الأربعاء، 25 مارس 2020

النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 12

النبوات وفضائل نبينا محمد 12

النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 12

✍بوعلام محمد بجاوي

الحديث الثاني : تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ على نفسه
مسلم 150 - (2369) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر و [ محمد ] ابن فضيل [ الضبي ] عن المختار [ بن فلفل ] ( ح ) وحدثني علي بن حجر السعدي - واللفظ له - حدثنا علي بن مسهر أخبرنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا خير البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك إبراهيم عليه السلام
أبو داود (4672) حدثنا زياد بن أيوب حدثنا عبد الله بن إدريس عن مختار
والترمذي (3352) حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان [ بن سعيد الثوري ] عن المختار
ذكر القرطبي هذا الحديث تحت باب "في ذكر إبراهيم عليه السلام"، وذكر في شرحه معارضته لحديث الباب، والجواب عنه بجوابين :
الأول : التواضع، خاصة مع إبراهيم خليل الرحمن و أعظم آبائه وأشرفهم
الآخر : قبل العلم بأنه صار الأفضل، بعد أن كان إبراهيم هو الأفضل
قال : وقد عارض هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم". وما عُلِم من غير ما مَوْضِعٍ من الكتاب والسنة، وأقوال السلف والأمة : أنه أفضل ولد آدم
وقد انفصل عن هذا بوجهين :
أحدهما : أن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التواضع، وترك التطاول على الأنبياء، كما قال : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أكرم ولد آدم على ربي يوم القيامة ولا فخر[1]. وخصوصا على إبراهيم، الذي هو أعظم آبائه وأشرفهم.
وثانيهما : أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يُعْلَم بمنزلته عند الله تعالى، ثم إنه أُعلم بأنه أكرم وأفضل، فأخبر به كما أمر، ألا ترى أنه كان في أول أمره يسأل أن يبلغ درجة إبراهيم من الصلاة عليه والرحمة، والبركة[2]، والخلة، ثم بعد ذلك أخبرنا أن الله تعالى قد أوصله إلى ذلك لما قال : إن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا[3]، ثم بعد ذلك زاده الله من فضله، فشرفه، وكرمه، وفضله على جميع خلقه .اهـ[4]
أخذه من كلام المازري أبي عبد الله محمد بن علي ( ت : 536 ) في "المعلم بفوائد مسلم[5]"
وفي قوله "ثم بعد ذلك زاده الله من فضله، فشرفه، وكرمه، وفضله على جميع خلقه" يفهم منه حصول الأفضلية له بعد أن كانت لإبراهيم عليه السلام
وكلام المازري مجمل يحتمل أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باجتهاد منه وبما ظهر له قبل أن ينزل إليه في ذلك وحي 
قال : وقد يحتمل قوله "ذاك إبراهيم" قبل أن يوحى اليه بأنه هو خير منه .اهـ[6]
ويدلّ عليه جوابه عن الاعتراض، وهو ظاهر كلام  القاضي عياض ،كما يأتي
وحمله على التواضع سبق إليه ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( ت : 276 ) في حديث آخر، يأتي
وذكر اعتراضا على كل وجه تبعا للمازري :
يلزم من الأول : الإخبار بخلاف ما هو عليه الأمر
ومن الآخر : النسخ، لأنه أخبر في أول الأمر أن إبراهيم خير البرية ثم أخبر آخرا أنه هو خير البرية بقوله "أنا سيد ولد آدم" والأخبار لا يدخلها النسخ
قال : وقد أورد على كل واحد من هذين الوجهين استبعاد، قال:
ردّ على الأول : أن قيل: كيف يصح من الصادق المعصوم أن يخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه لأجل التواضع والأدب
والوارد على الثاني : أن ذلك خبر عن أمر وجودي، والأخبار الوجودية لا يدخلها النسخ .اهـ[7]
لفظ المازري : فإن قيل:
هذا خبر ولا يقع إلاّ صدقا
والنّسخ لا يصِحّ فيه فلا وجه لعذركم هذا .اهـ[8]
الجواب عن الاعتراض على الأول : بالمنع، وأنه اعتراض على اللفظ الذي قاله الصحابي، لا على المعنى، فهو وإن كان خير البرية فلا يجيز أن يوصف بذلك، حتى لا يتصور نقص في المفضول وهو إبراهيم عليه السلام
قال : والجواب عنهما :  أن يقال: إن ذلك ليس إخبارا عن الشيء بخلاف ما هو عليه، فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه، وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه، ولم يتعرض للمعنى، فكأنه قال : لا تطلقوا هذا اللفظ علي، وأطلقوه على أبي إبراهيم أدبا معه، واحتراما له. ولو صرّح بهذا لكان صحيحا غير مستبعد، لا عقلا، ولا نقلا، وهذا كما قال: لا تفضلوني على موسى[9] أي: لا تقولوا: محمد أفضل من موسى مخافة أن يخيل نقص في المفضول، كما قدمناه ويأتي. بهذا أظهر هذا اللفظ أن ذلك راجع إلى منع إطلاق لفظ وإباحته .اهـ[10]
استفاده من كلام القاضي عياض، كما يأتي
الجواب عن الاعتراض على الآخر :
بالمنع من كونه خبرا وجوديا : بناء على الجواب الأول، فالمقصود إطلاق اللفظ، وهو حكم شرعي، فيدخل عليه النسخ، والمقصود – والله أعلم – حكم إطلاق خير البرية على النبي صلى الله عليه وسلم، كان ممنوعا ثم جاز
بالمنع من عدم التبدل [ لم يسمه القرطبي :نسخا ] في الأخبار الوجودية مطلقا : و إنما يمتنع حيث يلزم التناقض، و لا ما نع أن يكون إبراهيم هو خير البرية ثم فُضِّل نبينا صلى الله عليه وسلم عليه
قال : فذلك خبر عن الحكم الشرعي، لا عن المعنى الوجودي، وإذا ثبت ذلك جاز رفعه، ووضعه، وصح الحكم به، ونسخه من غير تعرض للمعنى، والله أعلم.
سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي، لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل، بل: منها ما يتبدل، ولا يلزم من تبدله تناقض، ولا محال، ولا نسخ، كالإخبار عن الأمور الوضعية. وبيان ذلك: أن معنى كون الإنسان مكرما مفضلا، إنما ذلك بحسب ما يكرم به، ويفضل على غيره، ففي وقت يكرم بما يساوي فيه غيره، وفي وقت يزاد على ذلك الغير، وفي وقت يكرم بشيء لم يكرم به أحد، فيقال: غلبه في المنزلة الأولى مكرم مقرب، وفي الثانية مفضل بقيد. وفي الثالثة، مفضل مطلقا، ولا يلزم من ذلك تناقض، ولا نسخ، ولا محال، وهذا واضح وحسن جدا فاغتبط عليه ، وشد عليه يدا .اهـ[11]
المنع من النسخ أخذه من القاضي عياض بأن الفضائل يدخلها النسخ، فقد يصير المفضول فاضلا
قال : هذا وإن كان خبرا[12] من النوع الذى يدخله النسخ، لأن أمر الفضائل والمنازل مما منحه الله عبيده، وتعظيما لمن شاء .اهـ[13]
وجواب عياض على الأصل "الأخبار لا يدخلها النسخ مطلقا" و إلا فهو لا يرى أن أفضلية إبراهيم نسخت بأفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما في تتمة كلامه، يأتي ذكرها
فالجواب الجامع على الاعتراضين : أن الحديث في الأحكام لا في الأخبار، حتى يقال يلزم التكذيب، أو النسخ في الأخبار
قال ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله ( ت : 463 ) : وجائز على فضائله الزيادة وغير جائز فيها النقصان، ألا ترى أنه كان عبدا قبل أن يكون نبيا، ثم كان نبيا قبل أن يكون رسولا، وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت عبدا قبل أن أكون نبيا ونبيا قبل أن أكون رسولا، وقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ثم نزلت ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وسمع رجلا يقول له يا خير البرية فقال ذلك إبراهيم وقال لا يقولن أحدكم أني خير من يونس بن متى وقال السيد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم قال بعد ذلك كله أنا سيد ولد آدم ولا فخر، ففضائله صلى الله عليه وسلم لم تزل تزداد إلى أن قبضه الله فمن هاهنا قلنا أنه لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان وجائز فيها الزيادة .اهـ[14]
والمازري أجاب بجواب جامع، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بما ظهر له من حال إبراهيم، لأن له من الخصال ما ليس لغيره، فيكون تفضيله في معنى اختص به إبراهيم
قال : قلنا: قد يريد صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم خير البريّة فيما يدلّ عليه ظاهر حاله عندي، وقد يقال : فلان خير قومه وأصلح أهل بلده، والمراد فيما يقتضيه ظاهر حاله، وقد مال إلى هذه الطريقة بعض العلماء في تفضيل الفاضل من الصحابة أنه تفضيل على الظاهر لا على القطع على الباطن، وقد تكون لإبراهيم فضيلة تميّز بها عن سائر الرسل ولكن نبيّنا صلى الله عليه وسلم له من مجموع الفضائل ما يربي عليها حتى يكون أفضلَ على الإطلاق ولا يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في ابراهيم عليه السلام "خير البرّية" الإطلاق، ولكن في معنى اختص به .اهـ[15]
أول كلام المازري : النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما ظهر له، و في آخره : أراد أفضلية خاصة.
ولعل المقصود : النبي صلى الله عليه وسلم حكم على إبراهيم بالأفضلية والخيرية بناء على معنى خاص ظنه يجعله الأفضل مطلقا، و يأتي صريحا في منعه من تفضيله على موسى و يونس عليهما السلام، و يلزم من هذا أنه لم يكن قد أوحي إليه أنه أفضل الخلق.
قال القاضي عياض : وأخبر عليه السلام أولا بما اعتقده وظهر له من منزلة إبراهيم، ثم (إن الله أعلمه بمنزلته هو[16]) وأنه خير البرية، فلزمه [ و لزمنا ] اعتقاد (هذا ويعبد الله بذلك[17])، ونسخ ما كان أمرنا به عليه السلام قبلُ من ترك التفضيل بين[18] الأنبياء، واعتقاد ما (لزمنا من[19]) اتباع النبي في اعتقاده في تفضيل إبراهيم، فقد تعلق بهذين الخبرين عبادتان، إحداهما ناسخة للأخرى .اهـ[20]
العبادة الأولى – المنسوخة – : المنع من تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على إبراهيم وعلى جميع الأنبياء
العبادة الأخرى  : اعتقاد و إطلاق أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم




[1] الترمذي ( 3610 ) حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث [ بن أبي سليم ]  عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر. قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.اهـ و لايصح
[2] الصلاة الإبراهيمة : اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم
[3] مسلم 23 - (532) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم [ ابن راهويه ] - واللفظ لأبي بكر، قال إسحاق: أخبرنا، وقال أبو بكر: حدثنا - زكريا بن عد، عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث النجراني، قال : حدثني جندب، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول : إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك.
[4] المفهم 6 / 181
[5] المعلم بفوائد مسلم 3 / 226
[6] المعلم بفوائد مسلم 3 / 226
[7] المفهم 6 / 181
[8] المعلم 3 / 226
[9] يأتي
[10] المفهم 6 / 181 – 182
[11] المفهم 6 / 182
[12] في الطبعة : خبر بالرفع – اسم كان – و لا معنى له، والصواب : خبرا . أي : وإن كان هذا خبرا، فهم من النوع الذي لا يمتنع فيه النسخ. و في إكمال إكمال المعلم للأبي: خبرا 6 /   158
[13] إكمال المعلم 7 / 341 وفي إكمال إكمال المعلم : لأن الفضائل منازل يعطيها الله من يشاء . اهـ 6 / 158
[14] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 5 / 219 – 220
[15] المعلم 3 / 226 - 227
[16] في إكمال الأبي : أعلمه الله تعالى بأنه خير منه .اهـ 1 / 158
[17] إكمال الأبي : ذلك
[18] في الطبعة "من" و في إكمال الأبي عكس استعمل النهي عن التفضيل بدل الأمر بترك التفضيل .  1 / 158
[19] في الطبعة لزمناه. و في إكمال الأبي اختلاف في هذا الموضع أيضا . هل هو من تصرف أو من نخة وقعت له. الله أعلم
[20] إكمال المعلم 7 / 341

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق