الموعظة بالإسلام 16
✍بوعلام محمد بجاوي
*و قال } وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ
أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ
اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ
لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ
كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ { [ الأعراف : 50 – 51 ]
النسيان هو الترك، كما
تركوا العمل ليوم الجزاء، جزاء وفاقا، كما في قوله تعالى } إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ { [ النساء : 142 ] و قوله } وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ { [ آل عمران : 54 ] وقوله } وَإِذْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ { [ الأنفال : 30 ]
قال السمعاني : وسمى
الثاني خداعا على الازدواج، كما قال } وجزاء سيئة سيئة مثلها { [ سمى الثاني سيئة على
ازدواج الكلام[1] ] .اهـ[2] لأن القصاص و المعاقبة بالمثل ليس
سيئة، وإن كان العفو أفضل كما في تتمة الآية } فَمَنْ عَفَا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ .
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ .
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ
وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ { [ الشورى : 40 – 43 ]. و قوله } ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها { [ الأنعام : 160] أي من جاء بالمعصية
عوقب بمثلها، فسمى الجزاء على المعصية سيئة. و مثلها } مَنْ عَمِلَ
سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا {[
غافر : 40 ] نحوها قوله في الآية التي تلي } وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ
بِمِثْلِهَا {
ومنه قوله تعالى } فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
مَعَ الْمُتَّقِينَ { [ البقرة : 194 ]
قال السمعاني : وإنما سمّى الجزاء على الظلم : اعتداء، على ازدواج
الكلام، ومثله قوله تعالى } وجزاء سيئة سيئة مثلها { [ الشورى : 40 ] وتقول العرب : ظلمني فلان فظلمته، أي : جازيته على
الظلم. ويقال : جهل فلان عليّ فجهلت عليه، قال الشاعر:
ألا لا
يجهلهن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا[3]
وقال آخر:
ولي فرس
للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج[4].
اهـ[5]
فالنسيان، والخداع، و
المكر صفات نقص، لكنها في المقابلة و الجزاء صفات كمال، لأنه جزاء من جنس العمل، و
تسميتها خداعا ومكرا و عدوانا من الازدواج و المقابلة، لهذا لا يوصف الله بها إلا
في سياق المقابلة : يمكر بالماكرين
*و قال } وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ
بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ
كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا
ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا
تَعْبُدُونَ . فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا
عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ . هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ
وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ { [ يونس : 27 – 30 ]
} ترهقهم ذلة { : تغشاهم[6] و تكرر هذا الوصف في القرآن : } خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود
وهم سالمون { [ القلم : 43 ] و قال } خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي
كانوا يوعدون { [ المعارج : 44 ]
} من عاصم { : مانع،
يمنع ويدفع عنهم عذاب الله[7]
} أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ
مُظْلِمًا { : كأنما ألبست وجوه
هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل[8]، أي وجوههم مسودة، كما في قوله تعالى } وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى
اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِلْمُتَكَبِّرِينَ { [ الزمر : 60 ] وقوله } يَوْمَ
تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ { [ آل عمران : 106 ]
} مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ { : الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم[9]
} فزيلنا { : ميّز بين
المشركين والأصنام، حتى تتبرأ من عبادتهم لها[10]
*و قال } وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ
وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ . أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ
بِهَا تُكَذِّبُونَ . قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا
قَوْمًا ضَالِّينَ . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا
ظَالِمُونَ . قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ . إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ
مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ
خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ
ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا
صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ . قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ
عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ
الْعَادِّينَ . قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا
لَا تُرْجَعُونَ { [ المؤمنون : 103 – 115 ]
} تلفح { : اللفح أكبر من النفح، ومعناه: يصيب وجوههم حر النار،
وقيل: تحرق وجوههم النار وتنضجها.[11]
} كالحون { : الكالح في اللغة : هو العابس، وأما المروي في التفسير: هو الذي تقلصت
شفتاه، وظهرت أسنانه.[12]
} اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ { : أبعدوا، فينقطع رجاؤهم حينئذ، ولا يسمع بعد ذلك منهم إلا
الزفير والشهيق[13]
} سخريا { قرئ "سخريا" بكسر السين وضمها، لغتان في
الاستهزاء، أو بالكسر من التسخير و هو الاستعباد بالفعل،- و بالضم - من الاستهزاء بالقول[14]
[1] تفسير السمعاني 5 / 82
[2] تفسير السمعاني 1 / 493
[3] معلقة عمرو بن كلثوم
[4] لـ : محمد بن حازم الباهلي ت : 195
[5] تفسير السمعاني 1 / 194
[6] تفسير السمعاني 2 / 379
[7] تفسير السمعاني 2 / 379
[8] تفسير الطبري 12 / 168
[9] تفسير السمعاني 2 / 380
[10] تفسير السمعاني 2 / 380
[11] تفسير السمعاني 3 / 492
[12] تفسير السمعاني 3 / 492
[13] تفسير السمعاني 3 / 493
[14] قال البغوي : قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: "سخريا" بضم السين
هاهنا وفي سورة ص [ الآية : 63 ]، وقرأ الباقون بكسرهما، واتفقوا على الضم في سورة الزخرف [ الآية : 32 ] .اهـ تفسير البغوي 5 /
413
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق