الأربعاء، 10 مارس 2021

القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 08

القرآن والعلم الحديث الأرض 8

القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 08

بوعلام محمد بجاوي

دليل الأعراض :

مقدمة :

علم الكلام يقوم على مقدمتين :

المقدمة الأولى : حدوث العالم

المقدمة الثانية : الحادث لا بد له من محدث

وهذا في الجملة استدلال عقلي بدهي، الخلل في دليل حدث العالم؛ لأنهم فرّعوا عليه تنزيه الله عن أن يجري عليه دليل الحدوث الذي التزموه، و هو مصادم للوحي، فاضطروا إلى تُأُّوِله، بحمله على غير ظاهره أو على غير ما وضع اللفظ له

و القرآن عرض حدوث العالم و أن الله ربه وخالقه و مبدعه على أنه مسلمة من المسلمات، لأنه مما كُفيَ بالفطرة

قال الغزالي أبو حامد محمد بن محمد ( ت : 505 ) : ولذلك قال الله تعالى } أفي الله شك فاطر السماوات و الأرض  { [ إبراهيم : 10 ] ولهذا بعث الأنبياء صلوات الله عليهم لدعوة الخلق إلى التوحيد ليقولوا لا إله إلا الله وما أمروا أن يقولوا لنا إله وللعالم إله، فإن ذلك كان مجبولاً في فطرة عقولهم من مبدأ نشؤهم وفي عنفوان شبابهم، ولذلك قال عزّ وجلّ } ولئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله { [ لقمان : 25 ، الزمر : 38 ] وقال تعالى } فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم { فإذًا في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان .اهـ[1]

و لأن العقل البدهي يدل عليه، فالعالم :

لا يمكن أن يكون أزليا : لازالت السماء سماء و الأرض أرضا والنجوم نجوما

و هو قول الدهرية القائلين بقدم العالم، والأزلية لا تكون إلا للرب، والجمادات لا تصلح أن تكون ربا، و الربوبية لا تكون إلا لواحد

و إذا كان حادثا :

فإما أن يُوجد نفسه، و هذا باطل

أو يُوجد صدفة بلا محدث، و هذا باطل أيضا

و إما أن يوجده موجد، و هو الرب الخالق

و أزلية الله : و إن كان عقل البشر لا يعقلها و لا يتصورها، لكنه يضطر إليها اضطرارا، فهو يرى هذا العالم البديع، فيؤمن بأن له إلها أزليا، فلا يمكن أن يكون حدث صدفة أو أحدثه محدث – تعالى ربنا عن ذلك –، لأنه يستمر السؤال في أزلية ذلك الـمُـحدث، و لهذا قال صلى الله عليه وسلم : يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته [ خ/ 3276 ، م / 134 ]

قال المازري  أبو عبد الله محمد بن علي ( ت : 536 ) : وأما أمره عليه السلام لهم عند وجود ذلك أن يقول "آمنت بالله". فإن ظاهره أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإِعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها. والذي يقال في هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين :

فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت : فهي التي تدفع بالإِعراض عنها...

وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة : فإنها لا تدفع إلا باستدلال ونظر في إبطالها .اهـ[2]

فيحتمل أن يكون الأمر بالاكتفاء بالاستعادة – عنده – لأنها وسوسة عارضة، أو لأنه لا شبهة توجبها

و الصحيح ما سبق : اكتفاء بالإيمان بوجود الله؛ لعدم تصور خلق بلا خالق، وأنها – الأزلية – من لوازم هذا الإيمان؛ لأن ضد الأزلية الحدوث، والحادث لا بدّ له من محدث، و لا يلتفت إلى عدم تصور العقل للأزلية، كما قال تعالى في الروح } ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا { [ الإسراء : 85 ]

عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم : سلوه عن الروح ؟ وقال بعضهم : لا تسألوه، لا يسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح، فقام ساعة ينظر، فعرفت أنه يوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي، ثم قال : } ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي { [ خ / 125 ، 4721 ، 7297 ، 7456 ، 7462 – م / 2794 ]

لأنه لا يمكن إدراك حقيقة الروح بالعقل والاستدلال، و لا يقدح هذا في وجود الروح

قال الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر ( ت : 606 ) : ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه، فإن أكثر حقائق الأشياء وماهياتها مجهولة، فإنا نعلم أن "السكنجبين" له خاصية تقتضي قطع الصفراء فأما إذا أردنا أن نعرف ماهية تلك الخاصية وحقيقتها المخصوصة فذاك غير معلوم، فثبت أن أكثر الماهيات والحقائق مجهولة ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها فكذلك هاهنا وهذا هو المراد من قوله : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .اهـ[3]

لكنه اختار أنها جسم بسيط لا مثيل له فيما نرى، فهي جسم لكن مغايرة للأجسام لأنها مركبة تحدث من امتزاج الأخلاط والعناصر

و الذي اضطر الأشاعرة لهذا فرارا من أن يقولوا إنها عرض، و الأعراض – عندهم - لا تقوم بنفسها، ولا تنتقل من محلها و لا تبقى زمانين، والروح تنفصل عن الجسم عند الموت و تنتقل

و نسب ابن حزم أبو محمد علي بن أحمد ( ت : 456 ) إليهم أنها عرض، قال : حَديثُ فرقة مبتدعة تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم ليس هو الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهذا قولٌ ذهب إليه الأشعرية. وأخبرني سليمان بن خلف الباجي ( ت : 474 ) - وهو من مقدميهم اليوم - أن محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني ( ت : 406 ) على هذه المسألة قتله بالسم محمود بن سبكتكين ( ت : 421 ) صاحب مادون وراء النهر من خرسان - رحمه الله - ... و انما حملهم على هذا قولهم الفاسد أن الروح عرض والعرض يفنى أبدا ويحدث ولا يبقى وقتين .اهـ[4]



[1] إحياء علوم الدين 1 / 105 – 106

[2] المعلم بفوائد مسلم 1 / 313 - 314

[3] تفسير الرازي ( مفاتيح الغيب ) 21 / 392 – 393

[4] الفصل في الملل والنحل 1 / 75

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق