✍بوعلام محمد بجاوي
الفلاسفة ودليل الأعراض:
أولا: حصر علومهم
قال الشهرستاني:
وكانت مسائل الأولين محصورة في الطبيعيات، والإلهيات، وذلك هو الكلام في الباري
تعالى والعالم، ثم زادوا فيها الرياضيات.
وقالوا: العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: علم ماهية، وعلم
كيف، وعلم كم.
فالعلم الذي يطلب فيه ماهيات الأشياء: هو العلم الإلهي
والعلم الذي يطلب فيه كيفيات الأشياء: هو العلم الطبيعي
والعلم الذي يطلب فيه كميات الأشياء: هو العلم الرياضي،
سواء كانت الكميات مجردة عن المادة، أو كانت مخالطة بعد.
فأحدث بعدهم "أرسطوطاليس"
الحكيم علم المنطق، وسماه تعليمات، وإنما هو جرده من كلام القدماء،
وإلا فلم تخل الحكمة عن قوانين المنطق قط، وربما عدها آلهة العلوم، لا من جملة
العلوم، فقال:
الموضوع في العلم الإلهي: هو الوجود المطلق. ومسائله: البحث عن أحوال الوجود من حيث هو وجود.
والموضوع في العلم الطبيعي: هو الجسم، ومسائله : البحث عن أحوال الجسم من حيث هو جسم.
والموضوع في العلم الرياضي: هو الأبعاد والمقادير، وبالجملة : الكمية من حيث إنها مجردة عن المادة،
ومسائله: البحث عن أحوال الكمية من حيث هي كمية.
والموضوع في العلم المنطقي: هو المعاني التي في ذهن الإنسان من حيث يتأدى بها إلى غيرها من العلوم،
ومسائله: البحث عن أحوال تلك المعاني من حيث هي كذلك .اهـ[1]
وجعلها الغزالي ستة، زاد السياسية والخلقية
قال: أعلم: أن علومهم - بالنسبة إلى الغرض الذي نطلبه -
ستة أقسام: رياضية، ومنطقية، وطبيعية، وإلهية، وسياسية، وخلقية .اهـ[2]
قال في "الرياضية": أما "الرياضية":
فتتعلق بعلم الحساب والهندسة وعلم هيئة العالم، وليس يتعلق منه شيء بالأمور
الدينية نفيا وإثباتا، بل هي أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدتهم بعد فهمها
ومعرفتها .اهـ[3]
وقال في "المنطقيات":
وأما "المنطقيات": فلا يتعلق شيء منها بالدين نفيا وإثباتا،
بل هي النظر في طرق الأدلة والمقاييس، وشروط مقدمات البرهان، وكيفية تركيبها،
وشروط الحد[4]
الصحيح وكيفية ترتيبه، وأن العلم إما تصور وسبيل معرفته الحد، وإما تصديق وسبيل
معرفته البرهان، وليس في هذا ما ينبغي أن ينكر، بل هو من جنس ما ذكره المتكلمون
وأهل النظر في الأدلة، وإنما يفارقونهم بالعبارات والاصطلاحات بزيادة الاستقصاء في
التعريفات والتشعيبات، ومثال كلامهم فيها قولهم ... إذا ثبت أن كل إنسان حيوان
لزم أن بعض الحيوان إنسان، ويعبرون عن هذه بأنه الموجبة الكلية تنعكس موجبة
جزئية. وأي تعلق لهذا بمهمات الدين حتى يجحد وينكر؟ فإذا أنكر لم يحصل من إنكاره
عند أهل المنطق إلا سوء الاعتقاد في عقل المنكر، بل في دينه الذي يزعم أنه موقوف
على مثل هذا الإنكار، نعم لهم نوع من الظلم في هذا العلم، وهو أنهم يجمعون للبرهان
شروطا يعلم أنها تورث اليقين لا محالة، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينية ما
أمكنهم الوفاء بتلك الشروط، بل تساهلوا غاية التساهل .اهـ[5]
وقال في "الطبيعيات":
وأما علم "الطبيعيات": فهو بحث عن عالم السماوات وكواكبها وما
تحتها من الأجسام المفردة: كالماء والهواء والتراب والنار، وعن الأجسام المركبة،
كالحيوان والنبات والمعادن، وعن أسباب تغيرها وامتزاجها، وكذلك يضاهي بحث الطب عن
جسم الإنسان وأعضائهم الرئيسية والخادمة، وأسباب استحالة مزاجه وكما ليس من شرط
الدين إنكار علم الطب، فليس من شرطه أيضا إنكار ذلك العلم، إلا في مسائل معينة،
وذكرناها في كتاب "تهافت الفلاسفة" وما عداها مما يجب المخالفة فيها،
فعند التأمل يتبين أنها مندرجة تحتها، وأصل جملتها: أن تعلم أن الطبيعة مسخرة لله
تعالى، لا تعمل بنفسها، بل هي مستعملة من جهة فاطرها. والشمس والقمر والنجوم
والطبائع مسخرات بأمره لا فعل لشيء منها بذاته عن ذاته .اهـ[6]
وقال في "الإلهيات": وأما
"الإلهيات": ففيها أكثر أغاليطهم، فما قدروا على
الوفاء بالبراهين على ما شرطوه في المنطق، ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه ولقد قرب
مذهب "أرسطاطاليس" فيها من
مذاهب الإسلاميين، على ما نقله الفارابي وابن سينا، ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع
إلى عشرين أصلا، يجب تكفيرهم في ثلاثة منها، وتبديعهم في سبعة عشر. ولإبطال مذهبهم
في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب "التهافت" أما المسائل
الثلاث، فقد خالفوا فيها كافة المسلمين وذلك في قولهم:
إن الأجساد لا تحشر،
وإنما المثاب والمعاقب هي الأرواح المجردة، والمثوبات والعقوبات روحانية لا
جسمانية.
ولقد صدقوا في إثبات الروحانية: فإنها كائنة أيضا، ولكن
كذبوا في إنكار الجسمانية، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به.
ومن ذلك قولهم: "إن الله تعالى يعلم الكليات
دون الجزئيات"، فهو أيضاً كفر صريح، بل الحق أنه: لا يعزب عنه
مثقال ذرة في السمواتِ ولا في الأرض
ومن ذلك قولهم: بقدم العالم وأزليته،
ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل وأما ما وراء ذلك من نفيهم
الصفات، وقولهم: إنه عليم بالذات، ولا يعلم زائد على الذات وما يجري مجراه،
فمذهبهم فيها قريب من مذهب المعتزلة، ولا يجب تكفير المعتزلة بمثل ذلك .اهـ[7]
وفي "السياسيات": قال: وأما "السياسيات":
فجميع كلامهم فيها يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلقة بالأمور الدنيوية، والإيالة
السلطانية، وإنما أخذوه من كتب الله المنزلة على الأنبياء، ومن الحكم المأثورة عن
سلف الأنبياء عليهم السلام .اهـ[8]
وقال في "الخلقية": وأما
"الخلقية": فجميع كلامهم فيها يرجع إلى حصر صفات النفس
وأخلاقها، وذكر أجناسها وأنواعها وكيفية معالجتها ومجاهدتها، وإنما أخذوها من كلام
الصوفية، وهم المتألهون المواظبون على ذكر الله تعالى، وعلى مخالفة الهوى وسلوك
الطريق إلى الله تعالى بالإعراض عن ملاذ الدنيا، وقد انكشف لهم في مجاهدتهم من
أخلاق الناس وعيوبها، وآفات أعمالها ما صرحوا بها، فأخذها الفلاسفة ومزجوها
بكلامهم توسلا بالتجمل بها إلى ترويج باطلهم. ولقد كان في عصرهم بل في كل عصر
جماعة من المتأهلين لا يخلي الله سبحانه العالم عنهم، فإنهم أوتاد الأرض، ببركاتهم
تنزل الرحمة على أهل الأرض كما ورد في الخبر حيث قال صلى الله عليه وسلم: "بهم تمطرون، وبهم ترزقون[9]"
ومنهم كان أصحاب الكهف وكانوا في سالف الأزمنة، على ما نطق به القرآن .اهـ[10]
وفي كلامهم في هذا حق وباطل، فمن تركه كله، لأنه كلام
الفلاسفة ترك الحق الذي عندهم، والعكس من قبله كله قبل الباطل الذي عنه، وهاتن
آفتان، آفة في حق القابل، وآفة في حق الراد[11]
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 19
القرآن والعلم الحديث "الأرض"01
[1] الملل والنحل 2 / 116 – 117
[2] المنقذ من الضلال ص: 68
[3] المنقذ من
الضلال ص: 68
[4] التعريف
[5] المنقذ من
الضلال ص: 71 – 73
[6] المنقذ من
الضلال ص: 73 – 74
[7] المنقذ من
الضلال ص: 74 – 76
[8] المنقذ من
الضلال ص: 76 – 77
[9] أبو داود في المراسيل 309 حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن معمر عن
أيوب عن أبي قلابة، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: لا يزال في أمتي شيعة، لا يدعون
الله بشيء إلا استجاب لهم، بهم تنصرون وبهم تمطرون. وحسبت أنه قال: وبهم يدفع عنكم. وأخرجه ابن المقرئ في معجمه 475 من
طريق زيد بن الحباب عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان
رفعه. قال عبد الحق الإشبيلي: هذا مرسل. الأحكام الوسطى 4 / 281 وتروى في هذا
المعنى غرائب والمشهور مرسل أبي قلابة
[10] المنقذ من الضلال ص: 77 – 78
[11] المنقذ من الضلال ص: 78 – 84
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق