القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 09
✍بوعلام محمد بجاوي
تفسير دليل الأعراض :
له صورتان :
صورة مختصرة :
قال الجويني أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله ( ت : 478 ) : فإن قيل : ما الدليل على حدوث
العالم ؟
قلنا
: الدليل عليه أن أجرام العالم وأجسامها لا تخلو عن الأعراض الحادثة، وما لا يخلو عن
الحادث حادث .اهـ[1]
الصورة المختصرة
تقوم على مقدمتين :
الأولى
: الأعراض حادثة
و هي الصفات –
مع أنهم يفرقون بين الصفات و الأعراض –، و منها الأكوان الأربع : الحركة و السكون،
و الاجتماع والافتراق
الأخرى
: ما لا ينفك عنها محدث مثلها
لأنه لا يتصور
وجوده بدونها، فيكون قبلها حادثا
و بهذا نفوا أن
يكون لله حد[2] وصورة، ويدان و وجه و أفعال اختيارية متعلقة
بالمشيئة كالمجيء والاستواء والنزول، لأنه يلزم ان يكون جسما و الجسم لا ينفك عن
الحركة والسكون
والصفات التي
أثبتوها أثبتوها على أنها ذاتية، فكلام الله نفسي، فلا يزال الله متكلما بلا صوت
ولا حرف، ولا يزال قائلا بلا صوت ولا حرف } يا موسى إني أنا ربك {، و
لا زالا سامعا للأصوات ما خلق وما لم يخلق، لا أنه يسمعها عند صدورها وخلقها، و هكذا
الرؤية – والظاهر أن سمعه ورؤيته يعودان عندهم إلى صفة العلم – وهكذا باقي الصفات
قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728 ) : وهو مبني علي مقدمتين :
إحداهما : أن الجسم لا يخلو عن الأعراض التي هي الصفات.
و الثانية :
أن ما لا يخلو عن الصفات التي هي الأعراض فهو محدث
لأن الصفات – التي هي الأعراض– لا تكون إلا
محدثه، وقد يفرضون ذلك في بعض الصفات التي هي الأعراض، كالأكوان، ومالا يخلو عن
جنس الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا تتناهى .اهـ[3]
قال ابن
القيم أبو عبد
الله محمد بن أبي بكر ( ت : 751 ) : و أما حلول الحوادث فيريدون به أنه لا يتكلّم بقدرته و مشيئته، و
لا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، و لا يأتي يوم القيامة، و لا يجيء و لا يغضب
بعد أن كان راضيا، و لا يرضى بعد أن كان غضبان، و لا يقوم به فعل البتة، و لا أمر
مجدد بعد أن لم يكن، و لا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدا له، و لا يقول له حقيقة،
و لا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا، و لا يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب
قبله مثله و لن يغضب بعده مثله، و لا ينادي عبده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا
لهم، و لا يقول للمصلي إذا قال } الحمد
لله رب العالمين { حمدني عبدي، فإذا قال } الرحمن
الرحيم { قال : أثنى عليّ عبدي، و
إذا قال } مالك
يوم الدين { قال : مجّدني عبدي
فإن كل هذه كلها حوادث، و هو منزّه عن حلول الحوادث، و بعضهم يختصر
العبارة و يقول أنا أنزهه عن التعدد و التحدد و التجدد، فيتوهّم السامع الجاهل
بمراده أنه ينزهه عن تعدد الآلهة، و عن تحدد محيط به حدود وجودية تحصره و تحويه
كتحدد البيت و نحوه، و عن تجدد إلهيته و ربوبيته .اهـ[4]
صورة تامة :
و هي تقوم على مقدمات : يقوم الدليل عليها
قال ابن تيمية : ومثل الاستدلال علي
حدوث العالم بحدوث الأعراض التي هي صفات الأجسام القائمة بها، إما الأكوان، و إما
غيرها.
وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا الدليل
:
من إثبات الأعراض– التي هي الصفات– أولا، أو إثبات
بعضها كالأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق
وإثبات حدوثها ثانيا، بإبطال ظهورها بعد الكمون[5]
وإبطال انتقالها من محل إلى محل
ثم إثبات امتناع خلو الجسم ثالثا : إما عن كل جنس من أجناس الأعراض بإثبات أن الجسم قابل لها، وأن القابل
للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وإما عن الأكوان
وإثبات امتناع حوادث لا أول لها رابعا .اهـ[6]
و يذكرون غير هذه المقدمات : و خلاصتها
قواعد : في حقيقة العالم
أولا : حصر العالَـم في الأجسام و الأعراض
وذلك أن الموجود إما متحيز – ما يملأ فراغا – أو غير
متحيز كالعلم و الحياء والألوان
الأول : هو الجسم، و الآخر : الأعراض[7]
فالكلام على حدث العالم : يتلخص في حدث الأجسام و
الأعراض، و يأتي أنه يستدل بحدث الأعراض على حدث الأجسام
ثانيا : الأجسام مركبة من جواهر و هو الجزء الذي لا يتجزأ
وعليه الجسم هو : المتحيز[8]،
المركب من جواهر متناهية، وهي متحيزة لكن لا تقبل الانقسام ويعرف بـ "الجوهر الفرد"، فيجتمع الجسم والجوهر في
التحيز، و يختلفان في الانقسام، الجوهر لا يقبله، والجسم يقبله[9]
خلافا للفلاسفة الدهريين – قدم العالم – القائلين بأن الجسم مركب من الهيولي و الصورة، و الصورة حادثة والهيولي قديم، و نفوا الجزء الذي لا يتجزأ [10]
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 10
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 01
[1] لمع الأدلّة للجويني
ص : 87 ط فوقية
[2] أثبته بعض
السلف في قولهم "بائن من خلقه بحد"، منهم : عبد الله بن المبارك،
قال : نعرف - ربّنا عزّ وجلّ - فوق سبع سماوات على العرش بائن من خلقه بحد، و لا نقول كما قالت الجهمية هاهنا، و أشار
بيده إلى الأرض. أخرجه عبد الله في السنة ( 225 )
والدرامي عثمان بن سعيد في الرد على المريسي ( 1 / 224 ، 511 ) وغيرهما
[3] درء تعارض العقل والنقل 1 / 39
[4] الصواعق
المرسلة
[5] يأتي الكلام عنه
[6] درء تعارض العقل والنقل 1 / 38
[7] لمع الأدلة ص : 86 شرح العقائد البرهانية ص
: 46
[8] ويعرف بـ : ماله حجم، ما يقبل الأعراض . لمع الأدلة ص : 87
[9] شرح العقيدة البرهانية 46 – 47
[10] شرح العقيدة
البرهانية 51 – 52
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق