حال كتاب الملوك و عموم أدباء زمانه
أ ـ افتقار
هم للعلم والأدب
قال : فأبعد غايات
كاتبنا في كتابته أن يكون حسن الخط قويم الحروف
وأعلى منازل أديبنا أن
يقول من الشعر أُبُيّاتا[1] في مدح قَيْنَةٍ أو وصف كأس
وأرفع درجات لطيفنا أن
يطالع شيئا من تقويم الكواكب، وينظر في شيء من القضاء وحد المنطق .اهـ[2]
يحكي – رحمه الله –
حال أدباء زمانه و كتابه، و هو لا يختلف عمّن تسمى بالأديب في هذا الزمان، وقد
حضرت - مضطرا -محاضرات و مداخلات لبعضهم فهالني جهلهم بأدنى لسان العرب، فضلا عن
كلامهم البليغ و أيامهم و أنسابهم
القينة : الأمة أو المغنية
قال الجواليقي : القينة : الأمة مغنية كانت أو غير مغنية ... واشتقاقها من
قانت المرأة الجارية إذا زينتها والماشطة تدعى المقينة، وقال ابن كيسان : إنما
سميت قينة لأنها تعمل بيدها مع غنائها، وكل صانع بيده قين إلا الكاتب، ثم سمّيت
الأمَة وإن لم تكن صانعة قينة، ثم قيل للمغنية وإن لم تكن أمة قينة إذا كان الغناء
صناعة لأن ذلك من عمل الإماء دون الحرائر .اهـ[3]
الكأس : قدح به خمر :
قال الجواليقي : الكأس : القدح فيه الخمر فإن لم يكن فيه خمر فهو
قدح ...وذكر قوم إن الكأس الشراب بعينه .اهـ[4]
اللطيف : الغواص بفكره في قضايا مختلفة
قال الجواليقي : واللطيف
يريد به الدقيق الفكر من الناس الذي يغوص على المعاني ويعني به المتفلسف والمنجم
لدقة نظرهما ولطف فهمهما .اهـ[5]
تقويم الكواكب : ما
يعرف اليوم بعلم الفلك
قال الجواليقي : وتقويم الكواكب حساب سيرها وحركاتها ... والكوكب النجم
.اهـ[6]
هذا هو معنى الكوكب :
النجم، والنجم جسم نوراني، أما الصخور المزعومة في العلم الحديث، فمن ضلالات هذا
الزمان
وقال : والقضاء يريد به أحكام النجوم ههنا .اهـ[7]
حد المنطق : صناعته و
هو علم القياسات والحدود أي التعريفات الجامعة المانعة[8] التي لا تفيد علما
زائدا غير التطويل
وليس قصد ابن قتيبة
التزهيد فيما ذكر، بل أن يكون ذلك غايته و مبلغه من العلم
قال الجواليقي : وإنما
ذكر ذلك منكرا على من اقتصر من الكتّاب على حسن الخط دون غيره، و رأى أنه قد تناهى
في الكمال إذا كان حسن الخط ولم يقصد إلى عيب حسن الخط، فإن ذلك محمود بالجملة وقد
جاءت في الخط والقلم آثار ... وقيل حسن الخط إحدى البلاغتين ورداءته إحدى الزمانتين، وأنكر
أيضاً على من رضى من الأدباء يقتصر من الآدب على أن يقول من الشعر أبياتا في مدح
قينة أو وصف كأس، وَ قَنَع بهذه المنزلة، و كان ذلك أفضل ما فيه، وليست هذه مرتبة
العلماء فأما من كان عالما وانضم الى علمه طبع في قول الشعر فليس هذا الطعن متعلقا
.اهـ[9]
وقال البطليوسي : يريد أن الكاتب ينبغي أن تكون له مشاركة في
جميع المعارف لأنه يشاهد مجالس الملوك، التي يحضرها خواص الناس وعلماؤهم،
ويتحاورون فيها، في أنواع المحاورة، وأصناف المذاكرة، فلشدة زهادة الناس في العلم
ورغبتهم عنه، قد صارت غاية الكاتب أن يحسن الخط، ويقيم حروف الكتابة فإذا صار في
هذه المرتبة، زها بنفسه، وظن أنه فاق أبناء جنسه .اهـ[10]
وقال : يريد: أن الأدب له غرضان :
أحدهما :
يقال له الغرض الأدنى
و الثاني :
الغرض الأعلى
فالغرض الأدنى : أن يحصل للمتأدب بالنظر في الأدب والتمهر فيه قوة يقدر بها على النظم
والنثر.
والغرض الأعلى :
أن يحصل للمتأدب قوة على فهم كتاب الله
تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويعلم كيف تبنى الألفاظ الواردة في القرآن والحديث بعضها على
بعض، حتى تستنبط منها الأحكام، وتفرع الفروع، وتنتج النتائج، وتقرن القرائن، على
ما تقتضيه مباني كلام العرب ومجازاتها، كما يفعل أصحاب الأصول[11].
وفي الأدب لمن حصّل في هذه المرتبة منه أعظمُ
معونة على فهم علم الكلام، وكثير من العلوم النظرية.
فقد زهد الناس في علم الأدب، وجهلوا قدر
الفائدة الحاصلة منه، حتى ظن المتأدب أن أقصى غاياته أن يقول أبياتا من الشعر.
والشعر عند العلماء أدنى مراتب الأدب، لأنه
باطل يـُجلى في معرض حقـ وكذب يصور بصورة صدق. وهذا الذمّ إنما يتعلق بمن ظن صناعة
الشعر غاية الفضل، وأفضل حُلى أَهْلِ النُّبْل[12]، فأما من كان الشعر بعض حلاه، وكانت له
فضائل سواه، ولم يتخذه مكسباً وصناعة، ولم يرضه لنفسه حرفة وبضاعة، فإنه زائد في
جلالة قدره، ونباهة ذكره .اهـ[13]
وقال ابن قتيبة : فإني
رأيت كثيرا من كتاب (أهل[14]) زماننا كسائر أهله [ عموم الناس ] قد استطابوا الدَّعَة[15] واستوطؤوا مركب العجز[16]، وأعفوا أنفسهم من كدّ النظر، وقلوبهم من
تعب التفكر، حين نالوا الدرك
بغير سبب، وبلغوا البغية بغير آلة[17]، و [ قد[18] ] لعمري كان ذاك، فأين همة النفس ؟ وأين الأنفة[19] من مجانسة البهائم ؟
.اهـ[20]
[1] تصغير أَبْيات
[2] أدب الكاتب ص: 10
[3] شرح الجواليقي ص: 20
[4] شرح الجواليقي
ص: 20 – 21
[5] شرح الجواليقي
ص: 21
[6] شرح الجواليقي ص:
21
[7] شرح الجواليقي
ص: 22
[8] شرح الجواليقي
ص: 22
[9] أدب الكاتب ص: 19 – 20
[10] الاقتضاب ص: 1 / 49
[11] أصول الفقه، وهو مبني على ركنين : الأول : الأدلة، و الآخر :
دلالات الألفاظ، والغرض كيف تستنبط الأحكام و المعاني من كلام الله ورسوله
[12] أفضل ما يتحلى به النبلاء
[13] الاقتضاب 1 / 49 – 50
[14] لم يذكرها الجواليقي
ص: 35
[15] قال الجواليقي : والدعة الراحة والخفض في العيش، وفاؤها محذوفة وهي واو الفعل
منها، ودع يودع دعة فهو وادع واتدع تدعة وتدعة فهو متدع .اهـ ص: 37
[16] قال الجواليقي : وجدوه وطيئا، لا تعب فيه وهو "استفعلوا" من
الشيء الوطيء، وهو اللين الوثير .اهـ ص:
37
[17] المقصود طلب العلم الذي
تنال به صفة العام أو الأديب لا المحبرة ونحوها قال الجواليقي : والآلة الأداة، والمراد به ما يحتاج إليه الكاتب من العلم
الذي به تتم كتابته كأداة الصانع التي بها تظهر صناعته .اهـ ص: 37
[18] شرح الجواليقي ص: 36
[19] الاستنكاف
[20] أدب الكاتب ص: 12
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق