✍بوعلام محمد بجاوي
باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته
محمد صلى الله عليه
وسلم الرجل الذي
اختاره الله واصطفاه لحمل الرسالة الخاتمة، وليكون نبي آخر الزمان، والنبي الخاتم،
وأفضل الأنبياء، أعظِم بها نعمة وشرفا أن يصطفي الله عبدا من عباده لهذه الرتبة
والدرجة
والربوبية: وهو الرب الواحد الأبدي الأزلي خالق
العالم ومدبر أمره من الفطرة التي فطر الله الناس عليها
والنبوة: – وهي الواسطة بين الله وعباده في
تبليغ شريعته – من الفطرة التي فطر الله الناس عليها أيضا
وشواهد
الربوبية كثيرة: بل كل شيء يدل عليها، فهذا الكون المركب من مخلوقات
جامدة غير حية وعاقلة والذي لا يزال يسير وفق نظام محكم لا بدّ له من خالق ومدبر،
فلا يعقل أنه وجد من عدم بمعنى أوجد نفسه، أو أنه أزلي لم يزل موجودا، فتعين أن
يكون مخلوقا من رب عالم قادر حكيم، ولا بدّ أن يكون هذا الرب أزليا؛ لأنه لا يمكن
أن يكون وجد بعد أن لم يكن موجودا؛ لأنه يحتاج إلى موجد، وذلك الموجد يحتاج إلى
موجد سابق ويتكرر السؤال، فيتعين القول بالأزلية، وإن لم نعقل حقيقتها، لكننا
مضطرون إليها
"أفلاطون" شيخ "سقراط": جعل العالم كائنا حيا له جسم وعقل
وروح؛ ليسيّر نفسه مع قوله بالإله العقل الكلي؛ وعادوا – الفلاسفة الإلهيون – بهذا
إلى قول الطبيعيين، الفلاسفة قبل "سقراط"
وشواهد
النبوة: تابعة للربوبية؛ لأن الله لا يمكّن لمن ادّعى النبوة
كاذبا، بل يظهر كذبه وحقيقته، فمن ادعى النبوة وكان معروفا بين أهله وقومه بالصلاح،
ودعا إلى توحيد الله تعالى، وجاهد وصبر من أجل دعوته كان دليلا كافيا
وهكذا كان نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم معروفا
بالأمانة والصدق حتى لقب بهما "الصادق الأمين"
ومن رحمة الله بعباده عزّز دعوة الأنبياء بالآيات والبينات، وكانت هذه
الآيات والبينات؛ ليعرف الناس صدقهم، منها ناقة صالح، وعصا موسى، وأحياء عيسى
الموتى وغير ذلك
وكانت آية النبي صلى الله عليه وسلم ودليل نبوته من نوع آخر – مع ما أوتيه
من آيات هي من جنس ما أوتي الأنبياء قبله – وهو الوحي، القرآن الذي أنزله على
رسوله صلى الله عليه وسلم كما سبق في آخر حديث في الباب السابق،
وسبق تعليق القرطبي عليه، وهو قوله: يعني أن كل رسول أُيّد بمعجزة تدلّ على
صحة رسالته، فيظهر صدقه، وتثبت حجته، كما قد علم من أحوالهم، بما أخبرنا الله به
وبيّنه عنهم، غير أن معجزاتهم تنقرض بانقراضهم، فلا يبقى منها بعدهم إلا الإخبار
بها، وذلك قد يخفى مع توالي الأعصار.
ونبينا صلى الله عليه وسلم وإن كان قد أعطي من
كل نوع من أنواع معجزات الأنبياء قبله، كما قد أوضحناه في كتابنا المسمى بـ "الإعلام بصحة نبوة
محمد عليه أفضل الصلاة والسلام"، لكنه فضل على جميعهم بالمعجزة
العظمى الباقية ما بقيت الدنيا، وهي الكتاب العزيز، الذي أعجزت السورة منه الجن
والإنس أي تعجيز، فإعجازه مشاهد بالعيان، متجدد ما تعاقب الجديدان، فمن ارتاب الآن
في صدق قوله، قيل له: فائت بسورة من مثله.اهـ[1]
والقرطبي
في
هذا الباب اقتصر على الآيات المادية التي هي من جنس الآيات التي عند من سبق من
الأنبياء، وهي:
تسليم الحجر عليه قبل
بعتته صلى الله عليه وسلم
نبوع الماء من أصابعه
صلى الله عليه وسلم
نماء سمن العكة (وعاء أصغر من القربة) بسبب إهدائه للنبي صلى
الله عليه وسلم
نماء شطر وسق (الوسق
ستون صاعا) الشعير بسبب إهدائه للنبي صلى
الله عليه وسلم
جريان عين تبوك بغسله
صلى الله عليه وسلم من مائها ثم إعادته فيها
إخباره صلى الله عليه وسلم عن غيب
تنبيه: عادة
المتكلمين القول الدليل على صدق النبي صلى
الله عليه وسلم –
وقبل ذلك إثبات الربوبية التي هي أصل النبوة – العقل، وعليه، لا بدّ أن يعرض الوحي
على العقل، فإن لم يقبله ردّ أو تؤوّل الوحي؛ لأننا إذا قدمنا الوحي فقد طعنا في
العقل الذي به عرفنا به الربوبية وصدق النبي صلى
الله عليه وسلم فحرفوا
كتاب الله وعطلوا صفاته بهذه الدعوى
والجواب:
أولا:
العقل الذي علمنا به وجود
الرب ووحدانيته:
هو ما سبق ذكره، العالم المركب الجامد وجوده ونظامه واستمراره لا بد له من خالق
قادر عالم
العقل الذي علمنا به صدق
النبي صلى الله عليه وسلم: هو العقل البداهي
الذي يشترك فيه جميع العقلاء، فالنبي صلى
الله عليه وسلم جاء
بالقرآن وتحدى العرب أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، وما نجده في أنفسنا عند قراءة
القرآن من سكينة وطمأنينة، وحصول الشفاء به وتأثيره على المسحور ومن تلبست به
الشياطين، وحفظ الله لهذا القرآن، وتيسير حفظه حتى على الأعجمي وغيرها
الآخر:
دليل الأعراض
والتركيب الذي علم به "المتكلمون"
وجود الله تعالى، أصله من عند الفلاسفة، وهو ينافي العقل البداهي والفطر السليمة،
في أن الكمال في الصفات الكاملة لا في تعطيلها، فمن الضرورة أن يصطدم بالوحي في
آيات كثيرة، فالمشكلة فيهم وفي منهجهم وفي عقولهم، وفي انبهارهم بالفلاسفة
لهذا لا يوجد نص واحد
من الوحي يتعارض مع العقل الصريح أو المثبت بأدلة قطعية، وحتى العلوم الكونية التي
تتعارض مع الوحي كلها نظريات وأكاذيب لا يوجد شيء مقطوع به، ولكن يصورونها للناس
على أنها قطعية، فإذا سألت واحدا من القطيع عن الدليل المزعوم أنه قطعي لم يعرفه،
كل ما في الأمر أنهم منبهرون بعلماء الزمان غير المسلمين كما انبهر أسلافهم بعلماء زمانهم غير المسلمين
وهم الفلاسفة، واليوم يعلم العقلاء أن كلام الفلاسفة في الإلهيات والبدء خرفات
مستوحاة من أساطير، ويعتذرون لهم بأنه فكروا واستعملوا عقولهم، بئس التفكير وبئس
العقل، والعقلاء يعلمون اليوم أن كلام العلماء في الخلق والبدء وحقيقة الكون دجل
وخداع، وكثير منه مأخوذ من جهالات الفلاسفة
والعقل الذي هو شرط التكليف: هو العقل الذي يفهم
به خطاب الله تعالى لا العقل الذي ينظر في الوحي؛ ليرى هل يوافقه فيقبله أو يعارضه
فينفيه ويحرف الوحي صيانة للوحي من مخالفة العقل
وعبرت بـ "الآيات" ولم أعبر بـ "المعجزات" اتباعا للوحي، ولأن عبارة "المعجز" لا يلزم منها أن تكون الآية معجزة في نفسها، لكنا الله أعجز الناس أن يأتوا بمثلها، فيقال في معجزة القرآن، أن الناس قد يأتوا بمثله لكنها الله أعجزهم، وهو ما يعرف عند المعتزلة بـ "الصرفة"
النبواتوفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 28
النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 01
[1] المفهم 6 / 50
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق