الأربعاء، 1 ديسمبر 2021

القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 16

القرآن والعلم الحديث الأرض 16
القرآن والعلم الحديث : "الأرض"
16

بوعلام محمد بجاوي

الآخر : نبّه على الحدث بالتغير

أطوار خلق الإنسان

قال ابن مجاهد : فنبههم عزّ وجلّ بتقلبهم في سائر الهيئات التي كانوا عليها على ذلك، و شرح ذلك بقوله عزّ وجلّ } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ { [ المؤمنون 12 – 14 ] و هذا من أوضح ما يقتضي الدلالة على حدث الإنسان و وجود المحدث له ... .اهـ[1]

و قال : و أنه [ صلى الله عليه وسلم ] دعا جماعتهم إلى الله، و نبّههم على حدثهم بما فيهم من اختلاف الصور و الهيئات، و غير ذلك من اختلاف اللغات ... .اهـ[2]

حركة النجوم و الأفلاك

} وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ  {[ الأنعام : 75 – 79 ]

قال ابن رشد الجد : فاستدل إبراهيم – عليه الصلاة والسلام - بما عاين من حركة الكواكب والشمس والقمر على أنها محدثة؛ لأن الحركة والسكون من علامات المحدثات. ثم علم أن كل محدث فلا بد له من محدث وهو الله رب العالمين. وهذا وجه الاستدلال وحقيقته قصه الله تبارك وتعالى علينا تنبيها لنا وإرشادا إلى ما يجب علينا. وهذا- في القرآن كثير .اهـ[3]

وقال ابن العربي : فقد علمتم أن الله سبحانه قد أوعب القول في حدث العالم، ونبه باختلاف الأعراض عليها في الانتقالات .اهـ[4]

و عليه كل تغير أو حركة في القرآن تعتبر تنبيها على الحدوث

الجواب عن الأول : المتكلمون ينطلقون من الحادث إلى الـمُحْدِث، لهذا جعلوا أول دعوة الرسل إثبات حدوث العالم

وهذا مدفوع من ثلا أوجه :

الوجه الأول : الآيات كثيرة في أن دعوة الرسل توحيد العبادة 

قال تعالى ] و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون [ [ الذاريات 56 – 57 ] 

وقال ] ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون [ [ النحل : 2 ]

وقال ] ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت [ [ النحل : 36 ]

و قال ] وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ [ الأنبياء : 25 ] 

و قال ] واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الله آلهة يعبدون [ [ الزخرف : 45 ]

الوجه الثاني : الاحتجاج بحدوث العالم على الخالق

أي حدوث العالم في القرآن مقدمة مسلمة عند المدعويين

قال ابن تيمية : لكن المتكلمون إنما انتصبوا لإقامة المقاييس العقلية على توحيد الربوبية، وهذا مما لم ينازع في أصله أحد من بني آدم وإنما نازعوا في بعض تفاصيله .اهـ[5]

قال تعالى } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ . اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ { [ العنكبوت : 61 – 63 ]

وقال } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ { [ لقمان : 25 ]

وقال } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ { [ الزمر : 38 ]

وقال } قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ { [ فصلت : 9 – 11 ]

و قال } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ { [ الزخرف : 9 ]

و المقصود كيف تشركون بالله وهو الخالق وحده

قال تعالى } وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ  أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ  قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { [ النمل : 24 – 27 ]

وضرب مثلا لذلك في تسوية السيد بعبده

قال } ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ { [ الروم : 28 ]

قال الطبري : مثل لكم أيها القوم ربكم مثلا من أنفسكم، } هل لكم من ما ملكت أيمانكم { يقول : من مماليككم من شركاء، } في ما رزقناكم { من مال، } فأنتم فيه سواء { وهم. يقول: فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالك جميعكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .اهـ[6]

و نحوه قوله تعالى } وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ { [ النحل : 70 – 71 ]

قال السمعاني أبو المظفر منصور بن محمد ( ت : 489 ) : وقوله } فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم { في الآية رد على المشركين في اتخاذهم الأصنام آلهة مع الله، ومعنى الآية : أن الأحرار المالكين منكم لا تسخو أنفسهم بدفع أموالهم إلى عبيدهم ليشاركوهم في الملك، فيكونوا وهم سواء؛ فإذا لم ترضوا هذا لأنفسكم؛ فأولى أن تنزهوا ربكم عنه، ونظير هذا ما ذكر في سورة الروم  } ضرب لكم مثلا من أنفسكم { إلى قوله } فأنتم فيه سواء { .اهـ[7]


[1] رسالة إلى أهل الثغر 141 – 146

[2] رسالة إلى أهل الثغر ص : 81

[3] المقدمات الممهدات 1 / 16

[4] قانون التأويل ص : 177

[5] مجموع الفتاوى 2 / 37

[6] تفسير الطبري  18 / 489

[7] تفسير السمعاني 3 / 187

هناك تعليقان (2):