النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 21
✍بوعلام محمد بجاوي
واختار هذا التفسير ابن القيم، وسبب الصعقة تجلّي الرب يوم القيامة
ولا يشكل عليه قوله في الحديث "أو كان ممن استثنى الله"؛ لأن المقصود
استثنى الله من الصعق يوم القيامة، فكما أن في نفخة الإماتة استثناء فكذلك في صعقة
يوم القيامة
وأعلّ ابن القيم هذه اللفظة؛ لأن الاستثناء يكون في نفخة الإماتة، فلا يمكن حمل الحديث على
صعقة تكون يوم القيامة
قال : فإن قيل : فما تصنعون بقوله : "فلا أدري أفاقَ قبلي أم كان ممن استثنى الله عزّ وجلّ" والذين استثناهم الله إنما هم مُستثنَون من صعقة النَّفخة لا من
صعقة يوم القيامة، كما قال تعالى ] ونفخ في الصور فصعق من في السماوات
ومن في الأرض إلا من شاء الله [ [ الزمر: 68 ]، ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة ؟
قيل : هذا – والله أعلم – غير محفوظ، وهو وَهَمٌ من بعض
الرواة. والمحفوظ ما تواطأتْ عليه الرواياتُ الصحيحة من قوله : "فلا أدري أفاقَ قبلي أم جُوزي بصعقة الطور"، فظن بعضُ الرواة أنَّ هذه
الصعقة هي صعقة النفخة، وأنَّ موسى داخلٌ فيمن استُثني منها. وهذا لا يلتئم على
مَساق الحديث قطعًا، فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البعث، فكيف يقول: لا أدري
أَبُعِثَ قبلي؟ أم جُوزي بصعقة الطور؟ فتأمَّله.
وهذا بخلاف الصعقة التي يَصْعَقُها الخلائق يوم القيامة إذا جاء الله
سبحانه لفصل القضاء بين العباد، وتجلَّى لهم، فإنهم يَصعقون جميعًا. وأما موسى صلى
الله عليه وسلم فإن كان لم يَصعق معهم فيكون قد حُوسِبَ بصعقته يوم تجلَّى ربُّه
للجبل فجعله دكًّا، فجُعلت صعقةُ هذا التجلِّي عوضًا من صعقة الخلائق لتجلِّي
الربّ يوم القيامة .اهـ[1]
وفي قوله "أم جُوزي بصعقة الطور" زيادة على قوله "أو كان ممن استثنى الله" في بيان سبب الاستثناء
قال ابن حجر : ووقع في
حديث أبي سعيد "فلا أدري كان فيمن صعق" أي
فأفاق قبلي أم حوسب بصعقته الأولى أي التي صعقها لما سأل الرؤية، وبيّن ذلك ابن
الفضل في روايته بلفظ "أحوسب بصعقته يوم الطور" والجمع
بينه وبين قوله "أو كان ممن استثنى الله" أن في
رواية ابن الفضل وحديث أبي سعيد بيان السبب في استثنائه، وهو أنه حوسب بصعقته يوم
الطور فلم يكلف بصعقة أخرى .اهـ[2]
ورُدَّ حمله على يوم القيامة بالروايتين السابقتين
قال القرطبي أبو العباس : وهذه غفلة عن مساق الحديث، فإنَّه يدلّ على بطلان ما ذكر دلالة واضحة،
فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنه حين يخرج من القبر فيلقى موسى، وهو متعلق بالعرش، وهذا كان عند
نفخة البعث.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يرى موسى يقع له تردد في موسى – على ظاهر هذا الحديث –، هل مات عند نفخة
الصعق المتقدِّمة على نفخة البعث ؟ فيكون قد بعث قبله، أو لم يمت عند نفخة الصعق
لأجل الصعقة التي صعقها على الطور، جعلت له تلك عوضًا من هذه، وعلى هذا فكان حيًّا
حالة نفخة الصعق، ولم يصعق، ولم يمت، وحينئذ يبقى الإشكال إذ لم يحصل عنه انفصال .اهـ[3]
وهذا بناء على الروايتين السابقتين
توجيه من حمل الحديث على نفختي الصور الإماتة والبعث
توجيه الحليمي :
معنى الحديث أن الناس أي الأحياء – وموسى ليس منهم فلا يصعق – يصعقون عقب النفخة الأولى، ثم يبعثون جميعهم ومنهم
موسى عليه السلام، فيكون أوّل من ينشق
عنه القبر النبي فيما يعلم، ثم يرى موسى بعث قبله لـمّـا يراه آخذا بقوائم العرش، ولا
يعلم هل سبب ذلك :
تفضيله عليه في الإحياء أولا كما فضل بالكلام وإن كان النبي أفضل منه
أو لأنه جزي بصعقة الدنيا لما تجلى الله للجبل
ذكره بعد أن اختار أنها صعقة تكون يوم القيامة
قال : وإن حمل على صعقة الموت عند نفخ الصور وصرف ذكر القيامة، إلى أنه
أراد أوائله، قيل : المعنى أن الصور إذا نفخ فيه أخرى كنت أنا أول من يرفع رأسه،
فإذا موسى أخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الصور، فلا
أدري :
أن بعثة قبلي كان [ وهباً له[4] ] وتفصيلا من هذا الوجه كما فضل في الدنيا بالتكلم
أو كان جزاء بصعقة الطور، وقدم بعثه على بعث الأنبياء الآخرين بقدر صعقته
عندما تجلى به الجبل إلى أن أفاق ليكن بهذا جزاء له بها .اهـ[5]
يشكل على هذا التوجيه أن ظاهر الحديث أن موسى جزي بالصعق في الدنيا لما تجلّى
الله للجبل عدم الصعق عندما يصعق الناس، أما أن يجعل الصعق في الدنيا سببا لأن
يبعث أولا فلا تجانس بينهما، والله أعلم
توجيه القرطبي أبي العباس :
واختار القرطبي أن الأنبياء
أحياء وإن غيبوا عنّا كما هو حال الشهداء، والأنبياء أولى، وقد جاءت الأحاديث في
هذا المعنى فنفخة الإماتة غشية والنفخة الثانية إفاقة، ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم : "فأكون
أول من يفيق"، فعلى هذا موسى عليه السلام كان حيا شأنه شأن
الأنبياء جميعا، وبه يزول الإشكال
قال : والذي
يُزيحه - إن شاء الله تعالى - أن يقال : إن الموت ليس بعدم، وإنَّما هو انتقال من
حالٍ إلى حال، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدَّم، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم
وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين، فهذه صفات الأحياء في الدُّنيا،
وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى، مع أنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الأرض لا
تأكل أجساد الأنبياء[6]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اجتمع
بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء، وخصوصًا بموسى عليه السلام وقد
أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي أن الله تعالى يرد عليه روحه حتى يرد
السلام على كل من يسلم عليه[7]. إلى غير ذلك
مما ورد في هذا المعنى، وهو كثير بحيث يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما
هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال
في الملائكة فإنَّهم موجودون أحياء، ولا يراهم أحدٌ من نوعنا إلا من خصَّه الله
بكرامة من أوليائه، وإذا تقرر أنهم أحياء فهم فيما بين السماء والأرض، فإذا نفخ في
الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، فأمَّا صعق غير
الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء، فالأظهر أنه غشية، فإذا نفخ في الصور نفخة البعث
ممن مات حيي، ومن غشي عليه أفاق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من
يفيق. وهي رواية صحيحة وحسنة.
فهذا الذي ظهر
لي، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .اهـ[8]
وعليه فتردد
النبي صلى الله
عليه وسلم بين :
أن يكون موسى
ممن استثنى الله بمعنى أنه انتقل من حال الغيبة إلى حال الظهور ولم يصعق
أو صعق ثم
أفاق قبل النبي صلى الله عليه وسلم فتكون إفاقته قبل إفاقة النبي صلى الله
عليه وسلم فيكون معارضا
لقوله صلى الله
عليه وسلم : أنا أول من ينشق عنه القبر.
النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 22
[1] الروح 1 / 105 – 106
[2] فتح الباري 6 / 445
[3] المفهم 6 / 233
[4] في الطبعة "برسالة"
والتصويب من التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ص
: 458
[5] المنهاج في شعب
الإيمان 1 / 432
[6] لا تخلوا من مقال . تخريجها في "الموعظة بالإسلام"
[7] لا تخلوا من مقال . تخريجها في "الموعظة بالإسلام"
[8] المفهم 6 / 233 – 234
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق