الأربعاء، 8 أغسطس 2018

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 02

الرياض الزهرات في شرح البردة والمعلقات 02
الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات
02

بوعلام محمد بجاوي

و لا يمكن للمعنى الشريف أن تُلْتَمس له الألفاظ الشريفة إلا من عارف وعالم بها، و به يكون التفاضل بين الناس
قال الطبري أبو جعفر محمد بن جرير ( ت : 310 ) : إن من أعظم نعم الله – تعالى ذكره – على عباده، وجسيم منّته على خلقه، ما منحهم من فضل البيان الذي به عن ضمائر صدورهم يُبيِّنون، وبه على عزائم نفوسهم يدلّون، فذلّل به منهم الألسن وسهّل به عليهم المستصعب، فبه إياه يوحدون، وإياه به يسبحون ويقدسون، وإلى حاجاتهم به يتوصلون، وبه بينهم يتحاورون، فيتعارفون ويتعاملون.
ثم جعلهم – جل ذكره - فيما منحهم من ذلك طبقات، ورفع بعضهم فوق بعض درجات : فبين خطيب مسهب[1]، وذلق[2] اللسان مهذب[3]، ومفحَم[4] عن نفسه لا يبين، وعيّ عن ضمير قلبه لا يعبر. وجعل أعلاهم فيه رتبة، وأرفعهم فيه درجة، أبلغهم فيما أراد به بلاغا، وأبينهم عن نفسه به بيانا. ثم عرفهم في تنزيله ومحكم آي كتابه فضل ما حباهم به من البيان، على من فضلهم به عليه من ذي البكم والمستعجم اللسان فقال تعالى ذكره } أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين { [ سورة الزخرف : 18] . فقد وضح إذا لذوي الأفهام، وتبين لأولي الألباب أن فضل أهل البيان على أهل البكم والمستعجم اللسان بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه .اهـ[5]
   و طريق تحصيل هذه المرتبة الشريفة : النظر في كلام العرب قبل اختلاطهم بغيرهم نتيجة الفتوحات الإسلامية
كانوا من المولدين و هم الوافدون أو من البلديين[6] وهم أهل البلاد المفتوحة
قال الجاحظ : إنه ليس في الأرض كلام هو أمتع ولا آنق، ولا ألذّ في الأسماع، ولا أشدّ اتصالا بالعقول السليمة، ولا أفتق للسان، ولا أجود تقويما للبيان، من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء، والعلماء البلغاء. وقد أصاب القوم في عامة ما وصفوا .اهـ[7]
   ومن أسباب الانحراف عن الحق بعد الجهل بالشرع : الجهل بلغة العرب
قال ابن قتيبة عن الطاعنين في الشريعة : ولو أن هذا المعجب بنفسه، الزاري على الإسلام برأيه، نظر من جهة النظر لأحياه الله بنور الهدى وثلج اليقين، ولكنه طال عليه أن ينظر في علم الكتاب، وفي أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وفي علوم العرب ولغاتها وآدابها، فنصب لذلك وعاداه .اهـ[8]
و قال ابن جني أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي ( ت : 392 ) :
باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ولا وراءه من نهاية، وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها وحاد عن الطريقة المثلى إليها فإنما استهواه واستخفّ حِلمه ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها .اهـ[9]
لكن وضعه في غير محله، قال معللا : وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جارٍ على المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة .اهـ[10]
و مثل بآيات صفات الله تعالى، وتعليله بأن اللغة أكثرها مجاز ينافي "البيان" الذي هو المقصود، و به يوزن الكلام كما سبق
   لكن لا ينبغي التوسع فيه بأن يجعل مقصودا لذاته، و إنما يكتفي بما يحصل المقصود منه و هو تقويم اللسان و فهم معاني الكتاب و السنة
قال ابن رجب أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب ( ت : 795 ) : وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحوا هو مما يشغل عن العلم الأهم والوقوف معه يحرم علما نافعا، وقد كره القاسم بن مخيمرة[11] علم النحو وقال أوله شغل وآخره بغي. وأراد به التوسع فيه، ولذلك كره أحمد [ ابن حنبل ( ت : 241 ) ] التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيد [ القاسم بن سلام ( ت : 224 ) صاحب "الغريب" و "الأمثال" ] توسعه في ذلك، وقال : هو يشغل عما هو أهم منه.
ولهذا يقال أن العربية في الكلام كالملح في الطعام، يعني أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام، وما زاد على ذلك فإنه يفسده .اهـ[12]
فكما أن العلم لا يراد لذاته و إنما للعمل به فكذلك الأدب يراد للعلم
قال ابن حبان : وفضل العلم في غير خير مهلكة، كما أن كثرة الأدب في غير رضوان الله موبقة ، والعاقل لا يسعى في فنونه إلا بما أجدى عليه نفعا في الدارين معا .اهـ[13]
و قال : فيجب على العاقل أن يذكى قلبه بالأدب كما يذكى النار بالحطب لأن من لم يذك قلبه ران حتى يسود، ومن تعلم الأدب فلا يتخذه للمماراة عُدّة ولا للمباراة ملجأ، ولكن يقصد قصد الانتفاع بنفسه وليستعين به على ما يقربه إلى بارئه .اهـ[14]


[1] يطيل الكلام دون خطأ
[2] فصيح يسترسل في الكلام و لا يقطعه
[3] سريع
[4] المنقطع في المناظرة، لا يجد جوابا و الأقرب "معجم" لا "مفحم" و مقصوده ما بعده و هو قوله "عن نفسه لا يبين" و يأتي قول الطبري :... واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.
[5] تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن ) 1  / 8 – 9 – ط شاكر
[6] ويستعمل في معنى آخر
[7] البيان والتبين 1 / 145
[8] أدب الكاتب 7
[9] الخصائص 3 / 248
[10] الخصائص 3 / 250
[11] قال ابن أبي حاتم : القاسم بن مخيمرة الهمداني كوفى الأصل ،كان معلما بالكوفة ثم سكن الشام . اهـ الجرح والتعديل 7 / 120 توفي سنة 100 أو 101 تهذيب الكمال 23 / 744
[12] فضل علم السلف على علم الخلف 40 – ط العجمي
[13] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 1 / 185
[14] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 2 / 807

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق