الأربعاء، 3 فبراير 2021

الموعظة بالإسلام 16

الموعظة بالإسلام 16

✍بوعلام محمد بجاوي

*و قال } وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ { [ الأعراف : 50 – 51 ]

النسيان هو الترك، كما تركوا العمل ليوم الجزاء، جزاء وفاقا، كما في قوله تعالى } إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ { [ النساء : 142 ] و قوله } وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ { [ آل عمران : 54 ] وقوله } وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ { [ الأنفال : 30 ]

قال السمعاني : وسمى الثاني خداعا على الازدواج، كما قال } وجزاء سيئة سيئة مثلها { [ سمى الثاني سيئة على ازدواج الكلام[1] ] .اهـ[2] لأن القصاص و المعاقبة بالمثل ليس سيئة، وإن كان العفو أفضل كما في تتمة الآية } فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ { [ الشورى : 40 – 43 ]. و قوله } ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها { [ الأنعام : 160] أي من جاء بالمعصية عوقب بمثلها، فسمى الجزاء على المعصية سيئة. و مثلها } مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا  {[ غافر : 40 ] نحوها قوله في الآية التي تلي } وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا {

ومنه قوله تعالى } فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ { [ البقرة : 194 ]

قال السمعاني : وإنما سمّى الجزاء على الظلم : اعتداء، على ازدواج الكلام، ومثله قوله تعالى } وجزاء سيئة سيئة مثلها { [ الشورى : 40 ] وتقول العرب : ظلمني فلان فظلمته، أي : جازيته على الظلم. ويقال : جهل فلان عليّ فجهلت عليه، قال الشاعر:

ألا لا يجهلهن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا[3]

وقال آخر:

ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج[4]. اهـ[5]

فالنسيان، والخداع، و المكر صفات نقص، لكنها في المقابلة و الجزاء صفات كمال، لأنه جزاء من جنس العمل، و تسميتها خداعا ومكرا و عدوانا من الازدواج و المقابلة، لهذا لا يوصف الله بها إلا في سياق المقابلة : يمكر بالماكرين

*و قال } وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ . فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ . هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ { [ يونس : 27 – 30 ]

} ترهقهم ذلة { : تغشاهم[6] و تكرر هذا الوصف في القرآن : } خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون { [ القلم : 43 ] و قال } خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون { [ المعارج : 44 ]

} من عاصم { : مانع، يمنع ويدفع عنهم عذاب الله[7]

} أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا { : كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل[8]، أي وجوههم مسودة، كما في قوله تعالى } وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ { [ الزمر : 60 ] وقوله } يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ { [ آل عمران : 106 ]

} مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ { : الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم[9]

} فزيلنا { : ميّز بين المشركين والأصنام، حتى تتبرأ من عبادتهم لها[10]

*و قال } وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ . أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ . قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ . قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ . إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ . قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ . قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ { [ المؤمنون : 103 – 115 ]

} تلفح { : اللفح أكبر من النفح، ومعناه: يصيب وجوههم حر النار، وقيل: تحرق وجوههم النار وتنضجها.[11]

} كالحون { : الكالح في اللغة : هو العابس، وأما المروي في التفسير: هو الذي تقلصت شفتاه، وظهرت أسنانه.[12]

} اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ { : أبعدوا، فينقطع رجاؤهم حينئذ، ولا يسمع بعد ذلك منهم إلا الزفير والشهيق[13]

} سخريا {  قرئ "سخريا" بكسر السين وضمها، لغتان في الاستهزاء، أو بالكسر من التسخير و هو الاستعباد بالفعل،- و بالضم - من الاستهزاء بالقول[14]



[1] تفسير السمعاني 5 / 82

[2] تفسير السمعاني 1 / 493

[3] معلقة عمرو بن كلثوم

[4] لـ : محمد بن حازم الباهلي ت : 195

[5] تفسير السمعاني 1 / 194

[6] تفسير السمعاني 2 / 379

[7] تفسير السمعاني 2 / 379

[8] تفسير الطبري 12 / 168

[9] تفسير السمعاني 2 / 380

[10] تفسير السمعاني 2 / 380

[11] تفسير السمعاني 3 / 492

[12] تفسير السمعاني 3 / 492

[13] تفسير السمعاني 3 / 493

[14] قال البغوي : قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: "سخريا" بضم السين هاهنا وفي سورة ص [ الآية : 63 ]، وقرأ الباقون بكسرهما، واتفقوا على الضم في سورة الزخرف [ الآية : 32 ] .اهـ تفسير البغوي 5 / 413

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق