القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 12
✍بوعلام محمد بجاوي
الرابعة : استحالة عدم القديم
أو
القديم لا يُعدم، أي الاستدلال بانعدام الأعراض على حدثها، و هو ظاهر، لو كانت
قديمة لكانت واجبة الوجود و وواجب الوجود لا ينعدم[1]
و
دليله – عندهم – نفس دليل عدم بقاء الأعراض ، أي أن الذي يعدمه لا بد له من مقتض و
ذلك المقتضي إما :
أن
يكون فعلا بالاختيار
أو
بغير اختيار
أو
حدوث ضد
وهي
ممتنعة، كما سبق في بقاء الأعراض ...
ويبقى
احتمال : فقدان شرط الوجود :
إذا كان حادثا : ممتنع؛ يلزم منه وجود القديم قبل شرط
وجوده
إذا كان قديما : الكلام فيه و في انعدامه كالكلام في
مشروطه[2]
قواعد : في الحدوث [ النتائج ]
إذا تبين أن الأعراض حادثة
خامسا : الحوادث لها أول
أو منع تسلسل الحوادث في الماضي، و هذا بدهي إذا وضع في
موضعه، لأن الحدوث يتعارض مع القدم، وإلا لزم اجتماع ضدين قدم مع أولية[3]،
و ردّ ابن
بزيزة دعوى التناقض؛ لأن مقصود الدهرية تعاقب الحوادث في القدم،
فلازال الليل والنهار يتعاقب حدوثهما في القدم دون أن يكون ليل أول أو نهار أول[4]
و لم يذكروا دليلا قويا، ولازم دليل الأعراض – كما يأتي –
مع الدهريين، و هم من أحدث هذا الدليل؛ ليصلوا به إلى قدم العالم مع علته
سادسا : الأجسام لا تعرى عن الأعراض
الجواهر
و الأجسام متحيّزة، و المتحيّز لا يعرى عن الاجتماع و الافتراق و عن الحركة و
السكون و هذه أعراض، و ما يرى من الأجسام ثابتا لا يتحرك كالأرض أو متحركا أبدا
كالشمس فالحركة في الأول ممكنة و السكون في الآخر ممكن أيضا[5]
سابعا : ما قام به حادث فهو حادث
أو ما لا ينفك عن حادث فهو حادث، لأنه يلزم من قدمه
وجوده قبل ما لا ينفك عنه وهو محال[6]
و هذا دليل عقلي بدهي إذا وضع في موضعه
النتيجة : الأجسام حادثة، لأنها لا تنفك
عن الحادث وهي الأعراض، ومنها الأكوان[7]،
وعليه العالم حادث لأنه إما جسم أو عرض
وإذا ثبت حدث العالم ثبت الموجد وهو الصانع – على
تعبيرهم –
قال الجويني أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله ( ت : 478 ) :
فإذا بما ذكرناه، الأعراض و حدوثها واستحالة تعري الجواهر عنها و استنادها إلى أوّل،
فيخرج من هذه الأصول أن الجواهر لا تسبقها، وما لا يسبق الحوادث حادث على الاضطرار
من غير حاجة إلى نظر و اعتبار.
وهذه اللمع كافية في إثبات حدث الجوهر و الأعراض، ونحن
نوضح بعد ذلك الطريق الموصل إلى العلم بالصانع .اهـ[8]
فالغرض من دليل الأعراض إثبات حدوث العالم ليُستَدل به على
المحدث وهو الله، لكن يجب أن يكون الله منزها عما استدل به على حدوث العالم،
فاصطدموا بالوحيين، فاضطروا إلى التأويل قصد التنزيه
وهذا الدليل أصل عند المتكلمين الجهمية و
المعتزلة و الكلابية و فرعيها : الأشعرية و الماتريدية، والتفاوت بينهم في التزامه
واستصحابه
"القرآن" مخلوق عند "المعتزلة" ، و غير مخلوق عند الكلابية
المعتزلة : "القرآن" كلام و الكلام حروف و أصوات و الله منزه عن الكلام
الكلابية : الله منزه عن الصوت والحرف، لكن أثبتوا له كلاما نفسيا
بلا صوت و لا حرف و لا فعل يقوم بالله، وهذا قلب للحقائق؛ لأن الكلام حقيقته الصوت
والحرف، و يتهمون من يثبتهما بالتكييف
ما معنى "القرآن" غير مخلوق ؟
"القرآن" له معنيان :
الأول : الكلام النفسي
الآخر : الحروف و الكلمات التي هي حكاية أو عبارة عن كلام
الله
الأول غير مخلوق بخلاف الآخر
و يموّهون بعبارة "القرآن
كلام الله غير مخلوق"، القصد : "القرآن" الذي هو كلام الله غير مخلوق
و يثبت متقدموهم "المجيء" و"النزول"، وينكرون
على المعتزلة إنكارهما، ثم ينقضون غزلهم بنفي الحركة والانتقال[9]،
والمعتزلة لما رأوا أن "المجي" و "النزول" حركة و انتقال و أن نفي الحركة والانتقال نفي للمجيء نفوهما
كما في الكلام إذا انتفى الصوت والحرف
يفرغون الصفة من معناها ثم ينكرون على من أنكرها
و في بعض الصفات : لا يقصدون من إثباتها إلا الإطلاق؛ لأن القرآن أطلقها كـ
"العلو" و "الاستواء" عند متقدميهم
و لا ينفون "العلو" صراحة، و إنما ينفون "الجهة"،
و المراد "العلو"
و سبق أنهم ظهروا بإثبات الصفات - بل تسموا بـ "الصفاتية"
- و الانتساب لأهل الحديث و الرد على "المعتزلة" المعطلة، و بهذا انتشر مذهبهم
ولما تمكّن المتأخرون باحوا بما سكت عنه متقدموهم، فنفوا "المجي" و
"النزول" و "العلو" و "الاستواء"، ولعلّ الصفتين اللتين
جبنوا عن نفيهما صراحة : الكلام و رؤية المؤمنين لربهم
وغير الخبير بمذهبهم- لا ينزل كلامهم على أصولهم، و لا يراقب عباراتهم –
يظنهم خالفوا أئمتهم ومالوا إلى الاعتزال
و "الكلابية" وما تفرع عنها و "المعتزلة"
فرع عن "الجهمية"، لتبنيهم لدليل الأعراض، و "الجهمية"
فرع عن "الفلاسفة" اليونانيين الذين
أحدثوا هذا الدليل، و فرعوا عنه قدم العالم
القرآن والعلم الحديث : "الأرض" 13
[1] الإرشاد ص : 21
[2] شرح العقيدة البرهانية ص : 57 – 58 الإرشاد
ص : 21
- 22
[3] الإرشاد ص : 26
[4] الإسعاد ص : 179
[5] شرح العقيدة
البرهانية ص : 49 – 50 و ينظر الإرشاد ص : 22 – 24 و
شرحه الإسعاد ص : 173 - 178
[6] شرح العقيدة البرهانية ص : 47 – 48
[7] شرح العقيدة البرهانية ص : 59 – 60
[8] الإرشاد ص : 27
[9] رسالة إلى أهل الثغر ص : 128
- 129
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق