الأربعاء، 24 مايو 2023

النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 23

النبوات وفضائل نبينا محمد 23

النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 23

✍بوعلام محمد بجاوي

المعنى الثالث : أول شافع ومُشفع

أي أوّل من يشفع، وأوّل من تُقبل شفاعته

الشفاعة لغة :

قال ابن فارس أبو الحسين أحمد بن فارس ( ت : 395 ) : "‌شفع" : الشين والفاء والعين أصل صحيح يدل على مقارنة الشيئين، من ذلك الشفع خلاف الوتر، تقول : كان فردا فشفعته. قال الله – جل ثناؤه ﴿ والشفع والوتر [ الفجر :  3 ] .اهـ[1]

ولهذا يسمى من يتوسط به شفيعا؛ لأنه ينضم إلى صاحب المسألة، و هي : 

الشفاعة شرعا : سؤال الله تعالى لمصلحة غير السائل، فردا كان أو جماعة، ابتداء أو عن سؤال وطلب، ويسمى الطالب متوسلا

ولا تكون إلا لمن رضي الله أن يشفع له

قال تعال ] لَا يَمْلِكُونَ ‌الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧) [ [ مريم : 87 ] وقال ] يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ ‌الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩) [ [ طه : 109 ] وقال ] وَلَا تَنْفَعُ ‌الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [ [ سبأ : 23 ] وقال ] قُلْ لِلَّهِ ‌الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) [ [ الزمر : 44 ] وقال ] وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ‌الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) [ [ الزخرف : 86 ]  

وتروى الأوّلية مقيدةً بالجنة أي "في الجنة"

مسلم 330 - (196) حدثنا ‌قتيبة بن سعيد ‌وإسحاق بن إبراهيم [ ابن راهويه ] – قال قتيبة : حدثنا ‌جرير [ بن عبد الحميد ] – عن ‌المختار بن فلفل عن ‌أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا

332 - (196) وحدثنا ‌أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ‌حسين بن علي عن ‌زائدة [ بن قدامة ] عن ‌المختار بن فلفل قال : قال ‌أنس بن مالك : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد

أخرجهما مسلم في كتاب الإيمان، بوّب لهما القرطبي "باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته" .اهـ[2]

والمقصود استفتاح باب الجنة  :

مسلم 331 - (196) حدثنا ‌أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا ‌معاوية بن هشام عن ‌سفيان [ بن سعيد الثوري ] عن ‌مختار بن فلفل عن ‌أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة

مسلم 333 - (197) حدثني ‌عمرو الناقد ‌وزهير بن حرب قالا حدثنا ‌هاشم بن القاسم حدثنا ‌سليمان بن المغيرة عن ‌ثابت عن ‌أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد، فيقول : بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك

قال القرطبي : ‌أي: في دخول الجنة قبل الناس، ويدل عليه قوله "وأنا أول من يقرع باب الجنة"، وقول الخازن : بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك، وقوله في حديث آخر: فأنطلق معي برجال فأدخلهم الجنة وهذه إحدى شفاعاته المتقدمة الذكر.

وقوله في الرواية الأخرى : "أنا أول شفيع في الجنة" : يمكن حمله على ما تقدم، ويحتمل أن يراد به أنه يشفع في ترفيع منازل بعض أهل الجنة، والأول أظهر .اهـ[3]

الشفاعة نوعان :

شفاعة خاصة : ومعنى خاصة لا تنبغي إلا لواحد، وهي "الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم، وهي الخاصة به صلى الله عليه وسلم" وتسمى "شفاعة عامة" لأنها لعموم الناس

وهذه الشفاعة بوّب لها القرطبي في كتاب الإيمان "باب ما خص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر"

وشفاعة عامة : وهي التي يشترك فيها الأنبياء وغيرهم أي أنها لا تختص بواحد من البشر كالشفاعة لمن وجبت له النار ألا يدخلها ولمن دخلها أن يخرج منها

قال القاضي عياض : الشفاعة بمجموعها على خمسة أقسام :

أولها : مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، وهى : الإراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب ...

الثانية : في إدخال قوم الجنة دون حساب، وهذه أيضا وردت لنبينا صلى الله عليه وسلم ...

الثالثة : قومٌ استوجبوا النارَ فيشفعُ فيهم نبينا ومن شاء الله له أن يشفع ...

الرابعة : فيمن دخل النار من المذنبين، فقد جاء في مجموع هذه الأحاديث إخراجهم من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم من المؤمنين ...

والشفاعة الخامسة : هي في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها .اهـ[4]

ومن الشفاعة أيضا : استفتاح باب الجنة، سبق ذكرها

والشفاعة العامة – التي لا تختص بواحد – هي المقصودة؛ لأن الخاصة لا تكون إلا لواحد، لكن قد يقال : إنه أول شفيع مطلقا

قال القرطبي : ومقصود هذا الحديث أن يبين أنه لا يتقدمه ‌شافع، لا من الملائكة ولا من النبيين ولا من المؤمنين في جميع أقسام الشفاعات، على أن الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا تكون لغيره .اهـ[5]

حديث يعارض :

السنن الكبرى للنسائي (11232) أخبرنا محمد بن بشار [ بُندار ] حدثنا محمد بن جعفر [ غُنْدَر ] حدثنا شعبة [ بن الحجاج ] عن سلمة بن كهيل، قال : سمعت أبا ‌الزعراء، قال عبد الله : أول شافع يوم القيامة روح القدس، ثم إبراهيم ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعا، فلا يشفع أحد بمثل شفاعته، وهو وعده المحمود الذي وعده.

وهذا اختصار من حديث طويل، ورواه سفيان الثوري تاما : أخرجه الحاكم (8519 ، 8772) وغيره

قال البخاري محمد بن إسماعيل ( ت : 256 ) : عبد الله بن هانئ أبو الزعراء الكوفي : سمع ابن مسعود رضي الله عنه ، سمع منه سلمة بن كهيل، يقال عن أبي نعيم: أنه الكندي، روى عن ابن مسعود رضي الله عنه في الشفاعة : "ثم يقوم نبيكم رابعهم"، والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ‌أول ‌شافع. ولا يتابع في حديثه .اهـ[6]


[1] معجم مقاييس اللغة 3 / 201

[2] المفهم 1 / 452

[3] المفهم 1 / 451 – 452

[4] إكمال المعلم 1 / 565 – 566

[5] المفهم 6 / 49

[6] التاريخ الكبير 5 / 221

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق