الأحد، 23 ديسمبر 2018

حفظ السنة 01

حفظ السنة 1
حفظ السنة
01

بوعلام محمد بجاوي
قال المعلمي عبد الرحمن بن يحيى ( ت : 1386 ) : كل من علم : 
*أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء 
*و أن شريعته خاتمة الشرائع 
*و أن سعادة المعاش والحياة الأبدية في اتباعه
يعلم أن الناس أحوج إلى حفظ "السنة" منهم إلى الطعام والشراب .اهـ[1]
فقبل الكلام عن "حجية السنة" لا بدّ من بيان و إثبات حفظ الله تعالى لها، لأنه لا معنى لكونها حُجَّة إذا لم تكن محفوظة كـ "القرآن"، و جلّ الشبهات التي يوردها ويذكرها المبتدعة وأعداء السنة وأعداء الدين مرضّها إلى هذا الأصل، الذي يجب أن يكون مسلّما بين المسلمين عالمهم و عامّيّهم، فالله عزّ وجلّ حفظ سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم كما حفظ كتابه العزيز، بل لا يكون "الكتاب" محفوظا دون حفظ السنة، لأنها المبيّنة لمعانيه، إما صارفة لظاهره أو مفسّرة ومبيّنة لمجمله أو ناسخة لنصه – على خلاف بين أهل العلم في نسخ "الكتاب" بـ "السنة" –، فـ "القرآن" ليس نظما يقرأ و يتبرك ويتعبّد بتلاوته فقط، بل هو تشريع للناس، وبيان للأوامر و النواهي، فما فائدة "القرآن" إذا لم يكن مبيّنا ومعربا عن مراد المتكلم به، و"السنة" هي التي بيّنت صفة الركن الأعظم "الصلاة" و "الحج" و أحكام "الزكاة" و غيرها من الأحكام و العبادات، و في هذا تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم في كون فهم "القرآن" لا ينال دون الرجوع "السنة"، و لو شاء الله لكفى بـ "القرآن
قال المعلمي : فأما "السنة" فقد تكفّل الله بحفظها أيضا، لأنّ تكفّله بحفظ القرآن يستلزم تكفلّه بحفظ بيانه – وهو الـ "السنة" – و حفظ لسانه – و هو العربية – إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأنّ محمدا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، بل دلّ على ذلك قوله {  ثمّ إنّ علينا بيانه } .اهـ[2]
و في هذا المعنى يقول الشافعي محمد بن إدريس ( ت : 204 ) : و العلم بذلك [ لسان العرب ] عند العرب كالعلم بـ "السنة" عند أهل الفقه، لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرّق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم ما ذهب عليه منها كان موجودا عند غيره .اهـ[3]
وحفظ الله تعالى سنة نبيّه إنما كان بصحابة نبيّه صلى الله عليه وسلم الذين رووا أقواله و أفعاله وتقريراته و صفاته الخِلقيّة والخُلُقيّة، وبمن بعدهم من التابعين و اتباعهم الذين أخذوا "السنة" عمن أدركوا، فحفظوها في صدورهم و في كتبهم كما حفظوها من كلّ دخيل ما ينسب إلى السنة وليس منها كان عن خطأ أو عن عمد
و حفظ "السنة" من جهتين، الجمع و التمحيص
الجهة الأولى : الجمع 
أي جمع كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقيّة أو خُلُقيّة، وهذا الجمع مرّ بمرحلتين :
المرحلة الأولى : الجمع في الصدور
كانت "السنة" النبويّة في بادئ الأمر غالبها في صدور الرجال الذين حباهم الله تعالى سرعة وإتقان الحفظ، فاستغنوا بذلك عن الكتابة إلا ناذرا 
قال ابن رجب أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد ( ت : 795 ) : اعلم أن العلم المتلقّي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله، كان الصحابة رضي الله عنهم في زمن نبيه صلى الله عليه وسلم يتداولونه بينهم حفظا ورواية، ومنهم من كان يكتب – كما تقدم - في كتاب العلم - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما[4] – ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان بعض الصحابة يرخّص في كتابة العلم، وبعضهم لا يرخّص في ذلك، ودرج التابعون أيضا على مثل هذا الخلاف...والذي كان يكتب في زمن الصحابة والتابعين لم يكن تصنيفا مرتّبا مبوّبا، إنما كان يكتب للحفظ والمراجعة فقط .اهـ[5]

فالحاصل : أن الغالب في أوّل الأمر هو الاعتماد على الصدر وما كان يكتب فليس بتصنيف و لا تدوين، وإنما الكتابة للمراجعة و المحافظة على ما في الصدور، و ساعدهم على ذلك – الاستغناء عن التدوين – وجود أهل الحفظ والإتقان والعدالة، فما يُروى عن أهل الحديث من سعة حفظهم وقوّة استحضارهم لولا ثقة الناقلين لما كان للعقول سبيل إلى تعقله و التسليم به
قال المعلّمي : ومن طالع تراجم أئمّة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبّر ما آتاهم الله تعالى من قوّة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجدّ والنشاط و التشمير لحفظ السنة و حياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفّل الله بحفظ دينه .اهـ[6]
الهامــــــــــــش
[1] علم الرجال وأهميته ص : 16 
[2] الأنوار الكاشفة ص : 33 
[3] الرسالة ص 17 – ط : الوفاء
[4] يأتي
[5] شرح علل الترمذي 1 / 341 
[6] الأنوار الكاشفة ص : 33 – 34

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق