القرآن والعلم الحديث "الأرض" 19
✍بوعلام محمد بجاوي
أصناف
الفلاسفة:
قال الغزالي:
أصناف الفلاسفة وشمول وصمة الكفر
كافتهم
اعلم أنهم - على كثرة فرقهم، واختلاف مذاهبهم -
ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: الدهريون، والطبيعيون، والإلهيون.
الصنف الأول: الدهريون
وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبر،
العالم القادر، وزعموا: أن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه، وبلا صانع، ولم يزل
الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، كذلك كان، وكذلك يكون أبدا، وهؤلاء هم الزنادقة .اهـ[1]
الذي يميزهم هو نفي الخالق، أما قدم العالم
فيشاركهم فيه الإلهيون، وهم الصنف الثالث
الصنف الثاني: الطبيعيون
قال: والصنف الثاني: الطبيعيون
وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب
الحيوان والنبات، وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوانات، فرأوا فيها من
عجائب صنع الله تعالى، وبدائع حكمته، مما اضطروا معه إلى الاعتراف بفاطر حكيم،
مطلع على غايات الأمور ومقاصدها، ولا يطالع التشريح، وعجائب منافع الأعضاء مطالع
إلا ويحصل له هذا العلم الضروري بكمال تدبير الباني لبنية الحيوان، لا سيما بنية
الإنسان، إلا أن هؤلاء لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم لاعتدال المزاج تأثير
عظيم في قوام قوى الحيوان به، فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه
أيضا، وأنها تبطل ببطلان مزاجه فينعدم، ثم إذا انعدم فلا يعقل إعادة المعدوم، كما
زعموا، فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود فجحدوا الآخرة، وأنكروا الجنة والنار والحشر والنشر، والقيامة، والحساب،
فلم يبق عندهم للطاعة ثواب، ولا للمعصية عقاب، فانحل عنهم اللجام، وانهمكوا إنهماك
الأنعام. وهؤلاء أيضا زنادقة؛ لأن أصل
الإيمان هو: الإيمان بالله واليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا
بالله وصفاته .اهـ[2]
المزاج يحصل لطريقة تركيب أو اندماج
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، واختلاف الناس باختلاف امتزاج هذه
العناصر
قال أبو علي
الحسين بن عبد الله بن سينا ( ت : 428 ): المزاج: كيفية حاصلة من تفاعل
الكيفيات المتضادات إذا وقفت على حدّ ما ووجودها في عناصر متصغرة الأجزاء ليماس
أكثر كل واحد منها أكثر الآخر إذا تفاعلت بقواها بعضها في بعض حدث عن جملتها كيفية
متشابهة في جميعها هي المزاج، والقوى الأولية في الأركان المذكورة أربع هي:
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة .اهـ[3]
الصنف الثالث: الإلهيون
قال: والصنف الثالث: الإلهيون
وهم المتأخرون منهم، مثل: سقراط – وهو
أستاذ أفلاطون
–، وأفلاطون – أستاذ أرسطاطاليس
–، وأرسطاطاليس، هو الذي رتب لهم
المنطق، وهذَّب لهم العلوم، وحرّر لهم ما لم يكن محرّرا من قبل، وأنضج لهم ما كان
فجّا من علومهم، وهم بجملتهم ردّوا على الصنفين الأولين من الدهرية، والطبيعية،
وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم، وكفى الله المؤمنين القتال
بتقاتلهم. ثم ردّ أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط
ومن كان قبلهم من الإلهيين، ردا لم يقصّر فيه حتى تبرأ عن جميعهم، إلا أنه استبقى
من رذاذ كفرهم، وبدعتهم، بقايا لم يوفق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم
من المتفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما، على أنه لم يقم بنقل علم أرسطاطاليس أحد
من متلفسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين، وما نقله غيرهما ليس يخلو من تخبيط
وتخليط، يتشوش فيه قلب المطالع، حتى لا يفهم، وما لا يُفهم كيف يرد أو يقبل؟
ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس،
بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة أقسام:
قسم يجب التفكير به.
وقسم يجب التبديع به.
وقسم لا يجب إنكاره أصلا .اهـ[4]
الفرق
بين الفلسفة وعلم الكلام:
وسبق الكلام عنه من حيث المنهج، المتكلم ينتصر لعقيدة والفيلسوف ينشئ عقيده
ومن حيث النظر:
قال ابن خلدون أبو زيد عبد الرحمن بن محمد ( ت : 808 ) -
في الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام -: واعلم أنّ
المتكلّمين لـمّا كانوا يستدلّون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود
البارئ وصفاته وهو نوع استدلالهم غالبا. والجسم الطّبيعيّ الّذي ينظر فيه الفيلسوف
في الطّبيعيّات وهو بعض من هذه الكائنات. إلّا أنّ نظره فيها مخالف لنظر المتكلّم
وهو ينظر في الجسم من حيث يتحرّك ويسكن والمتكلّم ينظر فيه من حيث يدلّ على
الفاعل.
وكذا نظر
الفيلسوف في "الإلهيّات": إنّما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه
لذاته ونظر المتكلّم في الوجود من حيث إنّه يدلّ على الموجد .اهـ[5]
مراده : المتكلمون قصدهم إثبات الخالق
بالمخلوقات، أما الفلاسفة فلا يعنيهم الخالق، وإنما في الوجود نفسه كما هو حال
علماء الفلك اليوم، كل ما يهمهم هو نشأة الكون وحقيقته وحقيقة المادة
والمتكلم :
ينظر في الجسم من حيث الدلالة على الصانع
ينظر قبله في دليل حدوث الأجسام وهي الأعراض
ومنها الحركة والسكون، ويتفرع عنه أن يكون الخالق منزها عن الحركة والسكون أي لا
يكون جسما، وبهذا أنكروا صفات الله لأنها لا تقوم إلا بجسم
ثانيا: التأثر بالفلاسفة في الإلهيات
كان لهم نظر في علوم الرياضيات والطبيعة
والمنطق، فينبهر بهم من ينظر في دقة كلامهم وبراهينهم، فيسحب الأمر كذلك في
الإلهيات، فإما أن يكفر بالوحي وإما أن يتأوله وإما أن يقول هو تخييل ومخاطبة
العامة بما تعقله، كما حال الفلاسفة الإسلاميين كابن سينا وابن رشد الحفيد وغيرهما
قال الغزالي – في كلامه
على علوم الفلسفة –: أما الرياضية: فتتعلق
بعلم الحساب والهندسة وعلم هيئة العالم، وليس يتعلق منه شيء بالأمور الدينية نفيا
وإثباتا، بل هي أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدتهم بعد فهمها ومعرفتها.
وقد تولدت منها آفتان:
الأولى: من ينظر فيها يتعجب من دقائقها ومن ظهور
براهينها، فيحسن بسبب ذلك اعتقاده في الفلاسفة، فيحسب أن جميع علومهم في الوضوح
وفي وثاقة البرهان كهذا العلم. ثم يكون قد سمع من كفرهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع
ما تناولته الألسنة فيكفر بالتقليد المحض ويقول: لو كان الدين حقا لما اختفى على
هؤلاء مع تدقيقهم في هذا العلم! فإذا عرف بالتسامع كفرهم وجورهم استدل على أن الحق
هو الجحد والإنكار للدين، وكم رأيت من يضل عن الحق بهذا العذر ولا مستند له سواه.
وإذا قيل له: الحاذق
في صناعة واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقا في كل صناعة، فلا يلزم أن يكون الحاذق في
الفقه والكلام حاذقا في الطب، ولا أن يكون الجاهل بالعقليات جاهلا بالنحو، بل لكل
صناعة أهل بلغوا فيها رتبة البراعة والسبق، وإن كان الحمق والجهل يلزمهم في غيرها،
فكلام الأوائل في الرياضيات برهاني وفي الإلهيات تخميني، لا يعرف
ذلك من جربه وخاض فيه، فهذا إذا قرّر على هذا الذي ألحد بالتقليد، ولم يقع منه
موقع القبول، بل تحمله غلبة الهوى، والشهوة الباطلة، وحب التكايس على أن يصرّ على
تحسين الظن بهم في العلوم كلها، فهذه آفة عظيمة؛ لأجلها يجب زجر كل من يخوض في تلك
العلوم، فإنها وإن لم تتعلق بأمر الدين، ولكن لما كانت من مبادئ علومهم سرى إليه
شرهم وشؤمهم، فقلّ من يخوض فيها إلا وينخلع من الدين وينحل عن رأسه لجام التقوى .اهـ[6]
والمتكلمون أيضا – والغزالي منهم – يصدق
عليهم هذا الكلام، فإنهم وإن خالفوهم لكن سلّموا لهم الأصول، لهذا اصطدموا بالوحي،
مع أنه وصف علمهم في الإلهيات بأنه تخميني
وقال في المنطقيات: وربما
ينظر في المنطق أيضا من يستحسنه ويراه واضحا، فيظن أن ما ينقل عنهم من الكفريات
مؤيد بمثل تلك البراهين، فيستعجل بالكفر قبل الانتهاء إلى العلوم الإلهية. فهذه
الآفة أيضاً متطرقة إليه .اهـ[7]
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 20
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق