الأربعاء، 8 أبريل 2020

بين يدي رمضان 12

بين يدي رمضان 12

بين يدي رمضان 12

✍بوعلام محمد بجاوي

و ذكر أبو شامة – كما يأتي قريبا – توجيهَ هذا القول بأن القرآن نزل في ليلة القدر لـمّا وافقت ليلةَ النصف من شعبان بناء على أنها تتنقل في جميع الشهور و لا تختص بشهر رمضان، أما آية البقرة فالمقصود : شهر رمضان الذي أُنزل في شأنه و فضله القرآنُ 
و عليه ليس الخلاف بين "ليلة القدر" و "ليلة النصف من شعبان" كما ذكر الطبري و غيره، و إنما بين "نزوله في شعبان" و بين "نزوله في رمضان"، و لهذا يُحكى الخلاف في "آية الدخان" دون "آية القدر"، لكن جواب أبي شامة – و أيضا ابن العربي – ينبني على أن المخالف ينفي نزول القرآن في "ليلة القدر!
و على هذا، المخالفُ :
* يحمل آية البقرة على غير نزول القرآن، بل على ما أُنزل في شأن "رمضان" من القرآن 
*ليلة القدر لا تختصّ بـ "رمضان"، بل تنتقل في أيام السنة، وفي السنة التي أنزل فيها القرآن وافقت ليلة النصف من شعبان
ذكر الجصاص أبو بكر أحمد بن علي ( ت : 370 ) جملة من الآثار في تعيين ليلة القدر ومنها :
حدثنا محمد بن بكر [ هو ابن داسة أحد أشهر رواة سنن أبي داود ] قال حدثنا أبو داود [ سليمان بن الأشعث ( ت : 275 ) صاحب السنن، والحديث في سننه ( 1378 ) ] قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد [ بن مسرهد ] قالا حدثنا حماد بن زيد عن عاصم [ بن بهدلة أبي النجود ] عن زر [ بن حبيش ] قال قلت لأبي بن كعب : أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا - يعني عبد الله بن مسعود - سئل عنها فقال : من يَقُمْ الحول يصبها ؟ فقال رحم الله أبا عبد الرحمن، والله لقد علم أنها في رمضان، ولكن كره أن يتّكلوا، والله إنها في رمضان ليلة سبع وعشرين.
[ أخرجه الترمذي ( 793 ) حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكوفي حدثنا أبو بكر [ بن عياش ] عن عاصم .والحديث في صحيح مسلم 180 - (762) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر [ غُنْدَر ] حدثنا شعبة [ بن الحجاج ] قال: سمعت عبدة بن أبي لبابة يحدث عن زر و 221 - (762) حدثنا محمد بن المثنى  ليس فيه قول ابن مسعود و 220 - (762) حدثنا محمد بن حاتم وابن أبي عمر [ عنه أخرجه الترمذي ( 3351 )  ]– كلاهما – عن [ سفيان ] ابن عيينة – قال ابن حاتم : حدثنا سفيان بن عيينة – عن عبدة وعاصم بن أبي النجود  [ جمع بينهما ] سمعا زر و ( 3406،3407 ) عن يعقوب بن إبراهيم عن سفيان عنهما و ( 3408 ) عن يعقوب بن إبراهيم عن سفيان عن ابن أبي خالد عن زر ]
ثم قال الجصاص : هذه الأخبار كلها جائز أن تكون صحيحة، فتكون في سنة في بعض الليالي وفي سنة أخرى في غيرها، وفي سنة أخرى في العشر الأواخر من رمضان، وفي سنة في العشر الأوسط، وفي سنة في العشر الأول وفي سنة في غير رمضان، ولم يقل ابن مسعود: "من يقم الحول يصبها" إلا من طريق التوقيف، إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى إلى نبيّه [ خلاف توجيه أُبيّ بن كعب ] ، فثبت بذلك أن ليلة القدر غير مخصوصة بشهر من السنة، وأنها قد تكون في سائر السنة، ولذلك قال أصحابنا فيمن قال لامرأته: أنت طالق في ليلة القدر: إنها لا تطلق حتى يمضي حول، لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك، ولم يثبت أنها مخصوصة بوقت فلا يحصل اليقين بوقوع الطلاق بمضي حول .اهـ[1]
يدل عليه : ما رُوي عن عكرمة أن القرآن نزل ليلة القدر
الطبري ( 22 / 360 ) حدثنا [ محمد ] ابن عبد الأعلى قال "ثنا" المعتمر [ بن سليمان بن طرخان ] عن أبيه عن عكرمة : إن القرآن نزل جميعا، فوضع بمواقع النجوم، فجعل جبريل يأتي بالسورة، و إنما نزل جميعا في ليلة القدر.
ولم يقل "في رمضان"
لكن لا يثبت
قال ابن أبي حاتم أبو محمد عبد الرحمن بن محمد ( ت : 327 ) : سمعت أبا زرعة [ عبيد الله بن عبد الكريم ( ت : 264 ) ] يقول : سليمان التيمي : لم يسمع من عكرمة شيئا .اهـ[2]
قال ابن العربي أبو بكر محمد بن عبد الله ( ت : 543 ) : و جمهور العلماء على أنها "ليلة القدر" .
و منهم من قال : إنها "ليلة النصف من شعبان"، و هو باطل : لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع } شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن {، فنصّ على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عبّر عن زمانية الليل هاهنا بقوله } في ليلة مباركة { فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، و ليس في "ليلة النصف من شعبان" حديث يعوّل عليه، لا في فضلها، و لا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها .اهـ[3]
و قال أبو شامة أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل ( ت : 665 ) : قال الله تعالى } شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن { و قال تعالى } إنا أنزلناه في ليلة مباركة { ، و قال – جلّت قدرته – } إنا أنزلناه في ليلة القدر { فـ "ليلة القدر" هي : الليلة المباركة، و هي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات، إذ لا منافاة بينها، فقد دلّت الأحاديث الصحيحة على أن "ليلة القدر" في شهر رمضان، و أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأخير منه[4]، و لا ليلة أبرك من ليلة هي خير من ألف شهر، فتعين حمل قوله – سبحانه – } في ليلة مباركة { على "ليلة القدر"، كيف و قد أرشد إلى ذلك قوله تعالى } فيها يفرق كل أمر حكيم { ، فهو موافق لمعنى تسميتها بـ "ليلة القدر"، لأن معناه التقدير، فإذا ثبت هذا، علمت أنه قد أَبْعَدَ من قال: الليلة المباركة هي : ليلة النصف من شعبان، و أن قوله تعالى } أنزل فيه القرآن { معناه : أنزل في شأنه و فضل صيامه و بيان أحكامه، و أن "ليلة القدر" توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على مرّ السنين، و اتفق أن وافقت زمن إنزال القرآن ليلة النصف من شعبان .
و إبطال هذا القول متحقق بالأحاديث الصحيحة الواردة في بيان ليلة القدر وصفاتها وأحكامها .اهـ[5]
وعكرمة يَروى عن ابن عباس أنه نزل في ليلة القدر من رمضان:
 النسائي في الكبرى ( 7989 ) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال "ثنا" [ محمد بن إبراهيم ] بن أبي عدى عن داود – و هو بن أبي هند – عن عكرمة عن بن عباس قال : نزل القرآن في رمضان ليلة القدر فكان في السماء الدنيا فكان إذا أراد الله أن يحدث شيئا نزل فكان بين أوله وآخره عشرين سنة
 ( 7990 ) أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال "ثنا" يزيد – يعنى بن زريع – قال "ثنا" داود
( 11372 ) "أنا" أحمد بن سليمان "نا" يزيد بن هارون
والعادة موافقته له
الخلاصة : لم ينصّ عكرمة على أن المراد بالليلة المباركة ليلة النصف من شعبان، ولا أن نزول القرآن في ليلة النصف من شعبان، و إنما كلامه في تفسير } فيها يفرق كل أمر حكيم { وأنها ليلة النصف من شعبان، تقدر فيها أمور السنة، لكن لازم هذا القول :
الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان
و هي الليلة التي أنزل فيها القرآن
و لا يستقيم هذا إلا على :
القول بأن ليلة القدر تتنقل في السنة كما هو ظاهر كلام ابن مسعود، و سبق أن أُبَيّ حمله على عدم الاتكال
وجود الدليل من السُّنَّة الثابتة على أن ليلة النصف من شعبان، هي التي يقدر فيها أمر السَّنَة، ويأتي الكلام عن ليلة التقدير، وأنها ليلة القدر من رمضان، وسبق عن ابن العربي أنه لا يثبت
أما أنه لا يقول بعود الضمير في أنزلناه على القرآن كما هو ظاهر من جواب الطبري فبعيد، والله أعلم
وحكاية الخلاف – إن جاز – إنما هو في الشهر الذي نزل فيه القرآن، لا في ليلة القدر، ولا يجوز، لأن "القرآن" صريح في أن "القرآن" نزل في رمضان كصراحته في نزوله ليلة القدر، فبعيد أن يخلف فيه عكرمة أو غيره


[1] أحكام القرآن 3 / 640 – 641
[2] المراسيل ص : 84 – رقم : 307
[3] أحكام القرآن 4 / 1690
[4] يأتي الكلام عنها
[5] المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ص : 9 – ط : صادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق