شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 15
✍بوعلام محمد بجاوي
حفظ السنة :
قال المعلمي : كل من علم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، و أن شريعته خاتمة الشرائع، و أن سعادة المعاش و
الحياة الأبدية في اتباعه يعلم أن الناس أحوج إلى حفظ السنة منهم إلى الطعام و
الشراب .اهـ[1]
فقبل الكلام عن حجية السنة يجب إثبات حفظ الله
تعالى لها لأنه لا معنى لكونها حجة إذا لم تكن محفوظة كالقرآن الكريم، و معظم
الشبهات مردها إلى هذا الأصل الذي يجب أن يكون مسلما به بين المسلمين عالمهم
وعاميّهم، فالله حفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما
حفظ كتابه العزيز، بل لا يكون القرآن محفوظا بعدم حفظ السنة؛ لأنها المبينة
لمعانيه، إما صارفة لظاهره أو مبينة لمجمله أو ناسخة لحكمه – على خلاف بين أهل
العلم في نسخ السنة للقرآن –، فالقرآن ليس كلاما يقرأ و يتبرك به ويتعبد به فقط،
بل هو شريعة و أحكام وهداية للخلق، فما الفائدة إذا لم يكن القرآن معربا و مبينا
لمراد الله تعالى، و السنة هي التي بينت صفة الصلاة و الحج و غيرهما من الأحكام
والعبادات، لأن القرآن يحيل إلى بيان السنة و تفصيلها
قال المعلمي : فأما السنة فقد تكفل
الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ
لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة
والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمدا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة
الشرائع، بل دلّ على ذلك قوله } ثم إن علينا بيانه { [ القيامة : 19 ] .اهـ[2]
قال الشافعي محمد بن إدريس ( ت : 204 ) : و العلم به – لسان
العرب – عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب
منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل
واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم ما كان ذهب عليه منها موجودا عند غيره .اهـ[3]
حفظ الصحابة و علماء الحديث والرواية
للسنة النبوية
حِفظُ الله سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلك إنما كان بأصحابه الذين رووا أقواله و أفعاله و
تقريراته و أقضيته، بل وصفاته الخِلْقية و الخُلُقية و بمن جاء بعدهم من التابعين و
أتباعهم و غيرهم الذين أخذ اللاحق منهم عن السابق بضبط وأمانة، فحملوا السنة في صدورهم
وصحائفهم و بقيت عناية الأمة بالسنة حتى دونت في الكتب و أمن عليها الضياع
والتحريف كما جمع الصحابة القرآن بين لوحين ودفتين، و لما كانت شهوة الرواية تدعو
من ليس أهلا للرواية لأن يتشبه بحملة السنة، و الهوى يدعو صاحبه للانتصار للحق أو
الباطل برواية ما ينصره عن النبي صلى الله عليه وسلم و الخطأ من طبع الإنسان اعتنى
العلماء المحققون بتمييز المقبول و المردود، وعليه حفظ السنة كان بأمرين : الجمع و
التمحيص
الأمر الأول : الجمع
أي جمع كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو
فعل أو إقرار أو صفة له خُلُقِية أو خِلْقية، وهذا الجمع مرّ بمرحلتين
الأولى : الجمع في الصدور
قال المعلمي : ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم
وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد و التشمير
لحفظ السنة و حياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ
دينه .اهـ[4]
قال ابن رجب عبدالرحمن بن أحمد بن رجب ( ت : 795 ) : اعلم أن العلم
المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله و أفعاله كان الصحابة رضي الله
عنهم في زمن نبيهم صلى الله عليه وسلم يتداولونه بينهم حفظا له ورواية ... ثم بعد
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان بعض الصحابة يرخص في كتابة العلم عنه وبعضهم لا
يرخص في ذلك، و درج التابعون أيضا على مثل هذا الاختلاف... و الذي كان يكتب في زمن
الصحابة و التابعين تصنيفا مرتبا مبوبا، و إنما كان يكتب للحفظ و المراجعة فقط .اهـ[5]
الحاصل : الغالب في أول الأمر الاعتماد
على ضبط الصدر و ما كان يكتب فليس بتصنيف و لا تدوين، و إنما للمراجعة و المحافظة
على ما في الصدر، وقد ساهم في ذلك عادة العرب في اعتمادها على الصدور على حفظ
أيامها و أشعارها، و من يعرف الكتابة فيهم قليل
قال ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ( ت : 597 ) : فإن الله عزّ وجلّ خصّ أمتنا بحفظ القرآن
والعلم، وقد كان من قبلنا يقرءون كتبهم من الصحف، و لا يقدرون على الحفظ .اهـ[6]
و هذا جواب من يطعن في القرآن و السنة بتأخر التدوين
و جواب آخر : أن الكتابة لم تتأخر فالقرآن جمعه زيد بن ثابت رضي
الله عنه من المكتوب عند الصحابة مع حفظه له[7]، و الصحابة أيضا كان
منهم من كان يكتب، و ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكتابة غير
محفوظ
أخرج مسلم في صحيحه : 72 - ( 3004 ) حدثنا هداب بن خالد
الأزدي حدثنا همام [ بن يحيى ] عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير "القرآن"
فليمحه، وحدثوا عني، ولا حرج، ومن كذب عليّ - قال همام : أحسبه قال - متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار
المحفوظ
: موقوف على أبي سعيد
قال
الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي ( ت : 463 )
: ويقال أن المحفوظ
رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري من قوله، غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه
وسلم .اهـ[8]
قال المزي أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن ( ت : 742 ) : رواه أبو عوانة [ يعقوب بن إسحاق ] الإسفرائيني ( ت : 316 ) ، عن أبي داود السجستاني عن هدبة - بقصَّة الكتابة – وقال : قال أبو داود [ سليمان بن الأشعث ( ت : 275 ) ]: وهو منكر، أخطأ فيه همَّام، هو من قول أبي سعيد .اهـ[9]
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 16
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق