✍بوعلام محمد بجاوي
رابعا: تسبيح الطعام
البخاري (3579) حدثني
محمد بن المثنى حدثنا أبو أحمد [محمد بن عبد الله] الزبيري
حدثنا إسرائيل [بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي] عن منصور [بن المعتمر] عن
إبراهيم [بن يزيد النخعي] عن علقمة [بن قيس النخعي] عن عبد الله [بن مسعود] قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها
تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلّ الماء، فقال
اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على
الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام
وهو يؤكل.
قال الطحاوي أبو جعفر أحمد
بن محمد بن سلامة (ت: 321):
فاحتمل قول عبد الله: "كنا
نعدها بركة، وأنتم تعدونها تخويفا" أي: إنا كنا نعدها بركة؛ لأنا نخاف
بها فنزداد إيمانا وعملا، فيكون ذلك لنا بركة. وأنتم تعدونها تخويفا، ولا تعملون
معها عملا يكون لكم به بركة، ولم يكن ما قال عبد الله رضي الله عنه عندنا مخالفا لما جاء به كتاب الله عزّ وجلّ من قول الله عزّ وجلّ [وما
نرسل بالآيات إلا تخويفا] [الإسراء: 59] أي: تخويفا لكم بها؛ لكي تزدادوا عملا
وإيمانا فيعود ذلك لكم بركة.اهـ[1]
الظاهر أن مراد ابن مسعود
بالآيات في كلامه غير ما في كلام الله تعالى في سورة الإسراء، يريد الكرامات التي
يكرم بها نبيه صلى
الله عليه وسلم
ومن شاء من أمته، وفي الآية مثل ما سلط الله على المشركين، الجراد، والقمل،
والضفادع، والزلازل والكسوف والخسوف، والله أعلم
قال ابن حجر أبو الفضل أحمد
بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852): قوله: (بركة وأنتم تعدونها تخويفا) الذي يظهر أنه أنكر
عليهم عد جميع الخوارق تخويفا، وإلا فليس جميع الخوارق بركة، فإن التحقيق يقتضي عد
بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل وبعضها بتخويف من الله
ككسوف الشمس والقمر، كما قال صلى
الله عليه وسلم:
إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده. وكأن القوم الذين
خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى: وما نرسل بالآيات إلا
تخويفا] [الإسراء: 59].اهـ[2]
وقال العيني أبو محمد محمود بن
أحمد (ت: 855):
قوله: (كنا
نعد الآيات)
وهي الأمور الخارقة للعادة. قوله: (وأنتم تعدونها تخويفا) أي: لأجل التخويف، فكأن
ابن مسعود أنكر عليهم عد جميع الآيات تخويفا، فإن بعضها يقتضي بركة من الله: كشبع
الخلق الكثير من الطعام القليل، وبعضها يقتضي تخويفا من الله: ككسوف الشمس والقمر.اهـ[3]
ويأتي الكلام عن نبع
الماء من بين أصابعه صلى
الله عليه وسلم
ومن الغرائب: ما أخرجه أبو الشيخ في العظمة (5/ 1726) حدثنا
أبو العباس [محمد بن أحمد بن سليمان] الهروي حدثنا مسلم بن حاتم [الأنصاري] حدثنا
أبو بكر [عبد الكبير بن عبد المجيد] الحنفي[4] حدثنا زياد بن ميمون عن
أنس بن مالك رضي
الله عنه
قال:
أتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم
بطعام
ثريد فقال: إن
هذا الطعام يسبح،
قالوا: يا رسول الله وتفقه تسبيحه؟ قال: نعم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: أدن هذه القصعة من
هذا الرجل، فأدناها فقال: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الطعام يسبح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنها من آخر، فأدناها
منه، فقال: يا رسول الله صلى
الله عليه وسلم
هذا
الطعام يسبح، فقال: أدنها من آخر
محمد بن حاتم من رجال أبي
داود والترمذي، قال ابن حبان في "الثقات":
ربما أخطأ.اهـ[5]
ذكره الذهبي في "الميزان"، وقال: وعنه ابن صاعد بخبر طويل منكر
جدا في الوصية لأنس.اهـ[6]
وزياد بن ميمون: متروك[7]
تنبيه: في تسبيح الحصى
والطعام
قال ابن كثير أبو
الفداء إسماعيل بن عمر (ت: 774): وأما تسبيح الطير مع داود، فتسبيح الجبال
الصم أعجب من ذلك، وقد تقدم في الحديث أن الحصى سبح في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حامد: وهذا حديث معروف مشهور،
وكانت الأحجار والأشجار والمدر تسلم عليه صلى الله عليه وسلم
وفي صحيح البخاري: عن ابن مسعود قال: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام
وهو يؤكل - يعني بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
وكلمه ذراع الشاة
المسمومة، وأعلمه بما فيه من السم، وشهدت بنبوته الحيوانات الإنسية والوحشية،
والجمادات أيضا، كما تقدم بسط ذلك كله، ولا شك أن صدور التسبيح من الحصى الصغار
الصم التي لا تجاويف فيها، أعجب من صدور ذلك من الجبال، لما فيها من التجاويف
والكهوف، فإنها وما شاكلها تردد صدى الأصوات العالية غالبا، كما كان عبد الله بن
الزبير إذا خطب - وهو أمير المؤمنين بالحرم الشريف - تجاوبه الجبال، أبو قبيس
وزرود، ولكن من غير تسبيح، فإن ذلك من معجزات داود عليه السلام. ومع هذا فتسبيح الحصى في كف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، أعجب.اهـ[8]
[1] بيان المشكل 9 / 5
[2] فتح الباري 6 / 591
[3] عمدة القاري 16 / 123
[4] في الأسامي والكنى للحاكم الكبير ( 2 / 1931 ):
سمع: أبا سعيد عبد الرحمن بن مهدي العنبري، وعبيد الله بن عبد المجيد أبا بكر
الحنفي.اهـ وعبيد أخوه، وكنيته أبو علي
[5] الثقات: 9 / 158
[6] ميزان الاعتدال 4 / 512 – ترجمة: 10080
[7] ميزان الاعتدال 2 / 94 – ترجمة: 2967
[8] البداية والنهاية 6 / 420

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق