النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 28
✍بوعلام محمد بجاوي
الحديث
الأول:
إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني
لأعرفه الآن.
المسألة الأولى: سند الحديث
مسلم 2 - (2277) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا
يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه
الآن
وهو في مصنف ابن أبي شيبة (33866)
أحمد (20828، 20893) الدارمي (20) وابن حبان (6482) ومداره على
يحيى بن أبي بكير، وأخرجه الطبراني وغيره من غير طريق يحيى بن أبي بكير، وهي غرائب
وأخرجه الترمذي (3624) حدثنا محمد بن بشار [بُندار] ومحمود
بن غيلان قالا: أخبرنا أبو داود الطيالسي حدثنا سليمان بن معاذ الضَّبِّي عن سماك
بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إن بمكة حجرا كان يسلم عليّ
ليالي بعثت، إني لأعرفه الآن. قال الترمذي
أبو عيسى محمد بن عيسى (ت: 279): هذا حديث حسن غريب.
وأخرجه أبو يعلى (7469) عن أحمد بن إبراهيم الدورقي عن أبي
داود
في هذ الطريق "ليالي بعثت" أي بعد بعثته، ويحتمل قريبا من
بعثته، ورواه البزار (4255) عن محمد بن بشار ولفظه: حين بعثت
قال ابن عدي أبو أحمد بن عدي الجرجاني (ت: 365): وهذا
حديث عن سماك عزيز، وقد رواه مع سليمان بن معاذ عن سماك: إبراهيم بن طهمان.
ولسليمان بن معاذ غير
هذا من الحديث، وأحاديثه متقاربة، ولم أر للمتقدمين فيه كلام، وفي بعض ما يرويه
مناكير، وعامة ما يرويه إنما يروي [ـه] عنه أبو داود الطيالسي، وهو بصري.اهـ[1]
المسألة الثانية: متن الحديث
يتضمن الحديث ثلاثة
معان
الأول:
تهيئة الله لرسوله رحمة به
أمانة النبوءة ليست
يسرة أو هينة، فيحتاج النبي إلى تهيئة وتمهيد لتحمل الرسالة، وعلى هذا المعنى يكون
التسليم بالنبوة "السلام عليك أيها النبي" أو ما في معناها
قال أبو العباس القرطبي: يعني: أنه كان يسلم عليه
بالنبوة والرسالة قبل أن يشافهه الملك بالرسالة.
ذكر العلماء بسيرة
النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله: أنه كان من لطف الله بنبيه صلى الله عليه وسلم
أن قدّم له مقدمات، وخصه ببشائر وكرامات، درجه بذلك إلى أطوار؛ لينقطع بذلك
عن مألوفات الأغمار، ويتأهل على تدريج؛ لقبول ما يلقى إليه، ولتسهيل مشافهة الملك
عليه، فكان صلى الله عليه وسلم يرى ضياء وأنوارا، ويسمع تسليما وكلاما، ولا يرى
أشخاصا، فيسمع الحجارة والشجر تناديه، ولا يرى أحدا يناجيه.اهـ[2]
الثاني: الجمادات تتكلم
لا يتصور كلام دون فم
ولسان؛ لأننا لا نعرف في المشاهد كلاما إلا بهما، وليس دليلا على عدم حدوثه
بغيرهما، وقد أخبر الله تعالى أن الجوارح تشهد على أصحابها يوم القيامة ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا
أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ
أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ
وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)﴾ [فصلت: 11 – 12]
قال أبو العباس القرطبي:
الصحيح من مذاهب أئمتنا: أن كلام الجمادات راجع إلى أن الله تعالى يخلق فيها
أصواتا مقطعة من غير مخارج، يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج
الفم، وذلك ممكن في نفسه... فقد أخبر بها الصادق، فيجب له التصديق. كيف لا، وقد
سمع من حضر تسبيح الحصى في كفه، وحنين الجذع والمسجد قد غَصّ بأهله.اهـ[3]
الأولى أن يقال تتكلم
كما في الوحيين، لا يخلق فيها أصواتا، كما نقول الإنسان يتكلم ولا نقول يخلق الله
فيه أصواتا، والله خالق كل شي، وقد قال تعالى عن الحجارة:
﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 74]
قال البغوي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 510) في تفسير آية البقرة: ﴿وَإِنَّ
مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ﴾ ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ وقلوبكم لا تلين ولا
تخشع يا معشر اليهود. فإن قيل: الحجر جماد لا يفهم، فكيف يخشى؟ قيل: الله يفهمه
ويلهمه فيخشى بإلهامه.
ومذهب أهل السنة
والجماعة أن لله تعالى علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل، لا يقف عليه
غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية... وذكر الآيات والأحاديث الآتي ذكرها، وختمها بـ
الأية التالية[4]:
ونحوها قوله تعالى ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ
خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾ [الحشر: 21]
استدلّ بها البغوي، لكن قال في
تفسيرها: قيل: لو جعل في الجبل تمييز وأنزل عليه القرآن لخشع وتشقق وتصدع من خشية
الله مع صلابته ورزانته حذرا من ألاّ يؤدي حق الله عزّ
وجلّ في تعظيم القرآن، والكافر
يعرض عما فيه من العبر كأن لم يسمعها يصفه بقساوة القلب.اهـ[5]
وهو
خلاف ما ذكر الطبري أبو جعفر محمد بن جرير (ت:
310) عن المفسرين، قال: يقول جل ثناؤه: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل -
وهو حجر - لرأيته يا محمد، خاشع، يقول: متذللا متصدعا من خشية الله على قساوته،
حذرا من ألا يؤدي حق الله المفترض في تعظيم القرآن، وقد أنزل على ابن آدم، وهو
بحقه مستخف، وعنه وعما فيه من العبر والذكر معرض، كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه
وقرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.اهـ[6]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق