الأربعاء، 23 يناير 2019

حفظ السنة 05

حفظ السنة 5
حفظ السنة
05

بوعلام محمد بجاوي




الخلاصة :
الحديثان في النهي عن كتابة السنة : لا يثبتان
الأول : حديث أبي سعيد، وإن كان في صحيح مسلم فقد أعلّ بالوقف، وهو مشهور عن أبي سعيد الخدري قوله
الآخر : حديث زيد بن ثابت عند أبي داود فيه راو ضعيف وانقطاع
النهي مُعارَضٌ بأحاديث في جواز كتابة السنة والعلم، فيكون منسوخا
قال ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك ( ت : 449 ) : في آثار هذا الباب إباحة كتابة العلم وتقييده، ألا ترى أن الرسول أمر بكتابه ؟ فقال تمت : اكتبوا لأبي فلان ، وقد كتب على الصحيفة التي قرنها بسيفه، وكتب عبد الله بن عمرو. اهـ[1]
وقال : والقول الأول أولى للآثار الثابته بكتابة العلم. اهـ[2]
قال الخطابي أبو سليمان حمد بن محمد ( ت : 388 ) : وفي قوله : "اكتب لي يا رسول الله"، وأمره بأن يكتب له دليل على أن كتابة الحديث غير مكروهة، وأن النهي عن كتاب شيء غير القرآن منسوخ .اهـ[3]
واستدل ابن بطال بكتابة القرآن
قال : ومن الحجة لذلك أيضا : ما اتفقوا عليه من كتاب المصحف الذى هو أصل العلم، فكتبته الصحابة في الصحف التي جمع منها المصحف، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون الوحي. اهـ[4]
و حمل ابن عدي أبو أحمد عبد الله بن عدي ( ت : 365 ) النهي على أول الإسلام لما  كان عدد الأحاديث قليلا ثم استأذن الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة بعد كثرة الأحاديث، فأذن لهم  
بوّب ابن عدي لأحاديث النهي بـ : من كان يأخذ منهم بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره حفظا عند قصر الإسناد. اهـ[5]
و بوّب لأحاديث الإباحة بـ : استئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبوا عنه، وإذنه لهم لما كثر .اهـ[6]
وقيل في توجيه النهي بحمله على :
*الجمع بين القرآن والسنة في صحيفة واحدة
قال الخطابي : يشبه أن يكون النهي متقدما وآخر الأمرين الإباحة، وقد قيل أنه إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط به ويشتبه على القارئ فأما أن يكون نفس الكتاب محظورا وتقييد العلم بالخط منهياً عنه فلا .اهـ[7]
*النهي لمن يحفظ دون من لا يحفظ
*النهي في أول الأمر لما خيف من الاختلاط بالقرآن
قال البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين ( ت : 458 ) : وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن في الكتابة عنه ولعله – إن شاء الله – :
أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه
أو نهى عن الكتابة عنه من خاف عليهم الاختلاط وأذن في الكتابة عنه حين أمن منه .اهـ[8]
استقرّ أمر الأمة على جواز كتابة السنة والعلم
قال القاضي عياض بن موسى اليحصبي ( ت : 544 ) : بين السلف اختلاف كبير في كتابة العلم من الصحابة والتابعين، فكرهه كثير منهم، وأجازه الأكثر، ثم وقع بعد الاتفاق على جوازه لما جاء عنه عليه السلام من إذنه لعبد الله بن عمرو في الكتاب .اهـ[9]
قال ابن حجر العسقلاني أبو الفضل أحمد بن علي ( ت : 852 ) في شرح ترجمة الباب "باب كتابة العلم" : طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال، وهذه الترجمة من ذلك لأن السلف اختلفوا في ذلك عملا وتركا وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لايبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم .اهـ[10]
والعادة أن لا يكون إجماع بعد خلاف إلا :
حيث يكون الدليل قويا ظاهرا : قد خفي على بعض الصحابة، كما في وجوب الغزل بالجماع وإن لم يكن إنزال، خفي على بعض الصحابة نسخ "إنما الماء من الماء"
أو تدعو الحاجة والضرورة لما طرأ على الأمة – وهي هنا حفظ السنة – إلى المصير إلى أحد القولين
و نهي النبي صلى الله عليه وسلم – لو كان محفوظا – و الصحابة  عن كتابة العلم والحديث ليس تعبدا، و الظاهر أنه يرجع إلى 
أولا : وجود المانع، وهو :
*مضاهاة القرآن
*الاتكال على الكتابة و ترك الحفظ
قال ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله ( ت : 463 ) : من كره كتاب العلم، إنما كرهه لوجهين :
أحدهما : ألا يتخذ مع القرآن كتاب يضاهى به
ثانيهما : و لئلا يتكل الكاتب على ما كتب فلا يحفظ فيقل الحفظ .اهــ[11]
وقال ابن بطال : وقد كره قوم كتابة العلم، واعتلوا بأن كتابة العلم سبب لضياع الحفظ. اهـ[12]
و قال القاضي عياض : فمنعه :
لما جاء من النهى عنه.
ومخافة الاتكال على الكتاب وترك الحفظ.
و لئلا يكتب شيء مع القرآن. اهـ[13]
* الاشتغال بالسنة عن القرآن
قال الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي ( ت : 463 ) : فقد ثبت أن كراهة من كره الكتاب من الصدر الأول إنما هي :
لئلا يضاهى بكتاب الله تعالى غيره
أو يشتغل عن القرآن بسواه ...اهـ[14]
*الاختلاط بالقرآن : و هو غير المضاهاة
قال الخطيب : ونهي عن كتب العلم في صدر الإسلام وجدته لقلة الفقهاء في ذلك الوقت والمميزين بين الوحي وغيره لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن.اهـ[15]


[1] شرح صحيح البخاري 1 / 187
[2] شرح صحيح البخاري 1 / 188
[3] أعلام الحديث ( شرح صحيح البخاري ) 1 / 216
[4] شرح صحيح البخاري 1 / 188
[5] الكامل في 1 / 96
[6] الكامل في الضعفاء 1 / 97
[7] معالم السنن ( شرح سنن أبي داود )  و المعلم بفوائد مسلم – لخص كلام الخطابي – 3 / 385
[8] المدخل إلى السنن الكبرى 2 / 385
[9] إكمال المعلم بفوائد مسلم 8 / 553 – 554 و 4 / 474
[10] فتح الباري شرح صحيح البخاري 1 / 204
[11] جامع بيان العلم وفضله 1 / 292 – 293
[12] شرح صحيح البخاري 1 / 187 – 188
[13] إكمال المعلم بفوائد مسلم 8 / 553
[14] تقييد العلم  57
[15] تقييد العلم 57

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق