الأربعاء، 26 فبراير 2020

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 12

شرح نصيحة المعلمي 12
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم
12

✍بوعلام محمد بجاوي

المسألة السادسة : غلبة "الإجماع" على الأحكام الشرعية

و السبب ظهور الحق، و الناظر في :
1 / المكتوب المنقول من تراث الأمة 
2 / الواقع المعيش
يرى اختلافا كثيرا متباينا، و من لا يعرف أصول "الإسلام" – أدلتَه – أو عنايةَ الله بشريعة أفضل أنبيائه و آخرِهم، و هو القائل } إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون { [ الحجر : 9 ] و هو القائل أيضا } و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين { [ الأنبياء : 107 ] الذين أدركوه صحبة أو رؤية أو زمانا، و من أتوا بعده إلى أن يرتفع التكليف بقيام الساعة دارِ الجزاء بالثواب و العقاب } وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ { [ الأنعام : 19 ] يظن السبب :
في "الأصول" من حيث تَعْيينُها، و ثبوتها في الجملة و العموم و في الآحاد، و دلالتها، و توافقها و عدم تعارضها، أي أنها محتملة في تَعيّنها و في ثبوتها، و دلالتها، متعارضة فيما بينها.
أو في "العلماء" المؤتمنين على الشريعة، أي إنهم شرعوا للناس ما لم يأذن به الله، فاختلفوا كما اختلف رهبان النصارى و أحبار اليهود[1] 
و يجهل أن السبب في إيثار الهوى على الحق الواضح البين
ختم البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين ( ت : 458 ) الكلام عن "جمع القرآن" بقوله : و قد أشار أبو سليمان الخطابي [ حمد بن محمد ( ت : 388 ) ] إلى جملة ما ذكرنا، و ذكره أيضا غيره من أئمتنا، و الأخبار الثابتة المشهورة ناطقة بجميع ذلك، و الحمد لله على ظهور دينه، و وضوح سبيله، ثم على ما هدانا لمعرفته، و وفّقنا لمتابعة الأئمة من أهل ملّته في اعتقاد ما يجب علينا اعتقاده في شريعته .اهـ[2]
و شمل حفظه : "الشريعة" نفسَها – أخبارا و أحكاما – و "أصولها"، و هي أدلّتها التي منها تأخذ و تستنبط

أولا : حفظ "أصول الشريعة"

المقصود : حفظ ألفاظ الكتاب و السنة في الصدور و في الكتب، لأن التحريف أول ما يبدأ بتحريف المكتوب، كما هو صنيع اليهود و النصارى، لأنه الحجة الظاهرة التي تفضح كل تحريف لفظي أو عملي
قال البيهقي : و في الكتاب، ثم في أخبار السلف دلالة على أن الأمم السالفة كانوا إذا غيّروا شيئا من أديانهم، غيروه أولا من كتبهم، و اعتقدوا خلافه بقلوبهم، ثم أتبعوا أهواءهم أقوالهم و أفعالهم.
و في هذه الأمة قد حفظ الله تعالى عليهم كتابه، و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، و ثبّتهم على عقائدهم، حتى لا يغيّروا شيئا منها. و إن كان فعلا ( فَعَلَ ) و قال بعضهم بشهوة أو بغفلة خلافها، و الحمد لله على حفظ دينه، و على ما هدانا لمعرفته، و نسأله الثبات إلى الممات، و المغفرة يوم تحشر الأموات إنه سميع الدعاء، فعال لما يشاء، و الصلاة على نبيه محمد، و على آله و سلّم .اهـ[3]
1.   حفظ القرآن :
حفظ الله "كتابه" بـ "التواتر" حفظا في "الصدور" و حفظا في "الكتب"، فلا زال المسلمون يأخذون قرآنهم "اللاحق" عن "السابق" جيلا بعد جيل، لا يختلفون – بحمد الله تعالى – في حرف منه، و عرف ذلك المبطلون، فأيسوا من تحريف ألفاظه : زيادة أو حذفا أو تبديلا، و تمسكوا بـ "تحريف المعاني" بعد أن سمّوه بغير اسمه "تأويلا" حفظا وإظهارا لتأويلات أسلافهم من "الجهمية" و"المعتزلة" في باب "العقائد"، و التخريج عليها في باب "الأحكام[4]" و في كل ما لم يصل إليه تحريف الأسلاف، فقام لهم علماء الشريعة ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين، فما أحسن أثرهم على الناس و ما أقبح أثر الناس عليهم. 
قال ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ) ت : 728 ( : و لما كانت ألفاظ "القرآن" محفوظةً منقولة بـ "التواتر" لم يطمع أحد في إبطال شيء منه و لا في زيادة شيء منه بخلاف الكتب قبله، قال – تعالى – ] إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون [ [ الحجر : 9 ] .اهـ[5] 
قال المعلمي[6] : فأما "القرآن" : فأمروا بحفظه بطريقين :
الأولى : حفظ الصدور
و عليها كان اعتمادهم في الغالب، [ ما من "صحابيّ" إلاّ و في صدره آيات من "القرآن" : لحاجته إليه في صلاته، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخه و نقشه في صدورهم حتى ضَرب به "الصحابة" المثل في حرصه صلى الله عليه وسلم على التعليم، قال "عبد الله بن مسعود" : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم – و كفّي بين كفّيه – التشهد كما يعلمني السورة من القرآن[7] . و ليس خاصا بـ "ابن مسعود"، قال "ابن عباس" : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن[8] . و قال "جابر بن عبد الله" : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه "الاستخارة" في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن[9] . و من "الصحابة" من حفظ "سورة ق" من كثرة ما سمعها مِن فيه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر[10] . وقال "عبد الله بن مسعود" : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة[11] .و جمعه أربعة من "الصحابة" جميعهم من الأنصار لم يجمعه غيرهم، بشهادة "أنس بن مالك" : مات النبي صلى الله عليه وسلم و لم يجمع "القرآن" غيرُ أربعة : "أُبي بن كعب" ، و "معاذ بن جبل"، و "زيد بن ثابت"، و "أبو زيد[12]" ( أحد عمومته، مختلف في اسمه ) – و ناقش بعض أهل العلم هذا الحصر[13]و أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة يؤخذ عنهم القرآن : "عبد الله بن مسعود"، و "سالم بن مَعْقِل مولى أبي حذيفة"، و "معاذ بن جبل"، و "أبي بن كعب[14]" ]


[1] هذا الأخير : الكلام عنه في غير هذا الركن
[2] المدخل إلى السنن الكبرى 2 / 504
[3] دلائل النبوة 7 / 60
[4] الهجمة اليوم على الأحكام المتعلقة بالمعاملات، يتعاملون معها كما تعامل أسلافهم مع العقائد
[5] الاستغاثة ( الرد على البكري ) 1 / 171
[6] جعلت كلام المعلمي أصلا وميزته بسطر تحته، و أضيف عليه بين [ ]
[7] البخاري ( 6265 ) مسلم 59 - ( 402 )
[8] مسلم 60 – 61 ( 403 )
[9] البخاري 1166 ، 6382 ، 7390
[10] مسلم 50 - (872)
[11] البخاري 5000 مسلم 114 - (2462) ، 115 - (2463)
[12] البخاري 5003 ، 5004 ( أبو الدرداء بدل أبي ) مسلم 120 - (2465)
[13] فتح الباري 9 / 51 - 52
[14] البخاري 3758 ، 3806 ، 3808 ، 4999 مسلم 2464

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق