التعريف بمختصر الطليطلي في الفقه المالكي 13
✍بوعلام محمد بجاوي
*النظر إلى المنافع
في الصنف الواحد :
كجعله البر ( الحنطة، القمح ) والشعير و السلت صنفا واحدا :
قال
الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى ( ت : 279 ) : والعمل على هذا
عند أهل العلم : لا يرون أن يباع البر بالبر ( الطليطلي يعبر عنه بـ "الحنطة"
) إلا مثلا بمثل، والشعير بالشعير إلا مثلا بمثل، فإذا اختلفت الأصناف فلا بأس أن
يباع متفاضلا إذا كان يدا بيد، وهذا قول أكثر أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول : سفيان [ بن سعيد ] الثوري ( ت : 161 ) و الشافعي و أحمد و
إسحاق [ بن إبراهيم – ابن راهويه – ( ت : 238 )
] ... وقد كره قوم
من أهل العلم أن تباع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل : وهو
قول مالك بن أنس، والقول الأول أصح .اهـ[1]
وقال ابن عبد البر : أما الأجناس عند مالك رحمه الله – وهي التي
يسميها أصحابه الأصناف – : فإن البر والشعير والسلت عنده صنف واحد؛ لأن الغرض فيها
في الاقتيات والادخار متقارب، وسائر العلماء
يجعلونها ثلاثة أصناف .اهـ[2]
واللحوم ثلاثة أصناف، و الألبان كذلك : و هو قول الليث بن سعد
جعلها ثلاثة أصناف – حيوان البَرّ صنف، وحيوان البحر
صنف، و الطير صنف – ، و غيره إما إن يجعلها صنفا واحدا أو أصنافا مختلفة، وجمع أبو
حنيفة بين الضأن والمعز، و البقر والجواميس، و البختي مع القوهي من الإبل
قال ابن عبد البر : هذا مذهب مالك لا خلاف عنه في ذلك، وذكر ابن القاسم وغيره في الألبان مثل
ذلك
و هو قول الليث بن سعد ( ت : 175 ) في
اللحوم والألبان سواء
و أما الشافعي : فذكر المزني [ أبو إبراهيم
إسماعيل بن يحيى ( ت : 264 ) ]
عنه قال : اللحم كله صنف واحد وحشيه وإنسيه وطائره، لا يحوز بيعه إلا مثلا بمثل
وزنا بوزن، وجعله في موضع آخر على قولين :
أحدهما : ما ذكرنا
و الآخر : أن لحم البقر صنف غير لحم الإبل وغير لحم الغنم
قال المزني : قد قطع بأن ألبان البقر والغنم والإبل
أصناف مختلفة قال : فلحومها التي هي أصول الألبان أولى بالاختلاف
وقال الشافعي في "الإملاء" : إذا اختلفت أجناس الحيتان فلا بأس
ببيع بعضها ببعض متفاضلا قال وكذلك لحوم الطير إذا اختلفت أجناسها
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف [ يعقوب بن إبراهيم ( ت : 182 ) ] ومحمد [ بن الحسن الشيباني ( ت : 189 ) ] : لحم الضأن والماعز شيء واحد، وكذلك البختي من الإبل مع
القوهي، وكذلك البقر مع الجواميس، فلا يباع الجنس منها متفاضلا، ويباع لحم البقر
بلحم الغنم متفاضلا، وكذلك الأجناس المختلفة
وهو قول الحسن بن حي ( ت : 199 )
و القول عندهم في الألبان كالقول في اللحمان
و قال أحمد بن حنبل : اللحمان[3] كلها جنس واحدة لا يجوز بعضه ببعض رطبا، و يجوز
إذا تناهى جفافه مثلا بمثل .اهـ[4]
*اعتبار الصنعة في إباحة التفاضل :
قال ابن عبد البر : ويجوز عند مالك : بيع اللحم الطري بالمطبوخ متماثلا أو متفاضلا، وكذلك الخبز
بالدقيق، والعجين بالخبز، والحنطة المقلية بالنية متفاضلا ومتماثلا كل ذلك، وليس
عنده في ذلك مزابنة؛ لأن الصنعة أخرجته عنده من الجنس، وغيره يخالفه في ذلك .اهـ[5]
*و النظر إلى القصد
:
من باب التهمة : تحريم ما صورته مباحة سدا
لذريعة الربا
و أجازه الشافعي
بناء على ظاهره – بيع لا قرض –، و منعه أبو حنيفة بناء على أصله : الجنس الواحد علة يحرّم النسيئة
مطلقا لا من باب التهمة
قال ابن عبد البر : وأما الشافعي : فلا ربا عنده في شيء من ذلك كله على حال من
الأحوال، وجائز عنده بيع كل صنف منه يدا بيد ونسيئة كيف شاء المتبايعان اثنان
بواحد وأكثر، ولا يُـتَّهم أحد ذكر بيعا لأنه أراد سلفا كما لو قال أسلفك لم يكن
عنده بمعنى بعتك.
وأما الكوفيون : فقد ذكرت ذلك فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب أن الكيل والوزن عندهم فيما
لا يؤكل ولا يشرب كالجنس من المأكول والمشروب كل واحد منهما [ الجنس الواحد، و
الكيل أو الوزن ولو اختلف الجنس[6]
] بانفراده يحرم النسيئة فيه، فإن اختلف الجنسان حرمت النسيئة فيهما دون التفاضل،
وأما التفاضل فلا يحرم إلا باجتماع الجنس أو الكيل أو الوزن
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجوز "الحديد" بـ "الحديد"، ولا "الصفر"
بـ "الصفر"، و لا "النحاس" بـ "النحاس"
إلا واحدا بواحد، و لا يجوز نسيئة، وأجازوا "سكينا" بـ "سكين"،
لأن ذلك قد خرج من أن يباع وزنا، وكذلك عندهم حكم كل آنية تصنع من الحديد وغيره،
ولا يجوز ذلك عندهم – ولا عند أحد من العلماء – في آنية الذهب والفضة .اهـ[7]
وينظر إلى القصد فيما كانت صورته محرمة
فيجيزه
أجاز بيع الثوب معجلا بدينار إلى شهر ثم بيع الدينار
بالدراهم إلى شهرين : لأن حقيقته ثوب معجل بدارهم إلى شهرين
قال ابن عبد البر : ومما أجاز مالك – رحمه
الله – وخالفه فيه سائر الفقهاء : بيع الثوب معجلا بدينار
إلى شهر، والدينار بكذا درهم إلى شهرين لأن البيع وقع عنده بالدراهم ولم ينظر إلى
قبيح كلامهما إذا صح العمل بنيهما كما لا ينظر إلى حسن كلامهما إذا قبح العمل
بينهما.
وهذا عند غيره : صرف فيه عدة ونسيئة،
وبيعتان في بيعة .اهـ[8]
و الجمع بين الصفقتين :
قال ابن عبد البر : قال مالك "لا يصلح مد زبد ومد لبن بمدي زبد [ لم يجعله مد زبد بمد
زبد ومد لبن بمد زبد ] وهو مثل الذي وصفنا من التمر الذي يباع صاعين من كبيس وصاعا
من حشف بثلاثة أصوع من عجوة حين قال لصاحبه إن صاعين من كبيس بثلاثة أصوع من عجوة
لا يصلح ففعل ذلك [ زاد صاعا من حشف ] ليجيز بيعه وإنما جعل صاحب اللبن مع زبده
ليأخذ فضل زبده على زبد صاحبه حين أدخل معه اللبن"
قول الشافعي في ذلك : كقول مالك [ أي في هذا الفرع دون الأصل، كما يأتي في
نهاية كلامه لأنه يمنع اللبن بالزبد، ومقصود مالك : اللبن الذي لا زبد فيه، و هو لبن الإبل[9] ]
و أما أبو حنيفة : فجائز ذلك كله عنده لأنه يجوز عنده مد لبن
بمد لبن ومد زبد بمد زبد ويكون المد من الزبد بالمد من الزبد
و أما الشافعي : فلا يجوز عنده اللبن بالزبد بحال إذا كان
من جنسه [ فهو موافق لأبي حنيفة في الأصل ] .اهـ[10]
و قال : وأما قول مالك في "نصف مد دقيق ونصف مد من حنطة بمد من دقيق" فقد بين علته في ذلك، و وافقه الشافعي و أبو حنيفة في الجواب دون العلة، لأنهما لا يجيزان بيع الدقيق بالحنطة أصلا ونحن على مذهب من أجاز بيعها مثلا بمثل لأنه نصف مد دقيق بمثله من دقيق ونصف مد حنطة بمثله من حنطة .اهـ[11]
[1] جامع الترمذي 2 / 533 - ط : دار الغرب
[2] الكافي في فقه أهل المدينة 2 /
648
[3] جمع لحم قال الجوهري أبو نصر إسماعيل بن حماد ( ت : 393 ) : اللحم : معروف، واللحمة أخص منه، و الجمع : لحام ولحمان ولحوم .اهـ
الصحاح 5 / 2027
[4] الاستذكار 6 / 427 – 428
[5] الكافي 2 / 651 – ط : مكتبة الرياض الحديثة
[6] قال – و هوضمن النقل
السابق في علة الربا – : و أما أبو حنيفة وأصحابه : فالجنس عندهم بانفراده تحرم فيه النسيئة، و كذلك الكيل
والوزن كل واحد منهما بانفراده تحرم فيه النسيئة .اهـ
[7] الاستذكار 6 / 445 – 446
[8] الكافي 2 / 637
[9] الكافي 2 / 653
[10] الاستذكار 6 / 399
[11] الاستذكار 6 / 400
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق