الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 08
✍بوعلام محمد
بجاوي
ويمكن أن يُقال : موضوع الكتاب في
الجملة هو : زاد المتكلم من :
أولا : القواعد
ثانيا : النصوص العربية
ثالثا : الهيئة
رابعا : تراجم البلغاء والأدباء
خامسا : أخبار الخلفاء والدول (التاريخ)
فالمتكلم يحتاج :
* لمعرفة شروط البلاغة أو الكلام البليغ
وهي أوصاف الكلام
البليغ وما يشينه، وهي موزعة على أجزاء الكتاب الثلاثة[1]
وهي ترجع إلى المعاني (التركيب)–
وهو الغالب – و منها ما يرجع إلى الألفاظ (اللفظ المفرد)
ذكر الجاحظ جملة من تعاريف "البلاغة" عند مختلف الأمم، والمذكور في التعاريف هو
صفات الكلام البليغ وجودا و نفيا، ما يجب أن يراعى و ما يجب أن يُجتنب
من ذلك :
قال الجاحظ : قال لي [ أبو عبد الله محمد بن زياد ] ابن
الأعرابي ( ت : 231 ) : قال لي [ أبو العباس ] المفضل بن محمد الضّبـِّي ( ت : 168 ) : قلت لأعرابي منّا : ما البلاغة ؟ قال لي : الإيجاز في غير
عجز، والإطناب في غير خطل.
قال ابن الأعرابي : فقلت للمفضل : ما الإيجاز عندك ؟ قال : حذف الفضول، وتقريب
البعيد .اهـ[2]
المقصود : الإيجاز المقصود لا لعيّ عن الكلام، و هو الاقتصار
على ما يحصل به المطلوب و هو الإفهام، فإذا كان المعنى ظاهرا فيكتفى فيه بقليل
الكلام، وقد يستدعي المقام الإيجاز حتى لا تفوت المصلحة من الكلام، و الإطناب إذا
احتاج الإفهام له لحال السامع، أو لحال المعنى، وهو المعنى الصعب الدقيق، ويندرج
هذا في مُشاكلة اللفظ للمعنى، ويأتي قريبا نقل كلام "الجاحظ" من كتاب "الحيوان"
قوله "في
غير خطل" : لأن غالبا ما يكون الخطل – و هو
فساد المنطق أو اللغو – مع الإطناب
وبوّب له ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله ( ت : 463 ) في "بهجة
الـمَــجالس و أُنس الـمُـجالس وشحذ الذاهن والهاجس" : باب العيّ وحشو الكلام .اهـ[3]
و في كلامه عن "العي" جرّه ذكر بيت ابن حريز في
فضل "إياد" إلى أن يسند إليه كلاما في شرط "الخطابة"
الأول : "تلخيص المعاني رفق. والاستعانة بالغريب عجز، والتشادق[4] من
غير أهل البادية بغض، والنظر في عيون الناس عيّ، ومسّ اللحية هلك، والخروج مما بني
عليه أول الكلام إسهاب"
الآخر : رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحُلِيُّها الإعراب، وبهاؤها تخيّر الألفاظ. والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه .اهـ[5]
قوله "والاستعانة بالغريب عجز" يرجع إلى الألفاظ
وقال في موضع آخر : وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عاميا وساقطا سوقيا،
فكذلك لا ينبغي أن يكون غريبا
وحشيا، إلا أن يكون المتكلم بدويا أعرابيا، فإن الوحشيّ من الكلام يفهمه الوحشي
من الناس، كما يفهم السوقيّ رطانة السوقيّ، وكلام الناس في طبقات كما أن الناس
أنفسهم في طبقات، فمن الكلام الجزل والسخيف، والمليح والحسن، والقبيح والسمج،
والخفيف والثقيل، وكله عربي، وبكلّ قد تكلموا، وبكلّ قد تمادحوا وتعايبوا .اهـ[6]
الغريب : غير المستعمل إلا ناذرا
الوحشي : اللفظ المتنافر الحروف أو
الكلمات المتنافرة في التراكيب والجمل
قال عن الأصمعي أبي سعيد عبد الملك بن قريب ( ت : 216 ) : ومن
ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر، وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها
إلا ببعض الاستكراه. فمن ذلك قول الشاعر:
وقبر حرب بمكان
قفر 🍋 وليس قرب قبر حرب قبر
...
ثم قال الجاحظ : فهذا في اقتران الألفاظ.
فأما في اقتران الحروف : فإن الجيم لا تقارن الظاء ولا القاف ولا الطاء ولا
الغين، بتقديم ولا بتأخير. والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال
بتقديم ولا بتأخير.
وهذا باب كبير. وقد يكتفي بذكر القليل حتى يستدل به على الغاية التي إليها
يجري .اهـ[7]
و ذكر أنه قد يحتاج لـ
"اللفظ السخيف" كما يحتاج لـ "المعنى السخيف"، أي أن تكون
البلاغة في استعمال اللفظ السخيف
قال : إلا أني أزعم أن سخيف الألفاظ مُشاكل لسخيف المعاني. وقد يحتاج إلى السخيف
في بعض المواضع، وربما أمتع بأكثر من امتاع الجزل الفخم من الألفاظ، والشريف
الكريم من المعاني .اهـ[8]
يفسره قوله في كتاب "الحيوان" : وقد بقيت - أبقاك الله تعالى- أبواب توجب الإطالة، وتحوج إلى الإطناب، وليس
بإطالة ما لم يجاوز مقدار الحاجة، و وقف عند منتهى البغية. وإنما الألفاظ على
أقدار المعاني، فكثيرها لكثيرها، وقليلها لقليلها، وشريفها لشريفها، وسخيفها
لسخيفها، والمعاني المصغرة البائنة بصورها وجهاتها تحتاج من الألفاظ إلى أقل ما
تحتاج إليه المعاني المشتركة والجهات الملتبسة .اهـ[9]
وهذا الكلام الذي
أشرنا إليه في "الإيجاز
والإطناب"
وقاعدة الألفاظ
والمعاني : أن يكون اللفظ بحسب المعنى
قال : وقال بعضهم- وهو أحسن ما اجتبيناه ودوناه- لا يكون الكلام يستحق اسم
البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه
إلى قلبك .اهـ[10]
ومقصوده بـ "الاستكراه" : التكلف الزائد، ويقابله موافقة الطبع، ويأتي الكلام عنه في "معرفة الهيئة التي ينبغي أن يكون عليها المتكلم"
ومن شروط البلاغة
مراعاة حال المستمعين
قال عن بشر بن المعتمر : ويجب
على المتكلم أن يوازن بين المعاني وأقدار المستمعين وأقدار الحالات فيجعل لكل طبقة
من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما .اهـ[11]
وليس معنى هذا ترك
البلاغة والفصاحة
حكى عن بشر بن المعتمر : وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة، مع
موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال، وكذلك اللفظ العامي و الخاصيّ. فإن
أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك، ولطف مداخلك، واقتدارك على نفسك، إلى أن
تفهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسطة التي لا تلطف عن الدهماء، ولا
تجفو عن الأكفاء، فأنت البليغ التام .اهـ[12]
و في "باب من الأسجاع في الكلام[13]" و "باب ما قالوا فيه من الحديث الحسن الموجز
المحذوف، القليل الفضول[14]" اقتصر على نقل
النصوص، فهو داخل في هذا الباب بالإشارة، و إن كان قد اقتصر على نقل النصوص
و كذا في كلامه عن "الصمت[15]" ذكر :
"من القول في المعاني الظاهرة باللفظ الموجز من ملتقطات
كلام الناس[16]"
"وقالوا في حسن البيان، وفي التخلّص من الخصم بالحقّ
والباطل، وفي تخليص الحق من الباطل، وفي الإقرار بالحق، وفي ترك الفخر بالباطل[17]"
وفي تسمية كتابه
"البيان والتبين" أن أصل البلاغة
"البيان"، فكلما كان قصد المتكلم
واضحا بيّنا في كلامه كان أبلغ، مع مراعاة الفصاحة في اللفظ، وقد فصّل ذلك في باب
"البيان" الذي ذكره قبل "البلاغة"
قال – وسبق نقله – : وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكون إظهار المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع.
والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عزّ وجلّ يمدحه، ويدعو إليه ويحث عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم .اهـ[18]
والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عزّ وجلّ يمدحه، ويدعو إليه ويحث عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم .اهـ[18]
والمقصود : التمثيل لا حصر كلامه حول "البلاغة والفصاحة"،ويأتي الكلام عن البلاغة في تعريف الأدب
**********
[1] يأتي الكلام عن تجزئة الجاحظ لكتابه
[2] البيان
والتبين 1 / 97
[3] بهجة الـمَــجالس و
أُنس الـمُـجالس 1 / 60
[4] قال الجوهري : الشدق : جانب الفم ... و المتشدق : الذى يلوي شدقه للتفصح. اهـ الصحاح 4 / 1500
[5] البيان والتبين 1 / 44 . وسبق ذكره في الكلام عن الاستطراد
[6] البيان والتبين 1 / 144
[7] البيان والتبين 1 / 65 ، 69
[8] البيان والتبين 1 / 145
[9] الحيوان 6 / 322
[10] البيان والتبين 1 / 115
[11] البيان والتبين 1 / 138 - 139
[12] البيان والتبين 1 / 136
[13] البيان والتبين 1 / 284 ، 297
[14] البيان والتبين 1 / 276
[15] البيان والتبين 1 / 194
[16] البيان والتبين 1
/ 210
[17] البيان والتبين 1 / 212
[18] البيان والتبين 1 / 75
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق