النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (01)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على النبيين والمرسلين، الذين اختارهم الله لأن يكونوا – وهو
الغني بنفسه – الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الوحي والرسالة للناس، فمن أطاعهم
أفلح ونجح، و من خالفهم واغترّ بعقله وذكائه أو شرف أسلافه خاب وخسر، و من لم
تبلغه دعوتهم لم يحتجّ عليه بعقله ونظره ولو كان أذكى الناس وأعقلهم، ومن بلغته
دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يسعه إلا اتباعه، و لم ينفعه التمسك بشريعة
نبي قبله ولو سلمت من التحريف والتغيير ولم تسلم، قال صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب
النار [ مسلم 240 - (153) عن : أبي هريرة ]
وقال : ثلاثة لهم أجران:
رجل
من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم
والعبد
المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه
ورجل
كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله
أجران [
البخاري 97 ، 5083 مسلم 241 - (154) ]
أما بعد : فهذا شرح لـ كتاب:
"النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"
من اختصار صحيح مسلم بن
الحجاج ( ت : 261 ) لـ القرطبي أبي العباس أحمد بن عمر
بن إبراهيم ( ت : 656 )
مقدمة بين يدي
الشرح
خلق الله الأولى و الآخرة، و خلق الإنسان للعبادة في الأولى و
الجزاء في الآخرة، بعد أن فطره على قبول الحق، و ركّب فيه عقلا يعرف به ربا خالقا
رازقا مدبرا متفرّدا، و يعلم به الصادق من الكاذب، و لكنه مع ذلك لا يستقل بمعرفة
الخالق و معرفة العبادة التي شرعها لعباده، يدلّ على ذلك حال الناس عند ابتعادهم
عن رسالة الأنبياء، كما هو الحال في الزمن الذي سبق مبعث محمد صلى الله علي وسلم
قال الشافعي
محمد بن إدريس ( ت : 204 ) : بعثه،
و الناس صنفان :
أحدهما أهل كتاب : بدّلوا من أحكامه و كفروا بالله،
فافتعلوا كذبا صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم …
و صنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن
به الله، و نصبوا بأيديهم حجارة و خشبا و صورا استحسنوها و نبزوا أسماء افتعلوها،
و دعوها آلهة عبدوها، فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها ألقوه و نصبوا بأيديهم غيره
فعبدوه : فأولئك العرب
و سلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا،
و في عبادة ما استحسنوا من حوت و دابّة و نجم و نار و غيره …
فكانوا قبل إنقاذه إياهم بمحمد صلى
الله عليه وسلم أهل كفر في تفرقهم و اجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور:
الكفر
بالله :
و ابتداع
ما لم يأذن به الله
تعالى عما يقولون علوا كبيرا،
لا إله غيره، و سبحانه و بحمده، رب كل شيء و خالقه، من حيّ منهم فكما وصف حاله حيا
عاملا قائلا بسخط الله مزدادا من معصيته، و من مات فكما وصف قوله و عمله صار إلى
عذابه . اهـ[1]
و
قال ابن رجب زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب
الحنبلي ) ت : 795 ( : ثم طبّق
الشرك الأرض بعد المسيح، فإن قومه الذين ادّعوا اتباعه و الإيمان به أشركوا غاية
الشرك، فجعلوا المسيح هو الله أو ابن الله، و جعلوا الله ثالث ثلاثة
و
أما اليهود - فإنهم و إن تبرءوا من الشرك - فالشرك فيهم موجود :
فإن فيهم من عبد العجل في حياة موسى عليه
السلام و قال فيه إنه الله، و أن موسى نسي ربه و ذهب يطلبه، و لا شرك أعظم من هذا
و منهم طائفة قالوا "العزير"
ابن الله، و هذا من أعظم الشرك
و أكثرهم اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله،
فأحلّوا لهم الحرام و حرّموا عليهم الحلال، فأطاعوهم، فكانت تلك عبادتهم إياهم،
لأن من أطاع مخلوقا في معصية الخالق أو اعتقد جواز طاعته و وجوبها فقد أشرك بهذا
الاعتبار حيث جعل التحريم و التحليل لغير الله
و
أما المجوس فشركهم ظاهر، فإنهم يقولون بإلهين قديمين :
أحدهما : النور
و الآخر : ظلمة
فالنور
خالق الخير و الظلمة خالق الشر
و
كانوا يعبدون النيران
و
أما العرب و الهند و غيرهم من الأمم فكانوا أظهر الناس شركا، يعبدون مع الله آلهة
كثيرة و يزعمون أنها تقرب إليه زلفى . اهـ[2]
و قال ابن
تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ( ت : 728 ) : و الناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما
و هي جهل، و أعمال يحسبونها صلاحا و هي فساد، و غاية البارع منهم علما و عملا أن
يحصّل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله،
أو يشتغل بعلم القليل منه مشروع و أكثره مبتدع لا يكاد يؤثّر في صلاحه إلا قليلا،
أو يكدح بنظره كدح المتفلسفة فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية و الرياضية و إصلاح
الأخلاق حتى يصل – إن وصل – بعد الجهد الذي لا يوصف إلى نزر قليل مضطرب لا يروي و
لا يشفي من العلم الإلاهي، باطله أضعاف حقه – إن حصل – و أن له ذلك مع كثرة
الاختلاف بين أهله، و الاضطراب، و تعذّر الأدلة عليه و الأسباب . اهـ[3]
فرحم الله عباده
بأن أرسل إليهم رسلا يعرّفونهم بما يحبه الله و يرضاه، و جعل الحجة قائمة على الناس
بهم دون غيرهم
قال ابن
تيمية : فإن الخلق لا يعلمون ما
يحبه الله و يرضاه، و ما أمر به و ما نهى عنه، و ما أعدّه لأوليائه من كرامته و ما
وعد به أعداءه من عذابه، و لا يعرفون ما يستحقه الله - تعالى - من أسمائه الحسنى و
صفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها، و أمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم
إلى عباده، فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى، و
يرفع درجاتهم و يكرمهم في الدنيا و الآخرة، و أما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون،
و هم عن ربهم ضالون و محجوبون …
و هذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من
المسلمين و اليهود و النصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله و بين عباده، و هم
الرسل الذين بلّغوا عن الله أمره و خبره .اهـ[4]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق