الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 15

القرآن والعلم الحديث الأرض 15
القرآن والعلم الحديث : "الأرض"
15

بوعلام محمد بجاوي

عند المتجردين عن علم الكلام :
تقديم :
مباينة دليل الأعراض لآي القرآن أوضح وأكثر و أكبر من أن يدلّل عليها، فليس في القرآن التنبيه – فضلا عن التصريح – على دليل الأعراض، بل الآيات الكثيرة – و هي التي اضطر المتكلمون إلى تحريفها – تنقضه، ولهذا أنكر بعضهم جمعها في موضع، لأن الكثرة تنافي الحمل على المجاز و تفضحهم، ولكن أعمى أبصارَهم تعظيمُهم للنقيضين العلوم العقلية السائدة في زمانهم – و هي الموروثة عن فلاسفة اليونان – و الوحي، ووجدوا المخرج في تأويل آي القرآن و إن كانت نصوصا لا تقبلوا التأويل، لأن التأويل لا يخرج عن حمل اللفظ على معنىً وضع له و إلا كان جهلا أو إضلالا، المتكلم به لا يعلم معنى اللفظ فاستعمله في غيره أو أنه أراد إضلال السامع كما في التورية و إن كان اللفظ و العبارة في التورية محتملة، فمقتضى صحة دليل الأعراض بطلان شريعة الإسلام والقرآن والسنة، والتأويلات التي يذكرونها لا يقبلها طالب الحق و لا المخالف المريد للقدح والإبطال، ويعتبر تبني دليل الأعراض إقرارا وشهادة ببطلان شريعة الإسلام والقرآن والسنة، فلو اعترض كافر على المسلمين باستواء الله على عرشه في القرآن، فهل ستنفع معه التأويلات التي يذكرها المتكلمون، فكيف إذا استدلّ بجميع الآيات المخالفة لدليل الأعراض
بيانه :
دعواهم مبنية على أمرين :
الأول : دعوة الرسل بيان حدث العالم و الاستدلال به على المحدث القديم "الصانع"
كما سبق في كلام ابن مجاهد : فأخلد سلفنا رضي الله عنهم ومن تبعهم من الخلف الصالح بعدما عرفوه من صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما دعاهم إليه من العلم بحدثهم ووجود المحدث لهم... .اهـ[1] و قال : و أنه [ صلى الله عليه وسلم ] دعا جماعتهم إلى الله، ونبّههم على حدثهم بما فيهم من اختلاف الصور و الهيئات، وغير ذلك من اختلاف اللغات ... .اهـ[2]
و قال : واعلموا - أرشدكم الله - أن ما دل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم من المعجزات بعد تنبيه لسائر المكلفين على حدثهم ووجود المحدث لهم قد أوجب صحة أخباره .اهـ[3]
و قال : ومعلوم عند سائر العقلاء أن ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إليه من واجهه من أمته من اعتقاد حدثهم ومعرفة المحدث لهم وتوحيده ومعرفة أسمائه الحسنى وما هو عليه من صفات نفسه وصفات فعله، وتصديقه فيما بلغهم من رسالته ... .اهـ[4] و قال : فأما ما دعاهم إليه عليه السلام من معرفة حدثهم، والمعرفة بمحدثهم، ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا وعدله وحكمته، فقد بيّن لهم وجوه الأدلة في جميعه، حتى ثلجت صدورهم به، وامتنعوا عن استئناف الأدلة فيه .اهـ[5] و لهذا يعرفون التوحيد بإثبات الصانع ووحدانيته و لا ذكر لتوحيد العبادة في كتبهم الكلامية، و يلزم من هذا أنه كاف في حصول الإسلام، و قد ألزمهم ابن تيمية به
قال : فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية - وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون إذا سلموا من البدع فيه - وكانوا مع هذا مشركين لأنهم كانوا يعبدون غير الله .اهـ[6]
و لكنهم يفسرون كلمة التوحيد في كتب التفسير والشروح بتوحيد العبادة، وأنه التوحيد الذي دعت إليه الرسل :
قال أبو منصور الماتريدي محمد بن محمد ( ت : 333 ) : قال في قوله عزّ وجلّ } قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ { : قد ذكرنا أن الرسل بأجمعهم إنما بعثوا ليدعوا الخلق إلى وحدانية اللَّه، والعبادة له؛ وأن لا معبود سواه يستحق العبادة من الخلق .اهـ[7]
و قال في قوله تعالى } وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ { : فرض وحتم وحكم وأمر ألا تعبدوا إلا إياه، إلا الإله المعبود الحق المستحق للعبادة والربوبية، لا تعبدوا دونه أحدًا، وقد أبان لنا أنه هو الإله والرب المستحق للعبادة والألوهية والربوبية، لا الذين تعبدون من دونه من الأوثان والأصنام .اهـ[8]
و في غير هذين الموضعين[9]
و نحوه قول الرازي في مواضع من تفسيره[10]  
و أنكر المتأخرون على ابن تيمية تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات
و سبب الإنكار ليس لأنه تقسيم مبتدع، و إنما لإقحامه توحيد العبادة و المنكرون إما :
متكلمون : مشوا على تعريف أئمتهم للتوحيد، ولأنه ينقض علم الكلام المبني على أن الرسل جاءت لبيان الصانع بحدوث العالم
أو متصوفة : يصرفون عبادات لغير الله
وأكثر المتأخرين على الجمع بين علم الكلام والتصوف مع ما بينهما من تباين، فجعلوا الكشف والوجد مفيدا للقطع كالعقل
قال ابن بزيزة : وقد استبان لأولي الألباب أن الطريق إلى معرفة الله سبحانه بوجهين : أحدهما كسبي و الآخر وهبي
فالأول : حظ الجمهور من عوامّ العقلاء
والثاني : حظ الخواص من المقربين كالملائكة و المرسلين و النبيين وأهل الاصطفاء من العارفين
فالأولون : سلكوا بالطريق الاستدلال بالشواهد والعلامات فدلتهم على موجدها القديم، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن.
وأهل الطريقة الثانية : هم أهل الموهبة الكشفية، والفتوحات الربانية والتجليات الباطنة، أن تعبد الله كأنك تراه، أصبحت مؤمنا حقا لو انكشف الغطاء ما ازددت يقينا، ما رأيت شيئا حتى رأيت الله فيه، فهؤلاء قد استغنوا  عن حجب الرسوم و العلامات بظهور موجدها و شهوده، وتوالي المكاشفات والتجليات .اهـ[11]  
الآخر : نبه على الحدث بالتغير
كما سبق في كلام ابن مجاهد
جواب الأول : المتكلمون ينطلقون من الحادث إلى الـمُحْدِث، لهذا جعلوا أول دعوة الرسل إثبات حدوث العالم، و هذا مدفوع من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول : منع أن ما ذُكِرَ في هذا السياق هو دليل الحدوث، يأتي في الأمر الآخر
الوجه الثاني : الآيات كثيرة في أن دعوة الرسل توحيد العبادة 
قال – تعالى – ] وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون [ [ الداريات 56 – 57 ] 
و قال ] ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون [ [ النحل 2 ]
وقال ] ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت [ [ النحل 36 ]
وقال ] وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ [ الأنبياء 25 ] 
وقال ] واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الله آلهة يعبدون [ [ الزخرف 45 ]

القرآن والعلم الحديث: "الأرض" 16

القرآن والعلم الحديث: "الأرض" 01

صفحة القرآن


[1] رسالة إلى أهل الثغر ص : 108
[2] رسالة إلى أهل الثغر ص : 81
[3] رسالة إلى أهل الثغر 104 – 105
[4] رسالة إلى أهل الثغر ص : 101  
[5] رسالة إلى أهل الثغر ص : 103
[6] كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة – الفتاوى الكبرى 6 / 565
[7] تفسير الماتريدي تأويلات أهل السنة 4 / 479
[8] تفسير الماتريدي تأويلات أهل السنة 7 / 26
[9] تفسير الماتريدي تأويلات أهل السنة 7 / 177 – 9 / 198 – 10 / 277
[10] تفسير الرازي مفاتيح الغيب 1 / 210 – 13 / 97
[11] الإسعاد في شرح الإرشاد ص : 48


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق