بين يدي رمضان 11
✍بوعلام محمد
بجاوي
أُنزل ليلة النصف من رمضان
أبو القاسم الأصبهاني[1] في الترغيب و الترهيب ( 1819 ) : أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن "ثنا" أحمد بن موسى "ثنا" عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن "ثنا" محمد بن يونس بن موسى "ثنا" علي بن الحسن المقري "ثنا" يحيى بن عيسى الرملي [ النهشلي ] عن
الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال : أنزل
القرآن في النصف من
شهر رمضان إلى سماء الدنيا، فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة جواب كلام الناس.
وهذه رواية شاذّة من وجوه :
*الإسناد غريب جدا : أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني الذي
تفرّد بإخراج الحديث توفي سنة 535
* يحيى بن عيسى : ضعيف[2] و إن أخرج له مسلم ، ومسلم – والله
أعلم – أخرج له حديثا واحدا عن الأعمش مقرونا برواية جماعة[3]
*رواه جرير بن عبد
الحميد : عن الأعمش عن مسلم
البطين والمنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : أنزل
الله القرآن إلى سماء الدنيا ليلة القدر ...
أخرجه البزار ( 5009 ) حدثنا
يوسف بن موسى قال حدثنا جرير
*المشهور عن الأعمش : عن حسان أبي الأشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : فُصل القرآن من
الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا [
سبق تخريجه : النسائي في الكبرى ( 7991 ) ]
*المشهور
عن جرير : عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس :
نزل
القرآن جملة واحدة في ليلة القدر ... [ سبق تخريجه : النسائي
في الكبرى ( 11689 ) ]
*ويروى عن الرملي
وجرير : عن الأعمش عن الأعمش
عن حسان أبي الأشرس عن سعيد بن جبير : أنزل القرآن
ليلة القدر... [
الكنى للدولابي ( 643 ) تفسير الطبري ( 3 / 189 ) ]
ولازم هذا القول أن
ليلة القدر في النصف من رمضان، ويأتي الكلام
عن هذه الأقوال في تعيين ليلة القدر، لأن هذه المسألة فرع عنها، وإنما ذُكرت لأنها قرنت بنزول القرآن
خامسا : في تعيين الشهر
الأقوال السابقة تشترك
في أن الليلة التي اخْتَصّها الله بالقرآن واخْتُصّ القرآن بها هي ليلة القدر، و أن
الشهر الذي اخْتُصَّ بالقرآن واخْتُصَّ القرآن به هو شهر رمضان، لأن ليلة القدر
ليلة من لياليه، وإنما اختلف في معنى النزول هل هو :
نزول القرآن جملة في
ليلة القدر
أو نزول قدرٍ منه – ما
ينزل في السنة – في كل ليلة من ليالي القدر
أو أن المقصود ابتداء
نزول القرآن أي أن القرآن نزل منجما و لم ينزل قبل ذلك جملة
لكن يحكى قول شاذ أن
ليلة نزول القرآن هي ليلة النصف من شعبان، وأنها وافقت في السنة التي نزل فيه
القرآن ليلة القدر بناء على أن ليلة القدر لا تختص برمضان، بل تنتقل في أيام
السنة، و هو قول شاذ أيضا
قال تعالى } حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) { [ الحديد :1
- 4 ]
قال الطبري أبو جعفر
محمد بن جرير ( ت : 310 ) : و قوله
} إنا أنزلناه في ليلة مباركة { : أقسم – جل ثناؤه – بهذا الكتاب، أنه أنزله
في ليلة مباركة، و اختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أي ليلة من ليالي السنة هي
؟
فقال بعضهم : هي ليلة
القدر ....
و قال آخرون : بل هي
ليلة النصف من شعبان .اهـ[4]
و لم يسمّ القائل، ولم يذكر روايةً، و الظاهر أنه أخذها من تفسيرٍ لـ : عكرمة أبي عبد الله مولى ابن عباس
( ت : 104 ) في الآية بعدها } فيها يفرق أمر كل حكيم { أن ذلك في ليلة النصف من
شعبان، فتكون هي الليلة المباركة التي نزل فيها القرآن لأن الضمير في "فيها" يعود على "ليلة مباركة"، ويأتي الكلام عنها
قال القرطبي أبو عبد
الله محمد بن أحمد ( ت : 671 ) : و قال عكرمة : الليلة المباركة
ها هنا : ليلة النصف من شعبان.
و الأول أصح،
لقوله تعالى } إنا أنزلناه في ليلة القدر { .اهـ[5]
حملا
للمجمل على المفصل والمبين
الظاهر أنه تبع ابن عطية أبا محمد عبد
الحق بن غالب ( ت : 542 ) قال : و قال عكرمة و غيره : الليلة
المباركة هي النصف من شعبان .اهـ[6]
و قال الطبري : و الصواب من القول في ذلك قول من قال
"عنى بها ليلة القدر"، لأن الله – جلّ ثناؤه – أخبر أن ذلك كذلك
لقوله تعالى } إنا كنا منذرين { خَلْقَنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في
الليلة المباركة عقوبتَنا أن تحلّ بمن كفر منهم، فلم يثب إلى توحيدنا، و إفراد
الألوهة لنا .اهـ[7]
استدلّ
بعود الضمير } أنزلناه { على "القرآن"
بدليل قوله } إنا كنا منذرين { و الإنذار إنما يكون
بالقرآن على أن المراد ليلة القدر، لأنها الليلة التي نزل فيها القرآن } إنا أنزلناه في ليلة القدر { [ القدر : 1 ] و
لأن القرآن نزل في شهر رمضان } شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن { [ البقرة : 185 ]
و
كأن المخالف يُنكر عود الضمير في } أنزلناه { على القرآن !
و
هذا جواب من لا يحمل الآية على نزول القرآن، وإنما على التقدير و أنها النصف من
شعبان، فالخلاف معه في المراد بـ "الليلة المباركة" هل هي ليلة القدر
التي نزل فيها القرآن أو ليلة النصف من شعبان التي تقدر فيها المقادير على فرض
ثبوته بالنقل الصحيح، لأن آية "القدر" صريحة فلا يتصور فيها الخلاف وأنها
التي نزل فيها القرآن، لكن في كلام الطبري في حكاية الخلاف المخالف يقول : ليلة
نزول القرآن هي ليلة النصف من شعبان، إلا أن يكون قوله"و
اختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أي ليلة من ليالي السنة هي ؟"
مستقلا،
أي مستقلا عن نزول القرآن، على التفسير الذي سبق، ويكون سبب الخلاف الخلاف في
المنزل ما هو ؟
فمن
قال القرآن
: قال هي ليلة القدر، و هي عنده التي يفرق فيها كل أمر حكيم، حكيم أي التقدير السنوي
ومن
قال التقدير : قال هي ليلة النصف من شعبان، لأنها – عنده – الليلة
التي يفرق فيها كل أمر
لا
أنهم اختلفوا في ليلة نزول القرآن بين ليلة القدر وليلة النصف من شعبان، والله
أعلم
[1] أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني ( ت : 535 ) الملقب بقوام السنة
[2] ميزان الاعتدال 4 / 401 – 402 – ترجمة : 9600 قال ابن عدي : وعامة رواياته مما لا يتابع عليه .اهـ الكامل 9/ 62
[3] صحيح مسلم 27 - ( 144 )
[4] تفسير الطبري 21 / 5 ، 6
[5] تفسير القرطبي 19 / 100
[6] المحرر الوجيز
في تفسير الكتاب العزيز 7 / 569
[7] تفسير الطبري 21 / 6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق