يستحضر
نسبة سخط الله و نعيم الدنيا إلى رضوان الله و نعيم الآخرة
و بعبارة أخرى
"يستحضر شرف الحق و ضعة الباطل".
فكيف
يؤثر سخط الله و عذاب الآخرة على رضوان الله و نعيم الدنيا بتعصبه للباطل أو تمسكه
به خوفا على زوال مصالح دنيوية أو تضييق
قال المعلمي
: هذه أمور ينبغي للإنسان أن يقدم التفكير فيها ويجعلها
نصب عينيه :
التفكير
في شرف الحق وضعة الباطل : و ذلك بأن يفكر في عظمة الله عزّ وجلّ و أنه رب
العالمين، و أنه سبحانه يحب الحق و يكره الباطل، و أن من اتّبع الحق استحق رضوان
رب العالمين، فكان سبحانه وليه في الدنيا و الآخرة، بأن يختار له كل ما يعلمه خيرا
له وأفضل و أنفع و أكمل وأشرف وأرفع حتى يتوفاه راضيا مرضيا، فيرفعه إليه ويقربه
لديه، ويحله في جوار ربه مكرما منعما في النعيم المقيم، و الشرف الخالد الذي لا
تبلغ الأوهام عظمته، و أن من أخلد إلى الباطل استحق سخط رب العالمين و غضبه و
عقابه، فإن آتاه شيئا من نعيم الدنيا فإنما ذلك لهوانه عليه ليزيده بعدا عنه، و
ليضاعف له عذاب الآخرة الأليم الخالد الذي لا تبلغ الأوهام شدته .اهـ[1]
و قال : يفكر في نسبة نعيم الدنيا إلى رضوان رب
العالمين ونعيم الآخرة، ونسبة بؤس الدنيا إلى سخط رب العالمين وعذاب الآخرة، و
يتدبر قول الله عزّ وجلّ } وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم . أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون.
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة
ومعارج عليها يظهرون. ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون. وزخرفا وإن كل ذلك لما
متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين { [ الزخرف : 31 - 35 ] و يفهم من ذلك أنه لولا أن يكون الناس أمة
واحدة لابتلى الله المؤمنين بما لم تجر به العادة من شدة الفقر و الضر و الخوف و
الحزن و غير ذلك، و حسبك أن الله عزّ وجلّ ابتلى أنبيائه وأصفيائه بأنواع البلاء...
فتدبّر هذا كله لتعلم حق العلم ما نتنافس فيه و نتهالك
عليه من نعيم الدنيا و جاهها ليس هو بشيء في جانب رضوان الله عزّ وجلّ و النعيم
الدائم في جواره، و أن ما نفرّ منه من بؤس الدنيا و مكارهها ليس في جانب سخط الله عزّ
وجلّ غضبه و الخلود في عذاب جهنم، و في "الصحيح" [ مسلم 2807 ] من
حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بأنعم أهل الدنيا من
أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار ثم يقال له : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟
هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب، ويؤتى بأشد ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا
من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا أبن آدم هل رأيت بؤسا قط وهل مر بك
شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط.
.اهـ[2]
و قال : يتدبر ما يرجى لمؤثر الحق من رضوان رب العالمين،
و حسن عنايته في الدنيا و الفوز العظيم الدائم في الآخرة، و ما يستحقه متبع الهوى
من سخطه عزّ وجلّ و المقت في الدنيا و العذاب الأليم الخالد في الآخرة، و هل يرضى
عاقل لنفسه أن يشتري لذة إتباع هواه بفوات حسن عناية رب العالمين و حرمان رضوانه و
القرب منه والزلفى عنده و النعيم العظيم في جواره، و باستحقاق مقته وسخطه وغضبه
وعذابه الأليم الخالد ؟ لا ينبغي أن يقع هذا حتى من اقل الناس عقلا، سواء أكان
مؤمنا موقنا بهذه النتيجة، أم ظانا لها، أم شاكا فيها، أم ظانا لعدمها، فإن هذين
يحتاطان، و كما أن ذلك الاشتراء متحقق ممن يعرف أنه متبع هواه، فكذلك من يسامح
نفسه فلا يناقشها و لا يحتاط .اهـ[3]
- مَنْ ترك الحق لأجلهم لن يحملوا عنه أوزاه يوم القيامة
بل يتبرؤون
منه يوم القيامة، كما قال تعالى واصفا حال من آثرا التعصب للمخلوق على الحق يوم
القيامة } وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ
اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ . إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ . وَقَالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ ومَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ { [ البقرة 165 – 167 ]
و الآيات في هذا كبيرة .
و قد يكون من يقلدهم معذورين بجهلهم الحق
- يستحضر أنه ليس هو و من يعظمهم بأولى بالحق من غيره
يتساءل
لماذا ما أنا و جماعتي عليه هو الحق و ما عليه الآخر هو الباطل، فلو كان الاعتقاد
السابق حجة لكان الحق متعددا فجميع المختلفين يحتجون بدين النشأة، فيدفعه هذا إلى
البحث عن الحق خيفة أن يكون مقصرا فيستحق العذاب
قال
المعلمي : يستحضر أنه على فرض أن يكون فيما نشأ يه باطل، لا يخلوا عن أن يكون قد سلف
منه تقصير أولا .
فعلى الأول : إن
استمرّ على ذلك كان مستمرا على النقص ومصرا عليه و مزدادا منه و ذلك هو نقص الأبد
وهلاكه، وإن نظر فتبين له الحق فرجع إليه حاز الكمال و ذهبت عنه معرة النقص
السابق، فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له...
و أما الثاني [ يأتي في التالي ] : و هو
أن لا يكون قد سبق منه تقصير فلا يلزمه بما تقدم منه نقص يعاب به ألبتة، بل المدار
على حاله بعد أن ينبه، فإن تدبر وتنبه وعرف الحق فاتبعه فقد فاز، و كذلك إن اشتبه
عليه الأمر فاحتاط، وإن أعرض و نفر فذلك هو الهلاك .اهـ[4]
[1] التنكيل 2 / 190 -
القائد
[2] التنكيل 2 / 190 ،
193 – القائد
[3] التنكيل 2 / 199 -
200 - القائد
[4] التنكيل 2 / 199 -
القائد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق