شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 12
✍بوعلام
محمد بجاوي
المسألة
السادسة : غلبة "الإجماع" على الأحكام الشرعية
و السبب ظهور
الحق، و الناظر في :
1 / المكتوب المنقول من تراث الأمة
2 / الواقع المعيش
يرى اختلافا
كثيرا متباينا، و من لا يعرف أصول "الإسلام"
– أدلتَه – أو عنايةَ الله بشريعة أفضل أنبيائه و آخرِهم، و هو القائل } إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون { [
الحجر : 9 ] و هو القائل أيضا } و ما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين { [ الأنبياء : 107 ] الذين أدركوه صحبة أو رؤية أو
زمانا، و من أتوا بعده إلى أن يرتفع التكليف بقيام الساعة دارِ الجزاء بالثواب و
العقاب } وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ { [
الأنعام : 19 ] يظن السبب :
في "الأصول" من حيث تَعْيينُها، و ثبوتها في
الجملة و العموم و في الآحاد، و دلالتها، و توافقها و عدم تعارضها، أي أنها محتملة
في تَعيّنها و في ثبوتها، و دلالتها، متعارضة فيما بينها.
أو في "العلماء" المؤتمنين على الشريعة، أي إنهم
شرعوا للناس ما لم يأذن به الله، فاختلفوا كما اختلف رهبان النصارى و أحبار اليهود[1]
و يجهل أن السبب في إيثار الهوى على
الحق الواضح البين
ختم البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين ( ت : 458
) الكلام عن
"جمع القرآن" بقوله : و قد أشار أبو سليمان الخطابي [ حمد بن محمد ( ت : 388
) ] إلى جملة ما ذكرنا، و ذكره أيضا غيره من أئمتنا، و الأخبار الثابتة
المشهورة ناطقة بجميع ذلك، و الحمد لله على ظهور دينه، و وضوح سبيله، ثم
على ما هدانا لمعرفته، و وفّقنا لمتابعة الأئمة من أهل ملّته في اعتقاد ما يجب
علينا اعتقاده في شريعته .اهـ[2]
و شمل حفظه : "الشريعة" نفسَها – أخبارا و أحكاما – و
"أصولها"، و هي أدلّتها التي
منها تأخذ و تستنبط
أولا : حفظ
"أصول الشريعة"
المقصود : حفظ
ألفاظ الكتاب و السنة في الصدور و في الكتب، لأن التحريف أول ما يبدأ بتحريف المكتوب،
كما هو صنيع اليهود و النصارى، لأنه الحجة الظاهرة التي تفضح كل تحريف لفظي أو
عملي
قال البيهقي : و في
الكتاب، ثم في أخبار السلف دلالة على أن الأمم السالفة كانوا إذا غيّروا شيئا من
أديانهم، غيروه أولا من كتبهم، و اعتقدوا خلافه بقلوبهم، ثم أتبعوا أهواءهم
أقوالهم و أفعالهم.
و
في هذه الأمة قد حفظ الله تعالى عليهم كتابه، و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، و ثبّتهم
على عقائدهم، حتى لا يغيّروا شيئا منها. و إن كان فعلا ( فَعَلَ ) و قال بعضهم
بشهوة أو بغفلة خلافها، و الحمد لله على حفظ دينه، و على ما هدانا لمعرفته، و نسأله
الثبات إلى الممات، و المغفرة يوم تحشر الأموات إنه سميع الدعاء، فعال لما يشاء، و
الصلاة على نبيه محمد، و على آله و سلّم .اهـ[3]
1. حفظ القرآن :
حفظ الله
"كتابه" بـ "التواتر" حفظا في "الصدور" و حفظا في "الكتب"، فلا زال المسلمون يأخذون قرآنهم
"اللاحق" عن "السابق" جيلا بعد جيل، لا يختلفون – بحمد
الله تعالى – في حرف منه، و عرف ذلك المبطلون، فأيسوا من تحريف ألفاظه : زيادة أو
حذفا أو تبديلا، و تمسكوا بـ "تحريف المعاني"
بعد أن سمّوه بغير اسمه "تأويلا"
حفظا وإظهارا لتأويلات أسلافهم من "الجهمية"
و"المعتزلة" في باب "العقائد"، و التخريج عليها في باب "الأحكام[4]"
و في كل ما لم يصل إليه تحريف الأسلاف، فقام لهم علماء الشريعة ينفون عن كتاب الله
تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين، فما أحسن أثرهم على الناس و ما
أقبح أثر الناس عليهم.
قال
ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ) ت : 728 (
: و
لما كانت ألفاظ "القرآن"
محفوظةً منقولة بـ "التواتر"
لم يطمع أحد في إبطال شيء منه و لا في زيادة شيء منه بخلاف الكتب قبله، قال –
تعالى – ] إنا نحن
نزلنا الذكر و إنا له لحافظون [ [
الحجر : 9 ] .اهـ[5]
قال
المعلمي[6] : فأما
"القرآن" : فأمروا بحفظه بطريقين :
الأولى : حفظ الصدور
و
عليها كان اعتمادهم في الغالب،
[ ما من "صحابيّ" إلاّ و في صدره آيات من "القرآن" : لحاجته إليه في صلاته، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على
ترسيخه و نقشه في صدورهم حتى ضَرب به "الصحابة" المثل في حرصه صلى
الله عليه وسلم على التعليم، قال "عبد الله بن مسعود" : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم – و كفّي بين كفّيه – التشهد كما
يعلمني السورة من القرآن[7]
. و ليس خاصا بـ "ابن مسعود"، قال "ابن عباس" : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن[8] . و قال "جابر
بن عبد الله" : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه
"الاستخارة" في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن[9] . و من "الصحابة" من حفظ "سورة ق" من كثرة ما سمعها مِن فيه النبي صلى الله عليه
وسلم على المنبر[10] . وقال "عبد الله بن مسعود" : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة[11] .و جمعه أربعة من "الصحابة" جميعهم من الأنصار لم يجمعه غيرهم، بشهادة
"أنس بن مالك" : مات
النبي صلى الله عليه وسلم و لم يجمع "القرآن" غيرُ أربعة : "أُبي
بن كعب" ، و "معاذ بن جبل"، و "زيد بن ثابت"،
و "أبو زيد[12]"
( أحد عمومته، مختلف في اسمه ) – و ناقش بعض أهل العلم
هذا الحصر[13]
– و أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة يؤخذ
عنهم القرآن : "عبد الله بن مسعود"،
و "سالم بن مَعْقِل مولى أبي حذيفة"،
و "معاذ بن جبل"، و "أبي بن كعب[14]"
]
[1] هذا الأخير : الكلام عنه في غير هذا الركن
[2] المدخل إلى السنن الكبرى 2 / 504
[3] دلائل النبوة 7 / 60
[4] الهجمة اليوم على الأحكام
المتعلقة بالمعاملات، يتعاملون معها كما تعامل أسلافهم مع العقائد
[5] الاستغاثة ( الرد
على البكري ) 1 / 171
[6] جعلت كلام المعلمي أصلا وميزته بسطر تحته، و أضيف عليه بين [ ]
[7] البخاري ( 6265 ) مسلم 59 - ( 402 )
[8] مسلم
60 – 61 ( 403 )
[9] البخاري 1166 ، 6382 ،
7390
[10] مسلم 50 - (872)
[11] البخاري 5000 مسلم 114 - (2462) ، 115
- (2463)
[12] البخاري
5003 ، 5004 ( أبو الدرداء بدل أبي ) مسلم 120 - (2465)
[13] فتح الباري
9 / 51 - 52
[14] البخاري 3758 ، 3806 ، 3808 ، 4999 مسلم 2464
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق