الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 12
✍بوعلام محمد بجاوي
مقدمة ابن قتيبة :
قدّم "ابن قتيبة" بمقدمة لم يدع فيها لملخّص
أو منتق ما يلخص وينتقي، وهي في وصف أهل زمانه مع "علم الأدب" و خاصة الخاصة منهم، وهم
كتاب الخلفاء والملوك
بين فيها سبب التأليف
في "الأدب" :
عزوف الناس عن "علم الأدب"
قال – بعد حمده الله و
صلاته على من أوتي جوامع الكلم – : فإني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين[1]، ومن اسمه متطيرين[2]، ولأهله كارهين[3] :
أما الناشئ[4] منهم :
فراغب عن التعليم
والشادي[5] : تارك للازدياد
والمتأدب[6] في عنفوان[7] الشباب :
ناس أو متناس ليدخل في جملة المجدودين[8]، ويخرج عن جملة المحدودين[9]، فالعلماء مغمورون[10]،
وبكرّة الجهل[11] مقموعون[12] حين خوى[13] نجم الخير، وكسدت
سوق البر، وبارت بضائع أهله، وصار العلم عارا على صاحبه، والفضل نقصا، وأموال
الملوك وقفا على (شهوات) النفوس[14]، والجاه الذي هو زكاة الشرف يباع بيع الخَلَق[15] وآضت[16] المروآت[17] في زخارف النَّجْد[18] وتشييد البنيان[19]، ولذّات النفوس في اصطفاق المزاهر[20] ومعاطاة الندمان[21]. ونبذت الصنائع، وجُهِلَ قَدْرُ المعروف، وماتت الخواطر[22]، وسقطت همم النفوس، وزهد في لسان الصدق[23] وعَقْد الملكوت[24] .اهـ[25]
[1]
ناكبين :
معرضين . قال الجواليقي : "ناكبين" عادلين والناكب العادل عن الطريق
وإنما قيل للعادل عن الشيء ناكب لأنه يوليه منكبه .اهـ ص : 7 الاقتضاب في
شرح أدب الكتاب 1 / 39
[2] متطيرين :
متشائمين، لأن العرب كانت تتشاءم بالطير في طيرانها يسارا إذا نهروها، وبصوت
الغراب قال الجواليقي : وقوله "متطيرين" أي متشائمين لنفور طباعهم عنه،
والطائر والطير الشؤوم، وأصل ذلك من الطير، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير
وزجرها و التشؤوم ببارحها وهو ما أخذ منها ذات اليسار إذا أثاروها وبنعيق غربانها،
فسمّوا الشؤم طيرا وطائرا وطَيَرَة لتشؤّمهم بها، هذا هو الصحيح .اهـ ص
: 8 الاقتضاب 1 / 39 – 40
[3] في نسخة الجواليقي : لأهله هاجرين . ص : 8
[4]
الناشئ : الصغير والحَدث . قال الجواليقي : "الناشئ" : الحدث الشاب حين نشأ أي ابتدأ في الارتفاع عن حد الصبى إلى
الإدراك أو قرب منه .اهـ ص : 9 الاقتضاب 1 / 40
[5]
الشادي :
من له شيء من العلم و هو هنا "الأدب".
قال الجواليقي
: "الشادي" الذي قد شدا شيئاً من العلم أي أخذ منه طرفا وتعلمه
شدا يشدو شدوا .اهـ ص : 9
الاقتضاء 1 / 40
[6]
المتأدب : من أخذ من الأدب بحظ. شرح الجواليقي ص : 9
[7]
العنفوان : أوله وجدّته. شرح الجواليقي ص : 9 الاقتضاب
1 / 41
[8]
المجدودين : المحظوظين. شرح الجواليقي ص : 9
[9]
المحدود : المحروم، لأن الحد : المنع، فالمحدود : الممنوع من الخير. الصحاح 2 / 462 شرح
الجواليقي ص : 9 والمعنى : أي ينسى ما يدخله في زمرة المحظوظين،
ويخرجه من زمرة الممنوعين من الخير، ولكن الشارحَين على العكس وأن اللام للتعليل
سبب نسيان الأدب إرادة الدخول في زمرة المجدودين و هم أصحاب الأموال والابتعاد عن
زمرة المحدودين وهم العلماء والأدباء شرح الجواليقي ص
: 10 الاقتضاب 1 / 41
[10] قال البطليوسي
: قوله: "فالعلماء
مغمورون": كان أبو علي يرويه بالراء، وكان
ابن القوطية يرويه بالزاي [ مغموزون من الغمز ]، ولكل واحدة من الروايتين معنى صحيح :
أما من رواه بالراء : فهو من قولك : غمره الماء: إذا غطاه :
ويقال : رجل مغمور: إذا كان خامل الذكر. يراد أن الخمول قد أخفاه، كما يغمر الماء
الشيء فيغيبه.
ومن رواه بالزاي : فهو من قولك: غمزت الرجل: إذا عبته وطعنت
عليه. .اهـ 1 / 41 - 42
[11]
كرّة
:
دَوْلَةُ الجهل، أي زمانه ووقته. شرح الجواليقي ص : 10
[12]
مقموعون : مقهورون. قال الجواليقي : والمقموع :
المقهور، تقول قمعته أي أذللته وقمعته أي ضربته بالمقمعة . اهـ ص : 11 أو مغيبون، لا ذكر لهم ولا مكانة قال أبو عبيد القاسم بن سلام ( ت : 224 ) : انقمعن – وردت في حديث – : تعني دخلن البيت
وتغيبن، ويقال للإنسان: قد انقمع وقمع إذا دخل في الشيء أو دخل بعضه في بعض .اهـ غريب الحديث 5 /
344 – 345 و هو في معنى مغمور بالراء
[13] إذا غرب النجم و لم يسقط المطر عند غروبه. قال الجوهري
: خوت النجوم تخوي خيا : أمحلت، وذلك إذا سقطت (غربت) ولم تمطر في نوئها (سقوطها وغروبها، أو ظهور
النجم المقابل في الجهة المقابلة، و هما متلازمان إذا سقط أحدهما ظهر الآخر. على
الخلاف في تعريف النوء، وجعله ابن قتيبة من الأضداد، يطلق على المعنى وضدّه ). وأَخْوت
مثله. اهـ الصحاح 6 / 2332 .وتكلم عنه ابن
قتيبة في كتابه هذا : كانوا يقولون : إذا سقط منها نجم وطلع آخر وكان عند ذلك مطر
أو ريح أو حر أو برد نسبوه إلى الساقط إلى أن يسقط الذي بعده، فإن سقط ولم يكن معه
مطر قيل : قد خوى نجم كذا " و "قد أخوى".اهـ وقال : ومعنى
"النوء" سقوط نجم منها في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله في
المشرق من ساعته، وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع ينوء نوءا وذلك
النهوض هو النوء، وكل ناهض بثقل فقد ناء به، وبعضهم يجعل "النوء" السقوط، كأنه
من الأضداد .اهـ أدب الكاتب . شرح الجواليقي ص 11
[14] شهوات ساقطة من
نسخة الجواليقي، فاضطر لشرحها قال : على شهوات النفوس، وملاذّها، غير مصروفة في سبل الخير وطرق البر .اهـ شرح الجواليقي ص :
13
[15] الخَلَق : الثوب البالي
. شرح الجواليقي ص : 15 أصحاب الجاه و الشرف يبذلون شرفهم وعلمهم لأصحاب
الأموال من الجهال ليصيبوا من مالهم
[16]
آضت : صارت و رجعت . الصحاح 3
/ 1065 شرح الجواليقي ص : 15
[17] المروءات : كمال
الرجولة. شرح الجواليقي ص : 15
[18] النَّجْد : ما يزين به البيت من المتاع.
الصحاح 2 / 542
[19] تشييد البنيان : رفعه وإطالته . شرح الجواليقي
ص : 16
[20] المزاهر :
ألة الموسيقى العود، له أوتار، والمقصود تصطفق أوتاره يضرب بعضها ببعض، قال
الجواليقي : واصطفاق المزاهر : أصوات العيدان، وهو افتعال من الصفق وهو الضرب، ...
والمزاهر : جمع مزهر وهو العود، وسمّي مزهراً لحسن صوته ومن ذلك زهرة الدنيا حسنها
وبهجتها وزهرة الحياة الدنيا غضارتها وحسنها .اهـ ص : 16
[21]
الندمان : الذي يرافقك
و يشاربك، هذا الأصل ثم استعمال في كل صاحب ومشارك. و المعاطاة : التداول على الشراب . قال الجواليقي : و المعاطاة : المناولة وأصلها معاطوة من عطا يعطو، إذا تناول فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما
قبلها. والندمان : النديم :... وأصله المنادم على الشراب ثم كثر حتى صار النديم
المصاحب والمجالس على غير شراب .اهـ ص : 16
[22] الفِكر .شرح الجواليقي ص : 17
[23]
لسان الصدق : الثناء الحسن، أي الزهد فيما يجلب الثناء الحسن،
كما في قوله تعالى عن إبراهيم }واجعل
لي لسان صدق في الآخرين{ [الشعراء:84] شرح الجواليقي ص 19 : وقد
يكون المراد : تحري الصدق في الأخبار والوعود
[24] عقد : شدّ الحبل ونحوه، والملكوت من الملك نحو التجبر
والجبروت و الرحمة والرحموت. والمقصود : وزهد في بلوغ الملك . أو تكون عقد بضم
العين أي الاعتقاد، فيكون المعنى اعتقاد الملكوت أي زهد في اعتقاد الملكوت أو زهد
في تحصيل الشرف بالتوحيد والعلم شرح الجواليقي ص :
19 وهي معان بعيدة . إلى أن يقصد
طلب المعالي من الأمور . والله أعلم بالمراد
[25]
أدب المكاتب 9 – 10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق