النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه و سلم 17
✍بوعلام محمد بجاوي
المازري
أبو عبد الله محمد بن علي ( ت : 536 ):
قاله قبل أن يوحى
إليه أنه الأفضل
قال المازري : وأمّا قوله: "ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متّى"، فيحتمل أن يكون ذلك قبل أن يوحى إليه بأنّ غير يونس أفضل منه، فلهذا امتنع أن يقول بالتّفضيل ولم يوحَ إليه به، وهو صلى الله عليه وسلم لم يقل ها هنا إنّ يونسَ أفضلُ من سائر الأنبياء حتى يكون ذلك معارضا في ظاهره لقوله "أنا سَيِّد ولد آدم" فيفتقر إلى التّأويل، ولكنه إذا قال: "لا أقول : إنّ أحدًا أفضل من يونس" وحملناه على أنّ ذلك قبل أن يوحى إليه بالتفضيل ثمّ أوحىَ إليه بالتّفضيل فقال به: لم يكن في ذلك من التّعارض ما يغمض ويفتقر إلى التّأويل .اهـ[1]
و بهذا أجاب عن حديث إبراهيم، كما سبق
قال : وقد يحتمل قوله "ذاك إبراهيم" قبل أن يوحى إليه بأنه هو خير منه .اهـ[2]
وسبق
– أيضا – حكاية ابن بطال هذا التوجيه في الحديث نفسه و في أحاديث النهي عن التفضيل
و على هذا التأويل : النهي منسوخ
القاضي
عياض بن
موسى اليحصبي أبو الفضل ( ت : 544 ) :
سبق في
حديث "ذاك إبراهيم" أن النهي عن التفضيل منسوخ
و هنا ذكر
التوجيهات دون ترجيح
قال القاضي عياض : في
التفسير ما ينبغي لأحد أن يكون خيرا من يونس بن متى كذا للمروزي وغيره وعند
الجرجاني أن يقول أنا خير من يونس بن متى وكلتا الروايتين صحيحة المعنى، فيحتمل :
أن يكون "أنا" راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "لا تفضلوا بين الأنبياء" :
*إما
على طريق الأدب والتواضع
*أو
على طريق الكف أن يفضل بينهم تفضيلا يؤدي إلى تنقص بعضهم
*أو
يكون ذلك قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم
أو يكون المراد بـ "أنا"
كل قائل ذلك من الناس ويكون بمعنى الرواية الأولى فيفضل نفسه على نبي من الأنبياء
ويعتقد أن ما نص عليه من قصته قد حطت من منزلته[3] .اهـ[4]
القرطبي
أبو العباس
أحمد بن عمر بن إبراهيم ( ت :
656 ) :
حمل النهي
على ظاهره – التحريم – و إن كان المعنى – التفضيل – ثابتا، ويجب اعتقاده، وعلّله
بـ :
التواضع
و الأدب مع ثبوت الأفضلية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
منعًا
أن يفهم من التفضيل انتقاص ليونس لما ذكر في قصته في القرآن
قال : فإن قيل : إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم فكيف ينهي عن
التفضيل ؟ وكيف لا يقول من هو في درجة عُليا: أنا خير من فلان، لمن هو دونه، على
جهة الإخبار عن المعنى الصحيح ؟ فالجواب :
أن
مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ - لا المنع من اعتقاد معناه - أدبا مع
يونس
وتحذيرا
من أن يفهم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ.
وإنما خصّ يونس صلى الله عليه
وسلم بالذكر في هذا الحديث، لأنه لما دعا قومه للدخول في دينه، فأبطؤوا عليه ضجر،
واستعجل بالدعاء عليهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، وفر منهم... ولما جرى هذا ليونس عليه السلام، وأطلق
الله تعالى عليه : أنه مليم، أي: أتى بما يلام عليه. قال الله تعالى على لسان
نبيه صلى الله عليه وسلم : "لا ينبغي
لعبد أن يقول: أنا خير من يونس"، لأن ذلك يوهم نقصا في نبوته، وقدحا في درجته، وقد بينا أن لعبد هنا
بمعنى لنبي .اهـ[5]
جواب جامع عن أحاديث النهي عن التفضيل :
محل التعارض
:
الأفضلية ثابتة له صلى الله عليه وسلم، و إنما الكلام في الإطلاق، هل يقال :
محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى عليه السلام أو غيره من الأنبياء، أو محمد
أفضل الأنبياء
أولا : حديث
السيد الله
مقيدا بالوصف : كما في الحديث "أنا سيد
ولد" :
الأقرب – كما
يأتي – أنها ترجع إلى المدح بالوصف، لا بالتفضيل، وهو ما ذكر بعدها، و هو جائز
مطلقا : له صورتان :
الأولى :
سيد غير الأنبياء كقول المسلم "سيدنا
محمد"
الأخرى :
سيد الأنبياء، أو سيد الخلق
الصورة
الأولى : أن المقصود شفيعنا يوم القيامة أو إمامنا في الدنيا لا أنه أفضلنا، لأن
أفضليته ظاهرة
و الصورة
الأخرى : حكمها حكم التفضيل، لأن معنى سيدهم أنه أفضلهم، ويمكن أن يقال إن أراد بها
الشفاعة يوم القيامة، فتجوز، لأن الأفضلية من لوازم السيادة، والنبي لم يقصد
اللازم وإنما قصد ما اختصه الله به يوم القيامة، لهذا قال "ولا فخر"
ثانيا :
حديث ذاك إبراهيم
الأقرب أنه
منسوخ أو اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه، ولا يعارض هذا العصمة،
لأن العصمة هي عدم الإقرار على الخطأ، ثم أعلمه ربه أنه الأفضل
ثالثا : حديثا
النهي عن تفضيله على موسى و يونس عليهما السلام
فيها أربعة أقوال أقوال :
الجواز
مطلقا : نسخا أو عزيمة
ابن
قتيبة، الخطابي، الحليمي، القرطبي، المازري : الإطلاق جائز عندهم، و أن الحديث يراد
به التواضع أو معنى خاص، وهو ازدراء المفضول، أو قبل علمه صلى الله عليه وسلم
بأفضليته على جميع الأنبياء
النسخ عند من
حمله على حصول الأفضلية للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت لإبراهيم
قال القاضي عياض : ونسخ ما كان أمرنا به عليه السلام قبلُ من ترك التفضيل
بين[6] الأنبياء .اهـ[7]
و النسخ إنما يستقيم لو كانت الأفضلية لإبراهيم عليه السلام ثم صارت
وانتقلت إلى النبي محمد r، لكن عياض – وكذا المازري - حمله على عدم
العلم "بما اعتقده وظهر له من منزلة إبراهيم" فهنا
يقال تصويب من الله تعالى لا نسخ
و من يحمله
على التواضع أو على عدم ازدراء المفضول أو الخصومة : التفضيل جائز ابتداء
و الخطابي له تأويل في حديث يونس لازمه التفضيل
لا يكون إلا مقيدا بيوم القيامة، وله تأويلان آخران في نفس الحديث لازمهما حمل
انهي على الجواز، أما في حديث موسى فحمله على الإزراء بالمفضول و عليه جواز
التفضيل
المنع
مطلقا: وهو اختيار القرطبي
المنع
إذا كان التفضيل في النبوة : ذكره عياض[8]
الجواز
مطلقا دون تعيين : حسّنه القرطبي، لكن رجّح التحريم
الجواز
بشرط ألا يكون بين أهل الملل : سدا لذريعة البغي على أحد الأنبياء
و هو اختيار الحليمي
لكن في الخصومة مع الملل الأخرى يجب أن يكون خارجا عن محل النزاع، وإنما ذكر لتعليل النهي و هو ظاهر في حديث التفضيل على موسى عليه السلام، و هو أحد تعليلات من قال بالجواز، حملوا النهي عليه
[1] المعلم بفوائد مسلم 3 / 233 - 234
[2] المعلم بفوائد
مسلم 3 / 226
[3] سبق الكلام عنه في أول الكلام، و لا حاجة إلى توجيه الحديث على هذا المعنى
[4] مشارق
الأنوار 1/ 349 إكمال المعلم 7 / 237 - 238
[5] المفهم 6 / 624 – 626
[6] في الطبعة
"من" و في إكمال الأبي عكس استعمل النهي عن التفضيل بدل الأمر
بترك التفضيل 1 / 158
[7] إكمال المعلم 7 / 341
[8] يأتي نقل
كلامه قريبا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق