✍بوعلام محمد بجاوي
ويستدل في القرآن بالخلق على البعث؛ لأن ابتداء الخلق أعظم من إعادته
قال }
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {
[ الروم : 27 ]
وقال } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [ الأحقاف : 33 ]
وقال } فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ { [ الطارق : 5 – 8 ]
وهذا مبني على الإقرار
بالرب الخالق الواحد
واستدلّ به على علم الله بخافية الصدور
قال } وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { [ الملك 13 - 14 ]
الوجه الثالث : لم
يتعرض القرآن لحدوث العالم و الإنسان على أنه قضية تستدعي الدليل
ويأتي في الذي يليه
الجواب عن الثاني - و هو أن دليل الحدوث هو مطلق
التغير - :
منع أن
ما ذُكِرَ في هذا السياق هو دليل الحدوث
وابن مجاهد عبّر بالتنبيه، أي أن الآيات لم تسق
لبيان حدث النطفة و الإنسان و لا لدليل الحدوث، لكنها نبهت على حدثهم أو دليل
حدوثهم
واستدل الأشعري في
"اللمع" على حدوث النطفة بالتغير
قال
: فإن قالوا : فما يؤمنكم أن تكون النطفة لم تزل قديمة ؟ قيل لهم : لو كان ذلك كما ادعيتم، لم يجز أن يلحقها الاعتمال والتأثير
والانقلاب والتغير، لأن القديم لا يجوز انتقاله و تغيره (في الدرء "انقلابه
وتغييره" ) ، وأن يجري عليه سمات الحدث، لأن ما جرى عليه ذلك ولزمته الصنعة (
في الطبعة الضعة في الهامش : ل نقلها الناسخ الصغر)، لم ينفك عن ( في الطبعة : لم
ينقل من ) سمات الحدث، وما لم يسبق المحدث كان محدثاً مصنوعاً، فبطل لذلك قدم
النطفة وغيرها من الأجسام .اهـ[1]
قال ابن الباقلاني : فاعلم أن هذا
الذي ذكره هو المعوّل عليه في الاستدلال على حدوث سائر الأجسام، وذلك أن الذي عناه
بقوله : لو كانت قديمة لم يلحقها الاعتمال والتأثير والانقلاب والتغير، وخروجها من
صفة كانت عليها إلى صفة لم تكن عليها، كنحو خروجها عن السكون إلى الحركة، وعن
الحركة إلى السكون، وكاستصلابها بعد لينها، وافتراقها بعد اجتماعها، وما يلحقها من
تعاقب الأكوان، وغير ذلك من التغيرات، لأن القديم الحاصل على صفة من الصفات لا
يجوز خروجه عنها على ما ذكره أصلاً... .اهـ[2]
لكن لم يذكر أن الآية سيقت لبيان حدث الإنسان أو أنّ القرآن نبه على
دليل الحدوث
آيات أطوار خلق
الإنسان
حدث
الإنسان مدرك بالحس فلا يحتاج إلى بيان و لا إلى دليل، فحمله على هذا المعنى عبث
وانتقاص
وآيات
سورة المؤمنين التي ذكرها ابن مجاهد سيقت لبيان عظمة الله في خلقه الإنسان، فهي
تتحدث عن الخلق } ولقد
خلقنا الإنسان { } ثم جعلناه
نطفة { } ثم
خلقنا النطفة { } فخلقنا
العلقة مضغة فخلقنا المضغة {وختمها بقوله } فتبارك
الله أحسن الخالقين {
ونحوها قوله
تعالى } هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ
عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ
لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا
مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ { [
غافر : 67 ]
والغرض من بيان عظمته
في الإنسان توبيخه على الإشراك به و عدم تعظيمه
كما في
قوله تعالى } مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا { [
نوح : 13 – 14 ]
و قال } خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ
لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ { [
الزمر : 6 ]
قال البغوي : عن طريق الحق بعد هذا البيان .اهـ[3]
وقد يقصد بها الرد
على منكري البعث، لأن ابتداء الخلق أعظم من إعادته
قال
تعالى } يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ
مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي
الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ
لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ
إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى
الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ { [ الحج
: 5 ]
و نحوها في سورة القيامة } أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى . أَلَمْ
يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ
مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى { [
القيامة : 36 – 40 ]
آيات تفكر إبراهيم
إبراهيم
عليه السلام استدلّ بالأفول – و هو الغياب بعد الظهور – لا بالحركة، و عليه عاد استدلال إبراهيم على دليلهم بالإبطال، فلو كانت الحركة دليل الحدوث لما انتظر حتى
الأفول، وهذا الاستدلال أظهر ما يكون
قال ابن تيمية :
و الجواب : أن قصة الخليل حجة عليهم لا لهم؛
وهم المخالفون لإبراهيم ولنبينا ولغيرهما من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -
وذلك أن الله تعالى قال [ ذكر الآيات ]
فقد أخبر الله في كتابه: أنه من حين بزغ
الكوكب والقمر والشمس وإلى حين أفولها لم يقل الخليل: لا أحب البازغين ولا
المتحركين ولا المتحولين ولا أحب من تقوم به الحركات ولا الحوادث ولا قال شيئا مما
يقوله النفاة حتى أفل الكوكب والشمس والقمر.
و"الأفول" باتفاق أهل اللغة والتفسير: هو المغيب والاحتجاب؛ بل هذا معلوم
الاضطرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن وهو المراد باتفاق العلماء.
فلم يقل إبراهيم : }
لا أحب الآفلين {،
حتى أفل وغاب عن الأبصار، فلم يبق مرئيا ولا مشهودا، فحينئذ قال: }
لا أحب الآفلين {،
وهذا يقتضي أن كونه متحركا منتقلا تقوم به الحوادث؛ بل كونه جسما متحيزا تقوم به
الحوادث لم يكن دليلا عند إبراهيم على نفي محبته.
فإن كان إبراهيم إنما استدل بـ "الأفول" على أنه ليس رب العالمين - كما زعموا - لزم من ذلك أن يكون ما تقدم الأفول من كونه متحركا منتقلا تحلّه الحوادث، بل ومن كونه جسما متحيزا لم يكن دليلا عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم لا على نفس مطلوبهم. وهكذا نجد أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم .اهـ[4]
القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 18
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق