نقص العلم، فأين العالم المتأخر
من العالم المتقدم، و العالم اللاحق من العالم السابق
ثم إن "المقلد" يكفيه "التقليد" إذا كانت نيّـته طلب الحق ما لم
يكن القول "خطأ و زلة" – كما
يكفي "المجتهد" إرادة طلب
الحق مع بذل الجهد و لا يلزمه إصابته –، و هذا مما لا نعلمه وقع للأئمة الأربعة
مجموعين، فلا معنى لصرف الناس في "المسائل
المحتملة" إلاّ التشويش عليهم
قال
المعلمي : المطالب على ثلاثة أضرب :
الأول : العقائد التي يطلب الجزم بها ولا يسع جهلها.
الثاني : بقية العقائد
الثالث : الأحكام ...
و أما الضرب الثالث :
فالمتواتر منه و المجمع عليه : لا يختلف حكمه
و ما عداه قضايا اجتهادية : يكفي فيها بذل الوسع لتعرف الراجح أو الأرجح
أو الأحوط فيؤخذ به .اهـ[4]
و "المسألة"
– ثبوت الخلاف، و عدم الاكتفاء بالرواية و النقل – تحتاج إلى توسع لا يحتمله
المقام
و هذه الأقوال
– غير الثابتة، أو المحمولة على غير مراد صاحبها – مما وسع الخلاف، و هي[5] :
[1] عبارة المعلمي
[2] التنكيل 1 / 4 – 5
[3] الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 625 – مجموع
[4] التنكيل 2 / 186 – القائد إلى تصحيح العقائد
[5] المسألة التالية : غلبة الإجماع على الأحكام
الشرعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق