الأربعاء، 12 فبراير 2020

القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 04

القرآن والعلم الحديث الأرض 04
القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 
04

بوعلام محمد بجاوي

وهذه بعض الأمثلة : 

نظريتا الانفجار الكبير و التوسع الكوني : 

وهما نظريتان متلازمتان، استمرارالتوسع ناتج عن الانفجار الذي ينسب إليه نشأة الكون والمقصود به ابتداء التوسع لا انفجار حقيقي، فأقوى دليل على الانفجار : التوسع الكوني. فهما في الحقيقة نظرية واحدة
فَرحُ المسلمين المنهزمين بهذين الاكتشافين يرجع إلى أمرين : 
الأول : إثبات خلق الكون و أنه غير أزلي 

وفي هذا رد على الدهريين القائلين بقدم العالم، مع أن أصحاب هذه النظرية ينسبون الخلق لـ "المادة" أو "الطاقة" نفسها و لـ"الجاذبية" التي هي من خصائصها– دليل الإلحاد ، وقد صرّح بعضهم بأنه يمكن للكون أن يخلق نفسه بفعل الجاذبية، وعلم الفلك المزعوم كله يقوم عليها، وقد زعموا بعد عقود من الزمن من تلقين نظرية الجاذبية لعموم الناس وخواصهم أنهم أثبتوها بالتجربة –

الآخر : أن القرآن – في زعمهم – قد سبق العلم إلى هذين النظريتين أو الحقيقتين العلميتين 

وفي هذا دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و أن القرآن كلام الله الخالق، وممن ناظر بها الملحدين : "أحمد ديدات" في مناظراته المشهورة. 
اتساع الكون : يزعم الفلكيون أنهم رصدوه بأن المجرّات والكواكب تتباعد، بدليل الضوء المنبعث منها، مساره منحن على شكل أمواج، وهذا دليل على أن الجسم يبتعد، وبه عرفوا عمر الكون
و هذا التوسع يدلّ بالضرورة على الانفجار "التمدد الأول" فهو من آثاره، وسيأتي يوم ويتراجع هذا التوسع ليرجع إلى نقطة البداية،
 وهو ما يعرف بنظرية "الانسحاق"، ولهم تفسيرٌ و تصورٌ لحدوث هذا "الانفجار"، ورصدٌ لصداه "اشعاع الخلفية الكونية" الذي حدث قبل أكثر من 13 مليار سنة 

فالكون كان مادة واحدة انفجرت، تشكّل منها الكون المنظم الذي نعرفه، هذه هي الحقيقة العلمية التي لا منازع لها في زمان العلم، والنتيجة : أرض تدور و كون يتسع 

وسبقت آيات الخلق، و فيها أن الله تعالى خلق الأرض في يومين، وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سموات في يومين وزينها بالنجوم، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها حتى لا تتحرك و لا تضطرب بمن عليها، لأنه لا يمكن الثبات على متحرّك 
والمحروم من أعرض عن وحي الخالق إلى تفسير المخلوق الذي يتكلم بالغيب عن حدث يزعم أنه حدث قبل ملايير السنين 
آيتا الانفجار والتوسع المزعومة : 
آية الانفجار المزعومة : 
قال تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [ الأنبياء : 30 ] 
تفسير السابقين للآية : 
قال الماوردي أبو الحسن علي بن محمد ( ت : 450 ) : فيه ثلاثة تأويلات : 
أحدها : أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففتق الله بينهما بالهواء، قاله [ عبد الله ] ابن عباس. 
الثاني : أن السموات كانت مرتقة مطبقة ففتقها الله سبع سموات، وكانت الأرض كذلك ففتقها سبع أرضين، قاله مجاهد [ بن جبر ]. 
الثالث : أن السموات كانت رتقاً لا تمطر، والأرض كانت رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات، قاله عكرمة [ مولى ابن عباس ] وعطية [ بن سعد العوفي ] و [ عبد الرحمن ] ابن زيد .اهـ[1]
قال محمد الطاهر ابن عاشور ( ت : 1393 ) : والرتق : الاتصال والتلاصق بين أجزاء الشيء. 
والفتق : ضده، وهو الانفصال والتباعد بين الأجزاء 
والإخبار عن السماوات والأرض بأنهما رتق إخبار بالمصدر للمبالغة في حصول الصفة. 
ثم إن قوله تعالى {كانتا}: 
يحتمل : أن تكونا معا رتقا واحدا بأن تكون السماوات والأرض جسما ملتئما متصلا. 
ويحتمل : أن تكون كل سماء رتقا على حدتها، والأرض رتقا على حدتها وكذلك الاحتمال في قوله تعالى ففتقناهما .اهـ[2]
والمعاني المذكورة غير متضادة فيمكن حمل الآية عليها، فتق الأرض عن السماء، ثم فتق الأرضين السبع وأخرج نباتها، وفتق السماوت السبع و أنزل المطر 
وقوله {أولم ير الذين كفروا} ألم يعلموا بالوحي 
قال السمعاني أبو المظفر منصور بن محمد ( ت : 489 ) : فإن قال قائل : قد قال : أو لم ير الكفار، و لم يروا شيئا من هذا ولا المسلمون ؟ 
والجواب عنه : أن معناه أو لم يعلموا بإخبارك إياهم، وقيل : أو لم يخبروا .اهـ[3]
و من أصحاب الإعجاز من يقول في هذا إعجاز خبري، فقد أخبر القرآن بأن الكفار سيكتشفون هذا الفتق "الانفجار
وفي اللغة : الرتق هو السد، والفتق ضدّه، وهو غير الانفجار، وهم يقولون الفتق حصل بالانفجار اعتمادا على نظرية الفلكيين، فالانفجار غير مستفاد من الآية، حتى تكون دليلا عليه، وفي الآية الأرضون مخلوقة و السماوات مخلوقة، و الفتق حدث بعد خلقهما 
آية التوسع المزعومة : 
قال تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ[ الذاريات : 47 ] 
والمقصدود – عندهم – بـ "السماء" : الكون نفسه 
فيها أقوال أيضا، أوصلها الماوردي إلى خمسة، أحدها : لموسعون السماء، ونسبه إلى : عبد الرحمن بن زيد 
وليس فيه أنها في اتساع دائم، بل إن الله خلقها واسعة 
قال ابن كثير أبو الفداء إسماعيل بن عمر ( ت : 774 ) : أي : قد وسّعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد، حتى استقلت كما هي . اهـ[4] 
وقول ابن زيد – وهو صاحب تفسير مفقود – أسنده الطبري ( 21 / 546 ) : حدثني يونس [ بن عبد الأعلى ] أخبرنا [ عبد الله ] ابن وهب قال : قال ابن زيد، في قوله {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قال : أوسعها جل جلاله 
والمشهور أن الخلق عليه سبحانه يسير، أو القوة، لذو قوّة 
قال الطبري أبو جعفر محمد بن جرير ( ت : 311 ) : وقوله {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} يقول : لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه، ومنه قوله {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره[ البقرة: 236 ] يراد به القوي .اهـ[5]
الثقب الأسود : 
سببه – في زعمهم – موت النجم، وهذا الثقب يتنقل في الفضاء و يجدب إليه كل شيء حتى الضوء 
افترض وجوده أحد العلماء إلى أن تأكّد برصده على زعمهم 
اهتزّ العالم لهذا الحدث، لكن لم تدم فرحتهم طويلا، لأن بعض المسلمين أخبروهم أن الثقب الأسود قد ذكر في "القرآن" في قوله تعالى {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس} [ التكوير 15 - 16 ] 
فقوله {بالخنس} لأنه لا يظهر، يجذب الضوء، وإنما رصده الفلكيون بتأثيره على من حوله، وقوله {الجوار الكنس} لأنه يجري ويكنس أي يبتلع كل ما يمر في طريقه حتى الضوء. 
و الآية في تفاسير العلماء تحتمل : 
النجوم كلها أو بعضها
الظباء أو بقر الوحش : 
قال الطبري : اختلف أهل التأويل في الخنس الجوار الكنس : 
فقال بعضهم : هي النجوم الدراري الخمسة، تخنس في مجراها فترجع، وتكنس فتستتر في بيوتها، كما تكنس الظباء في المغار، و النجوم الخمسة : بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري... 
وقال آخرون : هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانا، أي تغيب، وتجري أحيانا وتكنس أخرى، وكنوسها : أن تأوي في مكانسها، والمكانس عند العرب، هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء، واحدها مكنس وكناس ... 
فالكناس في كلام العرب ما وصفت، وغير منكر أن يُستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء، فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر، ولا البقر دون الظباء، فالصواب أن يعمّ بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحيانا، والجري أخرى، و الكنوس بآنات على ما وصف جل ثناؤه من صفتها .اهـ[6]
الآية لا إعجاز فيها على فرض ثبوت الثقب الأسود، لأنها لم تنصّ عليه، فهو كلام عام يصدق على كل من يخنس ويجري ويكنس، لا على الثقب المزعوم وحده، حتى يتعيّن 
والمفسرون متفقون على أن المقصود بـ {الكنس} مأوى الظباء. و هو سبب التردد في الآية بين النجوم و بين الظباء وبقر الوحش، والظاهر مع الظباء، و حمله على النجوم تشبيه 
وفي "القرآن" ذهاب نورالنجوم إنما يكون يوم القيامة {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [ المرسلات : 8 ] {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [ التكوير : 2 ]
سيقولون هذا خاص بنجوم مجرتنا، وهم يزعمون ما لا يحصى من المجرات


الـــــــــــــــــــهامش:

[1] تفسير الماوردي (النكت والعيون) 3 / 444 

[2] تفسير الطاهر بن عاشور (التحرير والتنوير : تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد) 17 / 53 

[3] تفسير القرآن 3 / 377 

[4] تفسير القرآن العظيم 7 / 427 

[5] تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) 21 / 546 
[6] تفسير الطبري 24 / 152 ، 154 ، 158

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق